أساليب معاملته صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته
الجمعة يناير 23, 2009 6:46 pm
أساليب معاملته صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته
اختلفت الأساليب التي كان يتعامل بها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسب اختلاف الطبائع والطبقات ، وكان من أسباب نجاح دعوته ، هو توفيقه في اختيار المناسب لكل موقف ، ومع ك شخص ، ويمكن إجمالي هذه الأساليب الدعوة فيما يأتي :
الأسلوب الأول : الدعوة الحكمية :
مهمة الأنبياء ـ عليه السلام ـ قائمة على أساس الدعوة إلى الله ـ وراء الدعوة الحكيمة ، قائمة على إحسان التعامل ، وجودة المفاهمة ، وهي واضحة عند الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر من غيره ، فهو الذي آتاه الله صفات عليه من فصاحة لسان ، وجوامع كلم ، وطيبة نفس ، وحسن عمل ، ولقد كانت دعوته قائمة على المنهج القومي ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) [ النحل : 125] .
بينما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس مع عدد من أصحابه في بيته ذات يوم ـ وفيهم عمران بن حصين ـ يقرأ عليهم القرآن وبيينه لهم ، وقد تعلمت القلوب والعيون به ، إذ بعمران بن حصين يلمح أباه من بعيد ،وغلام يمسك بيده ، ويقوده إلى بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاح عمران : يا رسول الله ، هذا أبي قد جاءك ، وقد علمت أن قريشاً أرسلته إليك ، فادع الله له ، لعل الله يهديه إلى الحق ، فيسلم عليك يديك ، ويرتدي كيد قريش إلى نحوها ، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمران خيراً ، فاستبشر وتفاءل .
وأقبل الحصين يدب على الأر ض، كان شيخاً هرماً جاوز المائة ، وكانت قريش تعظمه ، فتبعه نفر منها توقيراً له وتبجيلاً ، ثم جلوسا قريباً من باب بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسترقون السمع ، وينتظرون النتيجة .
ووصل الحصين إلى باب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستأذن ثم دخل ، فرحب به النبي وبش في وجه ، ثم قال لأصحابه " أوسعوا للشيخ وأجلسه قبالته .
ولم يعباً عمران بدخول والده ، فلم يقم له ويأخذه بيده فيجلسه ، بل ولم يلتفت ناحيته ، ولحظ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك ، ولم يشعر حصين بوجود ولده في المجلس ، ورحب النبي بالشيخ ثانية ، وكلمه أطيب الكلام ، ثم أنصت وأصحابه يستمعون له ، وتكلم هو فقال : ما هذا الذي بلغنا عنك – يا محمد – إنك تشتم آلهتنا وتذكرها بسوء ، وتعيب حلوم الآباء والأجداد ، إن هذا لا يليق بك يا ابن أخي ، وأنت ابن عبد المطلب فقد كان أبوك حصينة وخيراً .. كان – والله – خيراً لقومك منك ، كان يطعمهم الكبد والسنام ، وأنت تريد أن تنحرهم ؟ وأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم – إن أبي وأباك في النار ، ودهش الحصين لهذا الجواب ، فجعل يقول : في النار ؟ في النار ؟ عبدالمطلب سيد قريش يصير إلى النار ؟ وما هذه النار يا ابن أخي ؟ وأخبره النبي أنها نار حامية باقية ، أعدها الله لمن يموت مشركاً به ، وشُغل ذهن الشيخ بهذه النار التي أخبره عنها النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد ليقول : والله ما سمعنا بهذه النار التي تخبرنا عنها يا محمد .. ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحصين وجعل يحاوره : -
ياحصين : كم تعبد من آله ؟
سبعاً : سنة في الأرض وواحداً في السماء.
فإذا أصابك الضر من تدعو ؟
الذي في السماء
فإذا هلك المال من تدعو ؟
الذي في السماء .
فإذا رغبت في خير من تدعو ؟
الذي في السماء
وختم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحوار القصير بقوله : يستجيب لك وحده ، وتشركهم معه .
أترك الستة واعبد الذي في السماء .
ولم يتركه صلى الله عليه وسلم في حيرته طويلاً ، فقال له : يا حصين : أسلم تسلم ، أما إنك لو أسلمت لعلمتك كلمتين تنفعانك ، وتسربت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلب الرجل ، وفعلت حجته فعلها في قلبه وعقله ، وأيقن أن ما يدعو إليه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم حق ، وأن الشرك باطل وضلال ، وأشرق نور الإيمان في قلبه ، فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إني أسلمت فما أقول ؟ فأجابه : قل " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله " ونطق الحصين شهادة الحق ، ففرح النبي – صلى الله عليه وسلم – بإسلامه ، وابتهج هو وأصحابه ، وسُر عمران بإسلام والده أعظم السرور وقام إليه فجعل يقبل رأسه ويديه ورجليه ، وذرف دموع الفرح غزيرة ، وبوغت الشيخ الكبير بابنه فقال عمران : والله ما شعرت به حتى هذه الساعة ، فالحمدلله يا بني أن هداني لما هداك إليه من الحق .
ورأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صنيع عمران بوالده ، فقد دخل مشركاً فما قام إليه ، ولا نظر جهته ، فلما أسلم قضى منه حقه ، وأدركته عليه الصلاة والسلام رقة ، فدمعت عيناه ونظر أصحابه إلى وجهه الشريف ورأوا الدمع تبلله ، وأدركوا على الفور معنى تلك الدموع الكريمة.
وقام الحصين من مجلسه يريد أن يخرج ، وقام له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ،ومشى الرجل خطوات ثم توقف ، وكأنه تذكر شيئاً ، وقال النبي ، علمني الكلمتين اللين وعدتني .
فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " نعم " قل " اللهم ألهمني رشدي ، وأعذرني من شرور نفسي " ، وأخذ عمران بيد والده ومشى به ، وقال النبي لأصحابه " قوموا فشيعوه إلى منزله" فقاموا رواء .
وخرج الشيخ الكبير من منزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول بصوت عال يسمعه من حوله : الحمد لله الذي هداني لدينه الحق ، اللهم ألهمني رشدي ، وأعذني من شرور نفسي .
ووسط هذه الهالة من القادمين عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ممن ينكرون الدعوة ويحاولون النيل منها وممن يسألون عنها ، ويحاولون الاستزادة فيها أصبحت المواقف تحتاج إلى صبر ، وحسن تدبير ،وهنا تظهر الدعوة الحكيمة منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولقد ظهر ذلك واضحاً جلياً في مواقف دعوته خاصة مع العرب البد والذين جمعوا الجلافة والصعوبة ، ولم يكن لهم أن يتساهلوا في نقاشه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع ذلك ساسهم ، فخرجوا دعاة في كل الأصقاع .
ومن ذلك ما أورده البخاري في صحيحه حيث قال : ( حدثنا عبد الله ابن يوسف ، قال : حدثنا الليث بن سعيد هو المقبري عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول : بينما نحن جلوس مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسجد ، دخل علينا رجل على جمل فاناخه في المسجد ثم عقله ، ثم قال لهم : أيكم محمد ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متكئ بين ظهرانيهم ، فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتكئ ، فقال الرجل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إني أسائلك بربك ورب من قبلك أألله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ فقال : اللهم نعم " أنشدك بالله أالله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ قال : اللهم نعم ، قال : أنشدك بالله أالله أمرك أن نصوم هذا الشهر في السنة ؟ قال : اللهم نعم ، قال أنشدك بالله ألله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اللهم نعم ، فقال الرجل : آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلب ، أخوبين سعد بن بكر ).
وفي هذا الحديث تظهر حكمته ـ عليه الصلاة والسلام ـ في استقطاب المدعون ، وإتاحة الفرصة التي يمكن للداعي من خلالها استجلاب المدعو ، واستغلال المداخل المساعدة في إقناعه .
اختلفت الأساليب التي كان يتعامل بها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسب اختلاف الطبائع والطبقات ، وكان من أسباب نجاح دعوته ، هو توفيقه في اختيار المناسب لكل موقف ، ومع ك شخص ، ويمكن إجمالي هذه الأساليب الدعوة فيما يأتي :
الأسلوب الأول : الدعوة الحكمية :
مهمة الأنبياء ـ عليه السلام ـ قائمة على أساس الدعوة إلى الله ـ وراء الدعوة الحكيمة ، قائمة على إحسان التعامل ، وجودة المفاهمة ، وهي واضحة عند الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر من غيره ، فهو الذي آتاه الله صفات عليه من فصاحة لسان ، وجوامع كلم ، وطيبة نفس ، وحسن عمل ، ولقد كانت دعوته قائمة على المنهج القومي ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) [ النحل : 125] .
بينما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس مع عدد من أصحابه في بيته ذات يوم ـ وفيهم عمران بن حصين ـ يقرأ عليهم القرآن وبيينه لهم ، وقد تعلمت القلوب والعيون به ، إذ بعمران بن حصين يلمح أباه من بعيد ،وغلام يمسك بيده ، ويقوده إلى بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاح عمران : يا رسول الله ، هذا أبي قد جاءك ، وقد علمت أن قريشاً أرسلته إليك ، فادع الله له ، لعل الله يهديه إلى الحق ، فيسلم عليك يديك ، ويرتدي كيد قريش إلى نحوها ، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمران خيراً ، فاستبشر وتفاءل .
وأقبل الحصين يدب على الأر ض، كان شيخاً هرماً جاوز المائة ، وكانت قريش تعظمه ، فتبعه نفر منها توقيراً له وتبجيلاً ، ثم جلوسا قريباً من باب بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسترقون السمع ، وينتظرون النتيجة .
ووصل الحصين إلى باب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستأذن ثم دخل ، فرحب به النبي وبش في وجه ، ثم قال لأصحابه " أوسعوا للشيخ وأجلسه قبالته .
ولم يعباً عمران بدخول والده ، فلم يقم له ويأخذه بيده فيجلسه ، بل ولم يلتفت ناحيته ، ولحظ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك ، ولم يشعر حصين بوجود ولده في المجلس ، ورحب النبي بالشيخ ثانية ، وكلمه أطيب الكلام ، ثم أنصت وأصحابه يستمعون له ، وتكلم هو فقال : ما هذا الذي بلغنا عنك – يا محمد – إنك تشتم آلهتنا وتذكرها بسوء ، وتعيب حلوم الآباء والأجداد ، إن هذا لا يليق بك يا ابن أخي ، وأنت ابن عبد المطلب فقد كان أبوك حصينة وخيراً .. كان – والله – خيراً لقومك منك ، كان يطعمهم الكبد والسنام ، وأنت تريد أن تنحرهم ؟ وأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم – إن أبي وأباك في النار ، ودهش الحصين لهذا الجواب ، فجعل يقول : في النار ؟ في النار ؟ عبدالمطلب سيد قريش يصير إلى النار ؟ وما هذه النار يا ابن أخي ؟ وأخبره النبي أنها نار حامية باقية ، أعدها الله لمن يموت مشركاً به ، وشُغل ذهن الشيخ بهذه النار التي أخبره عنها النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد ليقول : والله ما سمعنا بهذه النار التي تخبرنا عنها يا محمد .. ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحصين وجعل يحاوره : -
ياحصين : كم تعبد من آله ؟
سبعاً : سنة في الأرض وواحداً في السماء.
فإذا أصابك الضر من تدعو ؟
الذي في السماء
فإذا هلك المال من تدعو ؟
الذي في السماء .
فإذا رغبت في خير من تدعو ؟
الذي في السماء
وختم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحوار القصير بقوله : يستجيب لك وحده ، وتشركهم معه .
أترك الستة واعبد الذي في السماء .
ولم يتركه صلى الله عليه وسلم في حيرته طويلاً ، فقال له : يا حصين : أسلم تسلم ، أما إنك لو أسلمت لعلمتك كلمتين تنفعانك ، وتسربت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلب الرجل ، وفعلت حجته فعلها في قلبه وعقله ، وأيقن أن ما يدعو إليه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم حق ، وأن الشرك باطل وضلال ، وأشرق نور الإيمان في قلبه ، فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إني أسلمت فما أقول ؟ فأجابه : قل " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله " ونطق الحصين شهادة الحق ، ففرح النبي – صلى الله عليه وسلم – بإسلامه ، وابتهج هو وأصحابه ، وسُر عمران بإسلام والده أعظم السرور وقام إليه فجعل يقبل رأسه ويديه ورجليه ، وذرف دموع الفرح غزيرة ، وبوغت الشيخ الكبير بابنه فقال عمران : والله ما شعرت به حتى هذه الساعة ، فالحمدلله يا بني أن هداني لما هداك إليه من الحق .
ورأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صنيع عمران بوالده ، فقد دخل مشركاً فما قام إليه ، ولا نظر جهته ، فلما أسلم قضى منه حقه ، وأدركته عليه الصلاة والسلام رقة ، فدمعت عيناه ونظر أصحابه إلى وجهه الشريف ورأوا الدمع تبلله ، وأدركوا على الفور معنى تلك الدموع الكريمة.
وقام الحصين من مجلسه يريد أن يخرج ، وقام له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ،ومشى الرجل خطوات ثم توقف ، وكأنه تذكر شيئاً ، وقال النبي ، علمني الكلمتين اللين وعدتني .
فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " نعم " قل " اللهم ألهمني رشدي ، وأعذرني من شرور نفسي " ، وأخذ عمران بيد والده ومشى به ، وقال النبي لأصحابه " قوموا فشيعوه إلى منزله" فقاموا رواء .
وخرج الشيخ الكبير من منزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول بصوت عال يسمعه من حوله : الحمد لله الذي هداني لدينه الحق ، اللهم ألهمني رشدي ، وأعذني من شرور نفسي .
ووسط هذه الهالة من القادمين عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ممن ينكرون الدعوة ويحاولون النيل منها وممن يسألون عنها ، ويحاولون الاستزادة فيها أصبحت المواقف تحتاج إلى صبر ، وحسن تدبير ،وهنا تظهر الدعوة الحكيمة منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولقد ظهر ذلك واضحاً جلياً في مواقف دعوته خاصة مع العرب البد والذين جمعوا الجلافة والصعوبة ، ولم يكن لهم أن يتساهلوا في نقاشه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع ذلك ساسهم ، فخرجوا دعاة في كل الأصقاع .
ومن ذلك ما أورده البخاري في صحيحه حيث قال : ( حدثنا عبد الله ابن يوسف ، قال : حدثنا الليث بن سعيد هو المقبري عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول : بينما نحن جلوس مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسجد ، دخل علينا رجل على جمل فاناخه في المسجد ثم عقله ، ثم قال لهم : أيكم محمد ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متكئ بين ظهرانيهم ، فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتكئ ، فقال الرجل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إني أسائلك بربك ورب من قبلك أألله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ فقال : اللهم نعم " أنشدك بالله أالله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ قال : اللهم نعم ، قال : أنشدك بالله أالله أمرك أن نصوم هذا الشهر في السنة ؟ قال : اللهم نعم ، قال أنشدك بالله ألله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اللهم نعم ، فقال الرجل : آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلب ، أخوبين سعد بن بكر ).
وفي هذا الحديث تظهر حكمته ـ عليه الصلاة والسلام ـ في استقطاب المدعون ، وإتاحة الفرصة التي يمكن للداعي من خلالها استجلاب المدعو ، واستغلال المداخل المساعدة في إقناعه .
تابع ..
الجمعة يناير 23, 2009 6:47 pm
أثر معاملته ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الأسلوب .
لو تأمل الإنسان هذين الموقفين المختلفين من حيث النية والتوجه ، ( فالحصين أتى يرده عن وضمام أتيى يتعرف الدين ويتعلمه ) للاحظ قدرة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في التحكم في الأسلوب ، وحسن المعاملة التي كسب من خلالها أثنين لهما اسمهما وقدرهما في الفضل والمكانة ، حيث يظهر أثر معاملته ، عليه الصلاة والسلام ـ في عدة صور منها : ـ
1- ترحيبه بالحصين والابتسامة في وجهه ، مع أمرة ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأصحابه " أو سعود للشيخ " ثم إجلاسه له ومقابلته ، وهذه فيها ما لا يخفي من حسن الاستقبال ن الذي أعطى للشيخ إحساساً بالقدرة ،وسلطة على الكلام ، واستعظام للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ
2- تكرار الترحيب بالحصين من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع تكليمه بأطيب الكلام ، وإنصاته لكلام الشيخ ، كل هذه دوافع أجبرت الشيخ الصحين على حسن اللفظ واحترام المكان ، وهذا يظهر بوضوح في كلام الحصين حين قال " إن هذا لا يليق بك يا ابن أخي ، وأنت ابن عبد المطلب " ولم يكن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعهد ذلك من كفار قريش ، فلقد كانوا يتبارون ويسارعون في أذيته وشتمه ، وفي ذلك أنزل الله آيات كثيرة ، من أعظمها قرآن يتلى إلى يوم الدين ( تبت يدا أبي لهب وتب ) [ المسد: 1] .
وسبب نزولها كما يروي ابن عباس ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى " يا صباحاه " ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال :" أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم ، أو ممسيكم أكنتم مصدقي ؟ قالو " نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا؟ تباً لك ! فأنزل الله ( تبيت يدا أبي لهب وتب ) إلى آخرها ، وفي رواية " فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم الهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله " ( تبت يدا أبي لهب وتب ) .
أما في مواقفه مع الحصين ، فقد تغير الحال ن وتحسن اللفظ ، لحسن معاملته لهم .
3- تظهر حكمة الداعي في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا حصين إن أبي وأباك في النار " حيث أظهر ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن أعمال الجاهلية الطبية الشريفة لا تنفع صاحبها إن قامت على الشرك ،ولتتساوى المواقف ، فلا فرق بينهما من حيث النسب الذي ينتهي في جهنم ، ولذلك فكر الحصين ملياً في النار .
4- أسلوب النقاش والحوار الذي ظهر بن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والحصين يظهر عدم فرض الدين فرضاً ، بل أعطى الحصين فرصة ليشهد على نفسه ، ويظهر ما يكون ، فلقد عبد الستة وهما ؛ لأن المعبود في الشدائد والكربات الذي في السماء فقد أجاب عن نفسه ، ليعترف بجهله ، فكان الحل الأوحد ، والناتج الأخير " أترك الستة واعبد الذي في السماء " .
5- من أثر المعاملة المحمدية على الحصين إغفاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لموقف عمران من والده قبل إسلامه ، ومن ثم التأثر بعد إسلامه ، فما أسرع الدموع حين تعانق الولد ووالده وتصافحا وهما مسلمان ، ثم التشييع والوداع ، وحث الناس على ذلك " قوموا فشيعوه إلى منزله " .
6- وفي موقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تظهر آثار المعاملة في حكمة وبراعة الداعية ،فما كان منه وهو الرحيم المشفق أن يغتاظ أو ينفعل ، مع شدة السؤال ، وتضييق السائل في المسألة ، خاصة وقد أعلن السائل التشديد " إني سائلك ومشدد عليك " ، فلم تلبث تلك البراعة أن تنقلب نصراً وعزاً " آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي " .
ومما سبق يتضح أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كسب النفوس بحسن معاملته لهم من خلال حكمته في دعوته ، واستخدام ما يناسب الموقف والمقام ، مما حدا بالنفوس أن تنصاع إليه راغبة ، وتنساق إليه أرضية .
لو تأمل الإنسان هذين الموقفين المختلفين من حيث النية والتوجه ، ( فالحصين أتى يرده عن وضمام أتيى يتعرف الدين ويتعلمه ) للاحظ قدرة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في التحكم في الأسلوب ، وحسن المعاملة التي كسب من خلالها أثنين لهما اسمهما وقدرهما في الفضل والمكانة ، حيث يظهر أثر معاملته ، عليه الصلاة والسلام ـ في عدة صور منها : ـ
1- ترحيبه بالحصين والابتسامة في وجهه ، مع أمرة ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأصحابه " أو سعود للشيخ " ثم إجلاسه له ومقابلته ، وهذه فيها ما لا يخفي من حسن الاستقبال ن الذي أعطى للشيخ إحساساً بالقدرة ،وسلطة على الكلام ، واستعظام للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ
2- تكرار الترحيب بالحصين من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع تكليمه بأطيب الكلام ، وإنصاته لكلام الشيخ ، كل هذه دوافع أجبرت الشيخ الصحين على حسن اللفظ واحترام المكان ، وهذا يظهر بوضوح في كلام الحصين حين قال " إن هذا لا يليق بك يا ابن أخي ، وأنت ابن عبد المطلب " ولم يكن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعهد ذلك من كفار قريش ، فلقد كانوا يتبارون ويسارعون في أذيته وشتمه ، وفي ذلك أنزل الله آيات كثيرة ، من أعظمها قرآن يتلى إلى يوم الدين ( تبت يدا أبي لهب وتب ) [ المسد: 1] .
وسبب نزولها كما يروي ابن عباس ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى " يا صباحاه " ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال :" أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم ، أو ممسيكم أكنتم مصدقي ؟ قالو " نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا؟ تباً لك ! فأنزل الله ( تبيت يدا أبي لهب وتب ) إلى آخرها ، وفي رواية " فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم الهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله " ( تبت يدا أبي لهب وتب ) .
أما في مواقفه مع الحصين ، فقد تغير الحال ن وتحسن اللفظ ، لحسن معاملته لهم .
3- تظهر حكمة الداعي في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا حصين إن أبي وأباك في النار " حيث أظهر ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن أعمال الجاهلية الطبية الشريفة لا تنفع صاحبها إن قامت على الشرك ،ولتتساوى المواقف ، فلا فرق بينهما من حيث النسب الذي ينتهي في جهنم ، ولذلك فكر الحصين ملياً في النار .
4- أسلوب النقاش والحوار الذي ظهر بن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والحصين يظهر عدم فرض الدين فرضاً ، بل أعطى الحصين فرصة ليشهد على نفسه ، ويظهر ما يكون ، فلقد عبد الستة وهما ؛ لأن المعبود في الشدائد والكربات الذي في السماء فقد أجاب عن نفسه ، ليعترف بجهله ، فكان الحل الأوحد ، والناتج الأخير " أترك الستة واعبد الذي في السماء " .
5- من أثر المعاملة المحمدية على الحصين إغفاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لموقف عمران من والده قبل إسلامه ، ومن ثم التأثر بعد إسلامه ، فما أسرع الدموع حين تعانق الولد ووالده وتصافحا وهما مسلمان ، ثم التشييع والوداع ، وحث الناس على ذلك " قوموا فشيعوه إلى منزله " .
6- وفي موقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تظهر آثار المعاملة في حكمة وبراعة الداعية ،فما كان منه وهو الرحيم المشفق أن يغتاظ أو ينفعل ، مع شدة السؤال ، وتضييق السائل في المسألة ، خاصة وقد أعلن السائل التشديد " إني سائلك ومشدد عليك " ، فلم تلبث تلك البراعة أن تنقلب نصراً وعزاً " آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي " .
ومما سبق يتضح أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كسب النفوس بحسن معاملته لهم من خلال حكمته في دعوته ، واستخدام ما يناسب الموقف والمقام ، مما حدا بالنفوس أن تنصاع إليه راغبة ، وتنساق إليه أرضية .
رد: أساليب معاملته صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته
الجمعة يناير 23, 2009 6:49 pm
الأسلوب الثاني : الممازحة والمداعبة :
حبا الله تعالى رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأفة ورحمة ، وجعلت منه أنموذجاً في حبه الخير للناس ، وسعية ـ الجاد ت أن يكون الناس كلهم مهتدين ، ولذلك أرتفعت عنده نفسه البشرية ، فتواضع لأصحابه ومازحهم ، وأردفت ذلك كله بمازح إلا بحق ، فلم يكن كذاباً فاحشاً ، بل كان مازحاً محقاً ، وقد أستطاعت هذه السمة أن تفعل في اصحابه الأفاعيل ، وأن تكسبه حباً في قلوبهم ، جعلت نفوسهم تتشرف بمازحته ومداعبته .
أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوماً بيته فاخبره أهله أن زاهراً قد قدم من البادية ، وأنه قد أهدى إليهم ، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى سوق المدينة ليراه ، فوجده يبيع متاعاً له ، فأتاه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصر ، ونادى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أصحابه مازحاً : " من يشتري العبد ؟ من يشتري العبد ؟ " وقال زاهر : يا رسول الله إذاً ـ والله ـ تجدني كاسداً ـ ولكن النبي الرحيم الكريم يجيبه مطيباً خاطرة : " ولكنك عند الله لست بكاسد !! إنك عند الله غال !! . وفي هذا الموقف مع زاهر الأشجعي يظهر ( كمال الخلق ، وحسن الصحبة ،وطيب المخالطة مالا يزيد عليه ) ، ولكون الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولاً عاماً ن فإن مزاحه لم يخص الشباب ، أو الرجال ، بل تعداه إلى ممازحة المؤمنات الأتي لا يتوانين في البحث عن كل ما يسعدهن في الدنيا والآخرة ، فكم هي الفرحة عندما يأتي البلاغ بالجنة مخالطات للممازحة النبوية الشريفة ، فقد حدث الحسن البصري ـ رحمه الله ـ فقال : أتت امرأة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت : يا رسول الله ، أدع الله لي أن يدخلني الجنة ، قال :" يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز : فولت العجوز تبكي ، فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، فإن الله تعالى يقول : ( إنا أنشأنهن إنشاء * فجعلناهن أبكارً ) [ الواقعة : 35 ـ 36 ] .
وحدث أن امرأة جاءت تسأل عن زوجها فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " زوجك الذي في عينيه بياض ، فبكت وظنت أن زوجها عمي ، فأعلمت أن العين لا تخلو من البياض ، فكانت مداعبته كمداعبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يقول في مزاحة إلا حقاً ) .
وإن المتبع لسيرته يلحظ بجلاء كثرة هذه المواقف في حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها موقفه مع من طلب أن يستحمله على البعير ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع صاحب الأذنين ، ومع أنجشة ، إلى غيرها من أسلوبه في استجلاب الناس إليه ، وتحبيبهم في هذا الدين .
أثر معاملته ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الأسلوب:
لا يخفى أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشرع ، يظهر للناس ما يجوز في الدين وما لا يجوز ، وكأنه بهذه المواقف الدعابية أجاز للناس ، واستحسن المزاج ما دام أنه في مسالك الحق ، مع ما يضفيه مزاحة ذلك من الغبطة والسرور على أصحابه وأطفالهم ، مع عظمي قدره ، وعلو مكانته ، فهو برسم بذلك صورة للقائد الإمام الذي يملأ جنبات مجتمعه بالألفة والقربة والسرور .
ومن خلال الإطلاع على جملة هذه المواقف المختلفة منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تظهر لنا عدة أمور في أثر هذه المعاملة في نشر دينه ، وإبلاغ رسالته منها :
1- تحبيب القلوب فيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد أحبته وتشغفت به ، وتشرفت بذلك ، ولقد ظهرت تلك الصورة في موقفه مع زاهر الأشجعي ، وذلك عندما علم زاهر بأنه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث لم ( يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا منتهى الحب وغايته ) .
2- سرورهم وفرحهم بمزاحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يولد ذلك في قلوبهم له إلا إعظاماً وإجلالاً ، فما كانت لنفوسهم أن تغضب أو تزدري ذلك منه ، بل سرت به أعظم السرور فيا ترى كيف تكون حال تلك العجوز عندما تعلم أنها تدخل الجنة عذراء ن وأن ذلك أتى من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أعظم بشارة ، وعلى أحسن حال .
3- تأثرهم السريع بكلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلقد كانت ألفاظه تحرك قلوبهم قبل أن تحرك أجسادهم ، وذلك لما علموا عنه من الحرص عليهم ، وسعيه في أن يقودهم إلى ما فيه خيرهم دين ودنيا ، ولقد أبكى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ العجوز ، وزوجه الرجل عندما أخبرهم بالحق الذي يراه ، مما يصور انقيادهم ، وطيبة نفوسهم ، وخوفهم من الله ، وإيمانهم بحكمه وقضائه .
إنهم يستحقون أن يكونوا خير القرون ؛ لأنهم أحبوه ، واستجابوا له ، وعاصروه ، وكانوا قدوة في الحب لقائدهم ، والإ صغار له ، والسعي الحثيث في تحقيق ما يسعدهم ، ويرضى نبيهم ، ويرفع قدر مجتمع أساسه علم وعمل .
حبا الله تعالى رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأفة ورحمة ، وجعلت منه أنموذجاً في حبه الخير للناس ، وسعية ـ الجاد ت أن يكون الناس كلهم مهتدين ، ولذلك أرتفعت عنده نفسه البشرية ، فتواضع لأصحابه ومازحهم ، وأردفت ذلك كله بمازح إلا بحق ، فلم يكن كذاباً فاحشاً ، بل كان مازحاً محقاً ، وقد أستطاعت هذه السمة أن تفعل في اصحابه الأفاعيل ، وأن تكسبه حباً في قلوبهم ، جعلت نفوسهم تتشرف بمازحته ومداعبته .
أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوماً بيته فاخبره أهله أن زاهراً قد قدم من البادية ، وأنه قد أهدى إليهم ، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى سوق المدينة ليراه ، فوجده يبيع متاعاً له ، فأتاه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصر ، ونادى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أصحابه مازحاً : " من يشتري العبد ؟ من يشتري العبد ؟ " وقال زاهر : يا رسول الله إذاً ـ والله ـ تجدني كاسداً ـ ولكن النبي الرحيم الكريم يجيبه مطيباً خاطرة : " ولكنك عند الله لست بكاسد !! إنك عند الله غال !! . وفي هذا الموقف مع زاهر الأشجعي يظهر ( كمال الخلق ، وحسن الصحبة ،وطيب المخالطة مالا يزيد عليه ) ، ولكون الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولاً عاماً ن فإن مزاحه لم يخص الشباب ، أو الرجال ، بل تعداه إلى ممازحة المؤمنات الأتي لا يتوانين في البحث عن كل ما يسعدهن في الدنيا والآخرة ، فكم هي الفرحة عندما يأتي البلاغ بالجنة مخالطات للممازحة النبوية الشريفة ، فقد حدث الحسن البصري ـ رحمه الله ـ فقال : أتت امرأة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت : يا رسول الله ، أدع الله لي أن يدخلني الجنة ، قال :" يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز : فولت العجوز تبكي ، فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، فإن الله تعالى يقول : ( إنا أنشأنهن إنشاء * فجعلناهن أبكارً ) [ الواقعة : 35 ـ 36 ] .
وحدث أن امرأة جاءت تسأل عن زوجها فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " زوجك الذي في عينيه بياض ، فبكت وظنت أن زوجها عمي ، فأعلمت أن العين لا تخلو من البياض ، فكانت مداعبته كمداعبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يقول في مزاحة إلا حقاً ) .
وإن المتبع لسيرته يلحظ بجلاء كثرة هذه المواقف في حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها موقفه مع من طلب أن يستحمله على البعير ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع صاحب الأذنين ، ومع أنجشة ، إلى غيرها من أسلوبه في استجلاب الناس إليه ، وتحبيبهم في هذا الدين .
أثر معاملته ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الأسلوب:
لا يخفى أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشرع ، يظهر للناس ما يجوز في الدين وما لا يجوز ، وكأنه بهذه المواقف الدعابية أجاز للناس ، واستحسن المزاج ما دام أنه في مسالك الحق ، مع ما يضفيه مزاحة ذلك من الغبطة والسرور على أصحابه وأطفالهم ، مع عظمي قدره ، وعلو مكانته ، فهو برسم بذلك صورة للقائد الإمام الذي يملأ جنبات مجتمعه بالألفة والقربة والسرور .
ومن خلال الإطلاع على جملة هذه المواقف المختلفة منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تظهر لنا عدة أمور في أثر هذه المعاملة في نشر دينه ، وإبلاغ رسالته منها :
1- تحبيب القلوب فيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد أحبته وتشغفت به ، وتشرفت بذلك ، ولقد ظهرت تلك الصورة في موقفه مع زاهر الأشجعي ، وذلك عندما علم زاهر بأنه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث لم ( يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا منتهى الحب وغايته ) .
2- سرورهم وفرحهم بمزاحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يولد ذلك في قلوبهم له إلا إعظاماً وإجلالاً ، فما كانت لنفوسهم أن تغضب أو تزدري ذلك منه ، بل سرت به أعظم السرور فيا ترى كيف تكون حال تلك العجوز عندما تعلم أنها تدخل الجنة عذراء ن وأن ذلك أتى من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أعظم بشارة ، وعلى أحسن حال .
3- تأثرهم السريع بكلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلقد كانت ألفاظه تحرك قلوبهم قبل أن تحرك أجسادهم ، وذلك لما علموا عنه من الحرص عليهم ، وسعيه في أن يقودهم إلى ما فيه خيرهم دين ودنيا ، ولقد أبكى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ العجوز ، وزوجه الرجل عندما أخبرهم بالحق الذي يراه ، مما يصور انقيادهم ، وطيبة نفوسهم ، وخوفهم من الله ، وإيمانهم بحكمه وقضائه .
إنهم يستحقون أن يكونوا خير القرون ؛ لأنهم أحبوه ، واستجابوا له ، وعاصروه ، وكانوا قدوة في الحب لقائدهم ، والإ صغار له ، والسعي الحثيث في تحقيق ما يسعدهم ، ويرضى نبيهم ، ويرفع قدر مجتمع أساسه علم وعمل .
رد: أساليب معاملته صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته
الجمعة يناير 23, 2009 6:51 pm
الأسلوب الثالث : الاعتذار وتطييب الخاطر :
امتزجت في شخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ جملة من الصفات والخلايا التي كانت فيه سجية ، أو ازدادت وظهرت مع بنوته ومبعثه ، ولقد كان لزاماً على من كان في موقف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تحصل له المواقف المتعددة المختلفة لما كان يجده من قومه المقربين ن وأنصاره المهاجرين ، ولأن الإنسان بطبيعته يجب تملك الأشياء ، في لحظة دنيوية ، يقومها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرحلة تشريع من مبعثه حتى وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن كثيراً من أحكامه وآرائه قد لا تناسب البشر لأنهم بشر ، أما هو فإنه مبعوث مرسل مشرع ، وبالرغم من ذلك فإنه لا يلبث أن يعود إلى الناس فيوضح لهم ويبين ، بل ويجد الحلول والبدائل ، فتطيب النفس بذلك وتطهر .
جلس علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد يوم حافل بالتعب إلى زوجه فاطمة بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعل يبثها شكاته مما يلقاه من استقاء الماء من الآبار لبعض أهل المدينة علىأجر ن وقال لها : يافاطمة ، والله لقد استقيت سنوات حتى اشتكيت صدري ن ولقد جاء الله أباك بسبي ، فأذهبي إليه ، وأطلبي منه يهبنا خادماً يعيننا على شؤون عيشنا ، ويعمل لنا فننتفع بكسبه ، ويستقي لنا الماء نحتاج إليه .
وأثارت شكاة علي شكاة كانت حبيسة في نفس فاطمة ، فقالت هي الاخرى : وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت ( ثخنت ) يداي ، فيا ليته يكون لنا خادماً يكفينا بعض شؤوننا .
وقال علي ثانية : قومي إذاً إلى أبيك فاستخدميه ، ولا تضيعي هذه الفرصة ، وخرجت السيدة فاطمة من بيتها ، ودخلت حجرة والدها القريبة من بيتها ، وسلمت عليه ، ثم همت أن تكلمه في الأمر الذي جاءت من أجله ، ولكن الحياء عقد لسانها ، وقرأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وجه ابنته أنها جاءت لحاجة تريدها ، فقال لها : " ماجاء بك أي بنية ؟ " ، فاجابت : جئت لأسلم عليك ، ولم يرد النبي إحراجها ، فمكثت قليلاً ثم عادت إلى زوجها الذي كان ينتظرها بفارغ الصبر ، وبادرها على : ما فعلت يا فاطمة ؟ وأجابت : أستحييت أن أسأله ، وقال علي : ما أراك ـ والله ـ أغنيت عنا شيئاً ! فقالت فاطمة : ألا تقوم معي إلى والذي فنسأله جميعاً ؟ وأجاب علي : نعم.
وصلا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتكلم علي فقال : يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري ، وتشجعت فاطمة فتكلمت هي الأخرى ، وقالت : وأنا قد طحنت حتى مجلت يداي ، وقد جاءك الله بسبي وسعة فاخدمنا .
ونظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ابنته وصهره نظرة حنان وإشفاق ودخله الحزن لما بهما لكنه تذكر حال أصحابه وجيرانه من أهل الصفة ، فذكر جوعهم ، وذكر عربهم ،وشدة عيشهم ، ذكر تحملهم الشدائد العظيمة في ذات الله تعالى ، وحباً لرسول الله ، ورغبة بهذا الدين الذي آمنوا به واعتقدوه ، ورأى أن هؤلاء أحق بالعطاء من ابنته وصهره ، فنظر إليهما وقال لهما: " لا والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع ، لا أجد ماأنفق عليهم ، ولكن أبيعهم عليهم أثمانهم " وقفل علي وزوجه راجعين إلى ربيتهما ، من غير أن يحصلا على شيء ، وقبلاً عذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد كان أهل الصفة أحق بالعطف منهم ، فعيشهم صعب ، ورسول الله يتألم لحالهم ، وهو يؤثر ببره ذا الحاجة ، ومن مسه الجوع قبل غيرهم ، ولا عجب في ذلك فمر بيهم محمد الذي علمهم على التراحم والترابط ، ومازج بينهم فجعلهم كالجسد الواحد ، الذي يؤثر بعضه على بعض .
لم تنته قصة علي وفاطمة ـ رضي الله عنهما ـ ، فقد عاد إلى منزلهما ، وأويا إلى فراشهما يريدان النوم ، ودخلا تحت قطيفة لها إذا غطت رؤوسها تكشفت أقدامهما ، وإذا غطت أقدامها تكشفت رؤوسها وإنهما لفي أول نومهما ، إذا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستأذن عليهما ، فهما بالنهوض من فراشهما قال لهما : مكانكما .
وأقبل عليهما ـ عليه الصلاة والسلام ـ يعتذر إليهما ، ويطيب خاطرهما ، ثم قال لهما : ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ " فأجابا : نعم يا رسول الله ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " تسبحان الله دبر كل صلاة ثلاثين ، وحمدانه ثلاثاً وثلاثين ، وتكبرانه أربعاً وثلاثين ، وإذا أخذتما مضجعكما من الليل ، فتلك مائة " . وطابت نفس علي وفاطمة بهذه الماساة النبوية وبهذا التوجيه الكريم ، وكان ذلك درساً بليغاً لهما ، وجعل علي من كلمات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورداً دائماً له ، وجد معه العون الكبير ، والقدرة على تحمل التعب الكثير .
إنما العظمة التي كانت عليها شخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي الرحمة القلبية التي شملت ذلك المجتمع الطاهر، فساوته وألفت بينه ، ولكم هي مؤثرة تلك الكلمات النبوية في صدور أصحابه ، وأثرها ظاهر فهي تنغرس وتثمر ثماراً يانعاً، في حياتهم ، وعصرهم المجيد ، فما زالت ذكراهم عبقاً ينتشر شذاه في كل الأرجاء .
أثر معاملته ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الأسلوب :
إذا تتبعنا موقفة ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صحابته ـ رضوان الله عليهم أجمعين ، نلحظ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يتعمد في تصرفاته لأحد ، ولا يكمن له أن يوالي أحداً على أحد ، ولذلك أحبه أصحابه ، وليس ذلك فقظ ، بل لم يكن لأحد منهم أن يغتاظ من فعله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنهم يعلمون بحكمته ودرايته للأمور ، وأنه لن يصدر إلا عن رأي سديد ، فيه نفع المسلمين ، ولأجل ذلك رضوا بأحكامه .
ولعل مما يلاحظه المتابع لقصته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع علي وفاطمة ـ رضي الله عنهما ـ يجيد جملة أمور في معاملته ،كانت أثراً في نشر دعوته الخالدة منها :
1- الشفقة والحنان الذي غرسه الله في قلبه على عامه المسلمين ، فلقد أشفق على ابنته وصهره ، ولكن شفقته تعدت حواجز القرابة والنسب ، فقد أشفق وتذكر الصفة وأهلها من المؤمنين الموجودين الناصرين لدين الله ، فكانت رحمته وشفقته عامة لكل الناس ، وما أعظم وقعها في تدبيره ولأمور المسلمين ،
2- المساواة التي لا بد للحاكم المسلم أن يكون عليها ، فلم يكون لأحد أن يعاقب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أعطاهما ما يريدان ، ولكنه قدم المستحق ، وهم أهل الصفة ، وقال : " والله أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع ، لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع ، لا أجد ما أنفق عليهم " .
3- اعتذاره وتطييبه خواطرهما ، والذي ترتب عليه نشر فضيلة عظيمة ، وقربة جليلة ، فقد كان في جلوسه عندهم بعد تركهم له ، وتركهما في مكانهما غير طالب منهما القيام أو الجلوس له تطييب لخواطرهما ، وإرضاء لهما ، ثم جاءت دعوته لهما بعد أن استقرت نفوسهما ، وطابت بوجوده ، وتواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليوجه إليهما دعوته بلين ويسر ، فيقول : " ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ " فأجابا " نعم يا رسول الله ، قال : " تسبحان الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وتحمدانه ثلاثاً وثلاثين ، وتكبرانه أربعاً وثلاثين ، وإذا أخذتما مضجعكما من الليل ، فتلك مائة " .
4- أثر تلك الموعظة ، وعظم ذلك الموقف في حياة علي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما زال علي يذكر ذلك الموقف ، ويستشهد به في حديثه ، ويحث الناس . عليه ، حتى أنه قال عن نفسه : " والله ما تركتهم منذ سمعتهن من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. وقال له أحد أصحابه مازحاً : ولا ليلة صفين ؟
فأجابه أمير المؤمنين : " قاتلكم الله يا أهل العراق ،ولا ليلة صفين " .
امتزجت في شخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ جملة من الصفات والخلايا التي كانت فيه سجية ، أو ازدادت وظهرت مع بنوته ومبعثه ، ولقد كان لزاماً على من كان في موقف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تحصل له المواقف المتعددة المختلفة لما كان يجده من قومه المقربين ن وأنصاره المهاجرين ، ولأن الإنسان بطبيعته يجب تملك الأشياء ، في لحظة دنيوية ، يقومها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرحلة تشريع من مبعثه حتى وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن كثيراً من أحكامه وآرائه قد لا تناسب البشر لأنهم بشر ، أما هو فإنه مبعوث مرسل مشرع ، وبالرغم من ذلك فإنه لا يلبث أن يعود إلى الناس فيوضح لهم ويبين ، بل ويجد الحلول والبدائل ، فتطيب النفس بذلك وتطهر .
جلس علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد يوم حافل بالتعب إلى زوجه فاطمة بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعل يبثها شكاته مما يلقاه من استقاء الماء من الآبار لبعض أهل المدينة علىأجر ن وقال لها : يافاطمة ، والله لقد استقيت سنوات حتى اشتكيت صدري ن ولقد جاء الله أباك بسبي ، فأذهبي إليه ، وأطلبي منه يهبنا خادماً يعيننا على شؤون عيشنا ، ويعمل لنا فننتفع بكسبه ، ويستقي لنا الماء نحتاج إليه .
وأثارت شكاة علي شكاة كانت حبيسة في نفس فاطمة ، فقالت هي الاخرى : وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت ( ثخنت ) يداي ، فيا ليته يكون لنا خادماً يكفينا بعض شؤوننا .
وقال علي ثانية : قومي إذاً إلى أبيك فاستخدميه ، ولا تضيعي هذه الفرصة ، وخرجت السيدة فاطمة من بيتها ، ودخلت حجرة والدها القريبة من بيتها ، وسلمت عليه ، ثم همت أن تكلمه في الأمر الذي جاءت من أجله ، ولكن الحياء عقد لسانها ، وقرأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وجه ابنته أنها جاءت لحاجة تريدها ، فقال لها : " ماجاء بك أي بنية ؟ " ، فاجابت : جئت لأسلم عليك ، ولم يرد النبي إحراجها ، فمكثت قليلاً ثم عادت إلى زوجها الذي كان ينتظرها بفارغ الصبر ، وبادرها على : ما فعلت يا فاطمة ؟ وأجابت : أستحييت أن أسأله ، وقال علي : ما أراك ـ والله ـ أغنيت عنا شيئاً ! فقالت فاطمة : ألا تقوم معي إلى والذي فنسأله جميعاً ؟ وأجاب علي : نعم.
وصلا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتكلم علي فقال : يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري ، وتشجعت فاطمة فتكلمت هي الأخرى ، وقالت : وأنا قد طحنت حتى مجلت يداي ، وقد جاءك الله بسبي وسعة فاخدمنا .
ونظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ابنته وصهره نظرة حنان وإشفاق ودخله الحزن لما بهما لكنه تذكر حال أصحابه وجيرانه من أهل الصفة ، فذكر جوعهم ، وذكر عربهم ،وشدة عيشهم ، ذكر تحملهم الشدائد العظيمة في ذات الله تعالى ، وحباً لرسول الله ، ورغبة بهذا الدين الذي آمنوا به واعتقدوه ، ورأى أن هؤلاء أحق بالعطاء من ابنته وصهره ، فنظر إليهما وقال لهما: " لا والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع ، لا أجد ماأنفق عليهم ، ولكن أبيعهم عليهم أثمانهم " وقفل علي وزوجه راجعين إلى ربيتهما ، من غير أن يحصلا على شيء ، وقبلاً عذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد كان أهل الصفة أحق بالعطف منهم ، فعيشهم صعب ، ورسول الله يتألم لحالهم ، وهو يؤثر ببره ذا الحاجة ، ومن مسه الجوع قبل غيرهم ، ولا عجب في ذلك فمر بيهم محمد الذي علمهم على التراحم والترابط ، ومازج بينهم فجعلهم كالجسد الواحد ، الذي يؤثر بعضه على بعض .
لم تنته قصة علي وفاطمة ـ رضي الله عنهما ـ ، فقد عاد إلى منزلهما ، وأويا إلى فراشهما يريدان النوم ، ودخلا تحت قطيفة لها إذا غطت رؤوسها تكشفت أقدامهما ، وإذا غطت أقدامها تكشفت رؤوسها وإنهما لفي أول نومهما ، إذا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستأذن عليهما ، فهما بالنهوض من فراشهما قال لهما : مكانكما .
وأقبل عليهما ـ عليه الصلاة والسلام ـ يعتذر إليهما ، ويطيب خاطرهما ، ثم قال لهما : ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ " فأجابا : نعم يا رسول الله ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " تسبحان الله دبر كل صلاة ثلاثين ، وحمدانه ثلاثاً وثلاثين ، وتكبرانه أربعاً وثلاثين ، وإذا أخذتما مضجعكما من الليل ، فتلك مائة " . وطابت نفس علي وفاطمة بهذه الماساة النبوية وبهذا التوجيه الكريم ، وكان ذلك درساً بليغاً لهما ، وجعل علي من كلمات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورداً دائماً له ، وجد معه العون الكبير ، والقدرة على تحمل التعب الكثير .
إنما العظمة التي كانت عليها شخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي الرحمة القلبية التي شملت ذلك المجتمع الطاهر، فساوته وألفت بينه ، ولكم هي مؤثرة تلك الكلمات النبوية في صدور أصحابه ، وأثرها ظاهر فهي تنغرس وتثمر ثماراً يانعاً، في حياتهم ، وعصرهم المجيد ، فما زالت ذكراهم عبقاً ينتشر شذاه في كل الأرجاء .
أثر معاملته ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الأسلوب :
إذا تتبعنا موقفة ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صحابته ـ رضوان الله عليهم أجمعين ، نلحظ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يتعمد في تصرفاته لأحد ، ولا يكمن له أن يوالي أحداً على أحد ، ولذلك أحبه أصحابه ، وليس ذلك فقظ ، بل لم يكن لأحد منهم أن يغتاظ من فعله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنهم يعلمون بحكمته ودرايته للأمور ، وأنه لن يصدر إلا عن رأي سديد ، فيه نفع المسلمين ، ولأجل ذلك رضوا بأحكامه .
ولعل مما يلاحظه المتابع لقصته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع علي وفاطمة ـ رضي الله عنهما ـ يجيد جملة أمور في معاملته ،كانت أثراً في نشر دعوته الخالدة منها :
1- الشفقة والحنان الذي غرسه الله في قلبه على عامه المسلمين ، فلقد أشفق على ابنته وصهره ، ولكن شفقته تعدت حواجز القرابة والنسب ، فقد أشفق وتذكر الصفة وأهلها من المؤمنين الموجودين الناصرين لدين الله ، فكانت رحمته وشفقته عامة لكل الناس ، وما أعظم وقعها في تدبيره ولأمور المسلمين ،
2- المساواة التي لا بد للحاكم المسلم أن يكون عليها ، فلم يكون لأحد أن يعاقب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أعطاهما ما يريدان ، ولكنه قدم المستحق ، وهم أهل الصفة ، وقال : " والله أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع ، لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع ، لا أجد ما أنفق عليهم " .
3- اعتذاره وتطييبه خواطرهما ، والذي ترتب عليه نشر فضيلة عظيمة ، وقربة جليلة ، فقد كان في جلوسه عندهم بعد تركهم له ، وتركهما في مكانهما غير طالب منهما القيام أو الجلوس له تطييب لخواطرهما ، وإرضاء لهما ، ثم جاءت دعوته لهما بعد أن استقرت نفوسهما ، وطابت بوجوده ، وتواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليوجه إليهما دعوته بلين ويسر ، فيقول : " ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ " فأجابا " نعم يا رسول الله ، قال : " تسبحان الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وتحمدانه ثلاثاً وثلاثين ، وتكبرانه أربعاً وثلاثين ، وإذا أخذتما مضجعكما من الليل ، فتلك مائة " .
4- أثر تلك الموعظة ، وعظم ذلك الموقف في حياة علي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما زال علي يذكر ذلك الموقف ، ويستشهد به في حديثه ، ويحث الناس . عليه ، حتى أنه قال عن نفسه : " والله ما تركتهم منذ سمعتهن من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. وقال له أحد أصحابه مازحاً : ولا ليلة صفين ؟
فأجابه أمير المؤمنين : " قاتلكم الله يا أهل العراق ،ولا ليلة صفين " .
تابع ..
الجمعة يناير 23, 2009 6:51 pm
موقف آخر في الاعتذار وتطييب الخاطر :
كان من حكمته ـ عليه الصلاة والسلام ـ في التعامل مع الناس أن يستطيب الأنفس بما يناسبها ويرضيها ، وقد ظهرت تلك الصورة واضحة في تقسيم الغنائم بعد غزوة حنين ، فقد كان من علمه أنه لا بد أن يلاطف القلوب ، فأسرع إلى المؤلفة قلوبهم فأعطاهم أول من أعطى ن فأعطى أبا سفيان ابن حرب أربعين أوقية ومائة من الأبل ، فقال : أبني يردي ؟ فأعطاه مثلها ، فقال : إبني معاوية ؟ فاعطاه مثلها ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها .. وأعطى آخرين خمسين خمسين ، وأربعين أربعين حتى شاع في الناس أن محمداً يعطي عطاء من لا يخاف الفقر .. وبعد إعطاء المؤلفة قلوبهم أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن ثابت بإحضار الغنائم والناس ، ثم فرضها على الناس ، فكانت سهامهم لكل رجل أربعاً من الإبل ، وأربعين شاة ، فإن كان فرساً أخذ أثنى عشر بعيراً وعشرين ومائة شاة .
ولقد كانت هذه القسمة مبنية على سياسة حكيمة : ( فإن في الدنيا أقواماً كثيرين يقادون إلى الحق من بطونهم ، لا من عقولهم .. فكذلك هذه الأصناف من البشر تحتاج إلى فنون من الإغراء حتى تستأنس بالإيمان ،وتهش له ) .
أنتهت قضية توزيع الغنائم التي ظهرت فيها حسن معاملة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمؤلفة قلوبهم ، وحكمته في التوزيع ، الذي اشبع نفوسهم ، لتستجد أمام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قضية أخرى تحتاج إلى توفيق في الرأي ، ودراية في التعامل ، فقد روى ابن إسحاق ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أعطى من تلك العطايا في قريش ، وقبائل العرب ، ولم يكن من الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماأعطى من تلك العطايا في قريش ، وقبائل العرب ، ولم يكن من الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الانصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة ، حتى قائلهم : لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار شيء قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ، قال : يارسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي ،قال : فاجمع لي قومك في هذا الحظيرة ، قال : فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة ، قال فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، قال : فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فحمد الله ، وأثنى عليه بالذي هو له ، ثم قال : " يا معشر الأنصار ما قاله بالغتني عنكم ، وجدة وجدتموها في أنفسكم ، ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغنكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟
قالوا : بلى الله ورسوله أمن وأفضل .
قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ؟ ولله ورسوله المن والفضل ، قال : أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتهم وصدقتهم ، اتيتنا مكذباً فصدقناك ، وفخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فأغنيناك ، وأجدتم في أنفسكم ـ يا معشر الأنصار ـ في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ، أفلا ترضون ـ يا معشر الأنصار ـ أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رحالكم ، فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امراً من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً ، وسلكت الأنصار شعباً ، لسلكت شعب الأنصار ن اللهم أرحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله قسماً وحظاً ، ثم انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتفرقنا ) .
ومن خلال هذين الموقفين يتضح لنا كيف انقلبت موزاين الغضب إلى رضا ، والانزعاج إلى حب وبكاء وولاء ، وكيف أعطي راغبي الدنيا من الدنيا فألف قلوبهم ، وأعطى أهل الآخرة فطابت نفوسهم ، وكسب الفريقين المهاجرين والأنصار ، وصاروا ـ جميعاً ـ يداً واحدة تدافع عن دين الله ورسوله ،
أثر معاملته ، عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الأسلوب :
إن المتتبع لهذا الموقف النبوي الشريف ، يلاحظ جملة من الأمور الواضحة في حسن التعامل منها :
1- معاملته للمؤلفة قلوبهم ، فقد أعطاهم ما يستحقون ، ثم زاد كلما طلبه مستزيد ، وفي هذا أخذ كل على الطريق التي تناسبه ، واكتساب الود منهم ، وتطييب خواطرهم بصفتهم حديثي عهد بالإسلام .
2- كرم وسخاؤه وعطاؤه من غير من ، فلم يكسب نفسه من كل ذلك بشيء بل وضحها صريحة حيث قال : " والذي نفسي بيده لو كان عندي شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم ن ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً " .
3- سعة صدره ـ عليه الصلاة والسلام ـ فما كان له أن يغضب من موقف الأنصار وهو الرحيم .
4- اعترافه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بفضل الأنصار ، بعد أن عرض فضل الله عليهم بنصرتهم له ، وكيف تغيرت أحوالهم به ، ومن ثم الاعتذار إليهم ، وإظهار أسباب تلك القسمة ، التي كان مبعثها ظاهراً في قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" وأجدتهم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا "، ومن ثم تطييب خواطرهم ، وجعل الهبة لهم نفس الحبيب الطاهر ، فهو المكسب ورأس المال .
الأسلوب الرابع : العفو والصفح النبوي :
شهدت سيرة الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ العديد من المواقف التي أظهرت عفوه عن المسيء ، وذلك لأنه لم يكن للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينتصر لنفسه أو أن ينتقم ممن اعتدى عليه ، وطالما أن أولئك الذين أخطئوا في حقه عادوا أو كانوا جاهلين فيها عملوا ، فإن الرسول الكريم لا يلبث أن يغض الطرف عما كان منهم ، خاصة أنهم قد ندموا على ما كان منهم .
ولعل المتتبع لمراحل الدعوة المحمدية ، وما مربها من مواقف للمشركين مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلاحظ ما كانوا قد فعلوه به ، محاولين رده كما كان عليه من دعوة ، ولينفروا الناس منه ومن دينه ، ولقد يعجب الإنسان من خروج الرأفة والرحمة من قلوب المشركين ، خاصة الكبار منهم والصناديد ، ولعل من أشهر مواقف العداءلة ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أن عتبه بن أبي لهب أتى يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أكفر بـ ( النجم إذاهوا ) وبالذي ( دنا فتدلى ) ، ثم تسلط عليه بالأذى ، وشق قميصه ،وتفل في وجهه ، إلا أن البزاق لم يقع عليه ، وحينئذ دعا عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " ، وقد استجيب دعاؤه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد خرج عتبة مرة في نفر من قريش ، حتى نزل في مكان من الشام يقال له الزرقاء ، فطاق بهم الأسد تلك الليلة ، فجعل عتبة يقول : ياويل أخي ، هو والله آكلي كما دعا محمد علي ، قتلني وهو بمكة ، وأنا بالشام ، فغدا عليه الأسد من بين القوم ، وأخذ برأسه فذبحه .
ومنها ما ذكر أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفة ، وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان .. وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت عمرو بن العاص أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : بينما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي في حجرة الكعبة إذ أقبل عقبة بن معيط فوضع ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي ، وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ) .
وفي أثناء ذلك الإصرار من صناديد قريش في قتله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصر الرسول الكريم على أن يستمر في دعوتهم ،حتى لو ردوا إحسانه بالإساءة ، فازدادوا الأجل ذلك علوا واستكباراً ، وتمادوا في غيهم وظلالهم ، وضيقوا عليه في المعاملة والمعايشة حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، فخرج الرسول الكريم مهاجراً من بلد الكفر إلى بلد النصرة في المدينة المنورة ، ليعيش زمناً ثم يعود مرة أخرى إلى مكة ، لكنه لم يعد ضعيفاً كما خرج ، بل عاد تحمله إلى مكة تباشير النصر والفتح من الله العيظم ( إذا جآء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ) [ النصر : 1،2 ]
كان من حكمته ـ عليه الصلاة والسلام ـ في التعامل مع الناس أن يستطيب الأنفس بما يناسبها ويرضيها ، وقد ظهرت تلك الصورة واضحة في تقسيم الغنائم بعد غزوة حنين ، فقد كان من علمه أنه لا بد أن يلاطف القلوب ، فأسرع إلى المؤلفة قلوبهم فأعطاهم أول من أعطى ن فأعطى أبا سفيان ابن حرب أربعين أوقية ومائة من الأبل ، فقال : أبني يردي ؟ فأعطاه مثلها ، فقال : إبني معاوية ؟ فاعطاه مثلها ، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها .. وأعطى آخرين خمسين خمسين ، وأربعين أربعين حتى شاع في الناس أن محمداً يعطي عطاء من لا يخاف الفقر .. وبعد إعطاء المؤلفة قلوبهم أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن ثابت بإحضار الغنائم والناس ، ثم فرضها على الناس ، فكانت سهامهم لكل رجل أربعاً من الإبل ، وأربعين شاة ، فإن كان فرساً أخذ أثنى عشر بعيراً وعشرين ومائة شاة .
ولقد كانت هذه القسمة مبنية على سياسة حكيمة : ( فإن في الدنيا أقواماً كثيرين يقادون إلى الحق من بطونهم ، لا من عقولهم .. فكذلك هذه الأصناف من البشر تحتاج إلى فنون من الإغراء حتى تستأنس بالإيمان ،وتهش له ) .
أنتهت قضية توزيع الغنائم التي ظهرت فيها حسن معاملة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمؤلفة قلوبهم ، وحكمته في التوزيع ، الذي اشبع نفوسهم ، لتستجد أمام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قضية أخرى تحتاج إلى توفيق في الرأي ، ودراية في التعامل ، فقد روى ابن إسحاق ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أعطى من تلك العطايا في قريش ، وقبائل العرب ، ولم يكن من الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماأعطى من تلك العطايا في قريش ، وقبائل العرب ، ولم يكن من الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الانصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة ، حتى قائلهم : لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار شيء قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ، قال : يارسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي ،قال : فاجمع لي قومك في هذا الحظيرة ، قال : فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة ، قال فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، قال : فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فحمد الله ، وأثنى عليه بالذي هو له ، ثم قال : " يا معشر الأنصار ما قاله بالغتني عنكم ، وجدة وجدتموها في أنفسكم ، ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغنكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟
قالوا : بلى الله ورسوله أمن وأفضل .
قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ؟ ولله ورسوله المن والفضل ، قال : أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتهم وصدقتهم ، اتيتنا مكذباً فصدقناك ، وفخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فأغنيناك ، وأجدتم في أنفسكم ـ يا معشر الأنصار ـ في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ، أفلا ترضون ـ يا معشر الأنصار ـ أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رحالكم ، فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امراً من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً ، وسلكت الأنصار شعباً ، لسلكت شعب الأنصار ن اللهم أرحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله قسماً وحظاً ، ثم انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتفرقنا ) .
ومن خلال هذين الموقفين يتضح لنا كيف انقلبت موزاين الغضب إلى رضا ، والانزعاج إلى حب وبكاء وولاء ، وكيف أعطي راغبي الدنيا من الدنيا فألف قلوبهم ، وأعطى أهل الآخرة فطابت نفوسهم ، وكسب الفريقين المهاجرين والأنصار ، وصاروا ـ جميعاً ـ يداً واحدة تدافع عن دين الله ورسوله ،
أثر معاملته ، عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الأسلوب :
إن المتتبع لهذا الموقف النبوي الشريف ، يلاحظ جملة من الأمور الواضحة في حسن التعامل منها :
1- معاملته للمؤلفة قلوبهم ، فقد أعطاهم ما يستحقون ، ثم زاد كلما طلبه مستزيد ، وفي هذا أخذ كل على الطريق التي تناسبه ، واكتساب الود منهم ، وتطييب خواطرهم بصفتهم حديثي عهد بالإسلام .
2- كرم وسخاؤه وعطاؤه من غير من ، فلم يكسب نفسه من كل ذلك بشيء بل وضحها صريحة حيث قال : " والذي نفسي بيده لو كان عندي شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم ن ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً " .
3- سعة صدره ـ عليه الصلاة والسلام ـ فما كان له أن يغضب من موقف الأنصار وهو الرحيم .
4- اعترافه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بفضل الأنصار ، بعد أن عرض فضل الله عليهم بنصرتهم له ، وكيف تغيرت أحوالهم به ، ومن ثم الاعتذار إليهم ، وإظهار أسباب تلك القسمة ، التي كان مبعثها ظاهراً في قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" وأجدتهم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا "، ومن ثم تطييب خواطرهم ، وجعل الهبة لهم نفس الحبيب الطاهر ، فهو المكسب ورأس المال .
الأسلوب الرابع : العفو والصفح النبوي :
شهدت سيرة الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ العديد من المواقف التي أظهرت عفوه عن المسيء ، وذلك لأنه لم يكن للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينتصر لنفسه أو أن ينتقم ممن اعتدى عليه ، وطالما أن أولئك الذين أخطئوا في حقه عادوا أو كانوا جاهلين فيها عملوا ، فإن الرسول الكريم لا يلبث أن يغض الطرف عما كان منهم ، خاصة أنهم قد ندموا على ما كان منهم .
ولعل المتتبع لمراحل الدعوة المحمدية ، وما مربها من مواقف للمشركين مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلاحظ ما كانوا قد فعلوه به ، محاولين رده كما كