مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ، وما كان منهم
السبت يناير 24, 2009 6:22 pm
مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ، وما كان منهم
أمر الله له صلى الله عليه وسلم بمباداة قومه
قال ابن اسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء ، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة ، وتحدث به ، ثم إن الله عز وجل امر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه ، وأن يبادي الناس بأمره ، وان يدعو إليه ، وكان بين ما اخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به الي أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين ، فيما بلغني ، من مبعثة ، ثم قال الله تعالى له : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) [ الحجر: 94] وقال تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين *)[ الشعراء : 214-215] ( وقل إني أنا النذير المبين ) [ الحجر : 89] .
تفسيرابن هشام لبعض المفرودات
قال ابن هشام : اصدع : افرق بين الحق والباطل ، قال أبو ذؤيب الهذلي واسمه خوليد بن خالد يصف أتن وحش وفحلها :
وكأنهن ربابة وكأنه
يسر يفيض على القداح ويصدع
أي : يفرق على القداح ويبين انصباءها، وهذا البيت في قصيدة له ، وقال رؤبة بن العجاج :
أنت الحليم والأمير المنتقم
تصدع بالحق وتنفي من ظلم
وهذان البيتان في أرجوزة له
خروج الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه الي شعاب مكة ، وما فعله سعد
قال ابن اسحاق : وكان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب ، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينا سعد بن ابي وقاص في نفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين ، وهم يصلون ، فناكروهم ، وعابوا عليهم ما يصنعون ، حتى قاتلوهم ، فضرب سعد بن ابي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بحلي بعير فشجه فكان أول دم هريق في الاسلام .
إظهار قومه صلى الله عليه وسلم العداوة له ، وحدب عمه أبي طالب عليه
قال ابن اسحاق : فلما بادي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام ،وصدع به كما أمره الله ، لم يبعد منه قومه ، ولم يردوا عليه – فيما بلغني – حتى ذكر آلهتهم وعابها ، فلما فعل ذلك اعظموه وناكروه ، وأجمعوا خلافة وعداوته ، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام ، وهم قليل مستخفون ، وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ، ومنعه ، وقام دونه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرا لأمرة ، لا يرده عنه شئ . فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايعتبهم من شئ أنكروه عليه ، من فراقهم وعيب آلهتهم ، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه ، وقام دونه ، فلم يسلمه لهم ، مشى رجال من أشراف قريش الي ابي طالب عتبه وشيبه أبنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .
قال ابن هشام : واسم ابي سفيان صخر .
قال ابن اسحاق : وأبو البختري ، واسمه العاصي بن هشام بن الحارث بن اسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
قال ابن هشام : ابو البختري : العاص بن هاشم .
قال ابن اسحاق : والأسود بن المطلب بن اسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي ، وابو جهل – واسمه عمرو ، وكان يكنى أبا الحكم – ابن هشام بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بمن مخزوزم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، والوليد بن المغيرةي بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ،ونبيه ومنبه أبنا الحجاج بن عامر بن خذيفية بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ِ،والعاص بن وائل .
قال ابن هشام : العاصي بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .
وفد قريش مع ابي طالب شأن الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن اسحاق : او من مشى منهم ، فقالوا : يا ابا طالب ، إن ابن اخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أخلامنا ، وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فنكفيكه ، فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا ، وردهم ردا جميلا ، فانصرفوا عنه .
استمرار رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ، ورجوعه وفد قريش الي ابي طالب ثانية
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ماهو عليه : يظهر دين الله ، ويدعو ، ثم شري الامر بينه وبينهم ،حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها ، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ، ثم أنهم مشوا إلى ابي طالب مرة أخرى ، فقالوا له : يا ابا طالب ، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصير على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، او ننازله وأياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له ، ( ثم ) انصرفوا عنه ، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداواتهم ، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ، ولا خذلانه .
طلب أبي طالب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكف عن الدعوة وجوابه له
قال ابن اسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبه بن المغيرة بن الأخنس ، انه حدث : أن قريشا حين قالوا لأبي طلاب هذه المقالة بعث الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا ابن اخي أن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا ، للذي كانوا قالوا له ، فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الامر مالا أطيق ، قال : فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء ، وأنه خاذله ومسلمة ، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه ،قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، او أهلك فيه ما تركته " قال : ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ، ثم قام ، فلما ولى ناداه أبو طالب فقال : أقبل يا ابن اخي ، قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: اذهب با ابن اخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشئ أبدا .
مشى قريش إلى أبي طالب ثالثة بعمارة بن الوليد المخزومي
قال ابن اسحاق : ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبي خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، فقالوا له – فيما بلغني - : يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد ، أنهد فتى في قريش وأجمله ، فخذه فلك عقله ونصره ، واتخذه ولدا فهو لك وأسلم إلينا ابن اخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك ، وسفه أحلامهم فنقتله ، فإنما هو رجل برجل ، قال : والله لبئس ما تسومونني ! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم ، وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكن أبدا ، قال: فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ابن قصي : والله يا ابا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكرهه ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا ، فقال أبو طالب للمطعم: والله أنصفوني ، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي ، فاصنع ما بدا لك ، او كما قال . فحقب الأمر ، وحميت الحرب ، وتنابذ القوم ، وبادي بعضهم بعضا.
شعر ابي طالب في التعويض بالمطعم ومن خذله من بني عبد مناف
فقال أبو طالب عند تلك ، يعرض المطعم بن عدي ، ويعم من خذله من بني عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش ، ويذكر ما سألوه ، وما تباعد من أمرهم :
ألا قل لعمرو والوليد ومطعم
من الخور حبحات كثير رغاؤه
تخلف خلف الورد ليس بلاحق
أرى أخوينا من أبينا وأمنا
بلى لهما أمر ولكن تجرجما
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا
هما أعمزا للقوم في أخويهما
هما اشركا في المجد من لا أبا له
وتيم ومخزوم وزهرة منهم
فوالله لا تنفك منا عداوة
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم
ألا ليت حظي من حياطتكم بكر
يرش على الساقين من بوله قطر
إذا ما علا الفيفاء قيل له : وبر
أذا سئلا قولا : إلى غيرنا الأمر
كما جرجمت من رأس ذي علق الصخر
هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
فقد أصبحا منهم أكفهما صفر
من الناس إلا أن يرس له ذكر
وكانوا لنا مولى إذا بغى النصر
ولا منهم ما كان من نسلنا شفر
وكانوا كجفر بئيس ما صنعت جفر
قال ابن هشام : تركنا منها بيتين أقذع فيهما .
ذكر ما فتنت به قريش المؤمنين وعذبتهم على الأيمان
قال ابن اسحاق : ثم ان قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أسلموا معه ، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ، ويفتنونهم عن دينهم ، ومنع الله رسول صلى الله عليه وسلم منهم بعمه أبي طالب ، وقد قام ابو طالب ، حين رأي قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم الي ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه ، فاجتمعوا إليه ، وقاموا معه ، وأجابوه إلى ما دعاهم إليه ، إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون.
شعر ابي طالب في مدح قومه لحدبهم عليه
فلما رأي ابو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه ، جعل يمدحهم ، ويذكر قديمهم ، ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، ومكانة منهم ، ليشد لهم رأيهم ، وليحدبوا معه على أمره ، فقال:
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر
فإن حصلت أشراف عبد منافها
وإن فخرت يوما فإن محمداً
تداعت قريش غثها وسمينها
وكنا قديما لا نقر ظلامة
ونحمي حماها كل يوم كريهة
بنا انتعش العود الذواء وإنما
فعبد مناف سرها وصميمها
ففي هاشم أشرافها وقديمها
هو المصطفى من سرها وكريمها
علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها
ونضرب عن أحجارها من يرومها
بأكنافنا تندى وتنمي أرومها
أمر الله له صلى الله عليه وسلم بمباداة قومه
قال ابن اسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء ، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة ، وتحدث به ، ثم إن الله عز وجل امر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه ، وأن يبادي الناس بأمره ، وان يدعو إليه ، وكان بين ما اخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به الي أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين ، فيما بلغني ، من مبعثة ، ثم قال الله تعالى له : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) [ الحجر: 94] وقال تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين *)[ الشعراء : 214-215] ( وقل إني أنا النذير المبين ) [ الحجر : 89] .
تفسيرابن هشام لبعض المفرودات
قال ابن هشام : اصدع : افرق بين الحق والباطل ، قال أبو ذؤيب الهذلي واسمه خوليد بن خالد يصف أتن وحش وفحلها :
وكأنهن ربابة وكأنه
يسر يفيض على القداح ويصدع
أي : يفرق على القداح ويبين انصباءها، وهذا البيت في قصيدة له ، وقال رؤبة بن العجاج :
أنت الحليم والأمير المنتقم
تصدع بالحق وتنفي من ظلم
وهذان البيتان في أرجوزة له
خروج الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه الي شعاب مكة ، وما فعله سعد
قال ابن اسحاق : وكان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب ، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينا سعد بن ابي وقاص في نفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين ، وهم يصلون ، فناكروهم ، وعابوا عليهم ما يصنعون ، حتى قاتلوهم ، فضرب سعد بن ابي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بحلي بعير فشجه فكان أول دم هريق في الاسلام .
إظهار قومه صلى الله عليه وسلم العداوة له ، وحدب عمه أبي طالب عليه
قال ابن اسحاق : فلما بادي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام ،وصدع به كما أمره الله ، لم يبعد منه قومه ، ولم يردوا عليه – فيما بلغني – حتى ذكر آلهتهم وعابها ، فلما فعل ذلك اعظموه وناكروه ، وأجمعوا خلافة وعداوته ، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام ، وهم قليل مستخفون ، وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ، ومنعه ، وقام دونه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرا لأمرة ، لا يرده عنه شئ . فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايعتبهم من شئ أنكروه عليه ، من فراقهم وعيب آلهتهم ، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه ، وقام دونه ، فلم يسلمه لهم ، مشى رجال من أشراف قريش الي ابي طالب عتبه وشيبه أبنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .
قال ابن هشام : واسم ابي سفيان صخر .
قال ابن اسحاق : وأبو البختري ، واسمه العاصي بن هشام بن الحارث بن اسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
قال ابن هشام : ابو البختري : العاص بن هاشم .
قال ابن اسحاق : والأسود بن المطلب بن اسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي ، وابو جهل – واسمه عمرو ، وكان يكنى أبا الحكم – ابن هشام بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بمن مخزوزم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، والوليد بن المغيرةي بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ،ونبيه ومنبه أبنا الحجاج بن عامر بن خذيفية بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ِ،والعاص بن وائل .
قال ابن هشام : العاصي بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .
وفد قريش مع ابي طالب شأن الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن اسحاق : او من مشى منهم ، فقالوا : يا ابا طالب ، إن ابن اخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أخلامنا ، وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فنكفيكه ، فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا ، وردهم ردا جميلا ، فانصرفوا عنه .
استمرار رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ، ورجوعه وفد قريش الي ابي طالب ثانية
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ماهو عليه : يظهر دين الله ، ويدعو ، ثم شري الامر بينه وبينهم ،حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها ، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ، ثم أنهم مشوا إلى ابي طالب مرة أخرى ، فقالوا له : يا ابا طالب ، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصير على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، او ننازله وأياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له ، ( ثم ) انصرفوا عنه ، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداواتهم ، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ، ولا خذلانه .
طلب أبي طالب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكف عن الدعوة وجوابه له
قال ابن اسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبه بن المغيرة بن الأخنس ، انه حدث : أن قريشا حين قالوا لأبي طلاب هذه المقالة بعث الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا ابن اخي أن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا ، للذي كانوا قالوا له ، فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الامر مالا أطيق ، قال : فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء ، وأنه خاذله ومسلمة ، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه ،قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، او أهلك فيه ما تركته " قال : ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ، ثم قام ، فلما ولى ناداه أبو طالب فقال : أقبل يا ابن اخي ، قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: اذهب با ابن اخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشئ أبدا .
مشى قريش إلى أبي طالب ثالثة بعمارة بن الوليد المخزومي
قال ابن اسحاق : ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبي خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، فقالوا له – فيما بلغني - : يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد ، أنهد فتى في قريش وأجمله ، فخذه فلك عقله ونصره ، واتخذه ولدا فهو لك وأسلم إلينا ابن اخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك ، وسفه أحلامهم فنقتله ، فإنما هو رجل برجل ، قال : والله لبئس ما تسومونني ! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم ، وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكن أبدا ، قال: فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ابن قصي : والله يا ابا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكرهه ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا ، فقال أبو طالب للمطعم: والله أنصفوني ، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي ، فاصنع ما بدا لك ، او كما قال . فحقب الأمر ، وحميت الحرب ، وتنابذ القوم ، وبادي بعضهم بعضا.
شعر ابي طالب في التعويض بالمطعم ومن خذله من بني عبد مناف
فقال أبو طالب عند تلك ، يعرض المطعم بن عدي ، ويعم من خذله من بني عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش ، ويذكر ما سألوه ، وما تباعد من أمرهم :
ألا قل لعمرو والوليد ومطعم
من الخور حبحات كثير رغاؤه
تخلف خلف الورد ليس بلاحق
أرى أخوينا من أبينا وأمنا
بلى لهما أمر ولكن تجرجما
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا
هما أعمزا للقوم في أخويهما
هما اشركا في المجد من لا أبا له
وتيم ومخزوم وزهرة منهم
فوالله لا تنفك منا عداوة
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم
ألا ليت حظي من حياطتكم بكر
يرش على الساقين من بوله قطر
إذا ما علا الفيفاء قيل له : وبر
أذا سئلا قولا : إلى غيرنا الأمر
كما جرجمت من رأس ذي علق الصخر
هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
فقد أصبحا منهم أكفهما صفر
من الناس إلا أن يرس له ذكر
وكانوا لنا مولى إذا بغى النصر
ولا منهم ما كان من نسلنا شفر
وكانوا كجفر بئيس ما صنعت جفر
قال ابن هشام : تركنا منها بيتين أقذع فيهما .
ذكر ما فتنت به قريش المؤمنين وعذبتهم على الأيمان
قال ابن اسحاق : ثم ان قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أسلموا معه ، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ، ويفتنونهم عن دينهم ، ومنع الله رسول صلى الله عليه وسلم منهم بعمه أبي طالب ، وقد قام ابو طالب ، حين رأي قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم الي ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه ، فاجتمعوا إليه ، وقاموا معه ، وأجابوه إلى ما دعاهم إليه ، إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون.
شعر ابي طالب في مدح قومه لحدبهم عليه
فلما رأي ابو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه ، جعل يمدحهم ، ويذكر قديمهم ، ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، ومكانة منهم ، ليشد لهم رأيهم ، وليحدبوا معه على أمره ، فقال:
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر
فإن حصلت أشراف عبد منافها
وإن فخرت يوما فإن محمداً
تداعت قريش غثها وسمينها
وكنا قديما لا نقر ظلامة
ونحمي حماها كل يوم كريهة
بنا انتعش العود الذواء وإنما
فعبد مناف سرها وصميمها
ففي هاشم أشرافها وقديمها
هو المصطفى من سرها وكريمها
علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها
ونضرب عن أحجارها من يرومها
بأكنافنا تندى وتنمي أرومها
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى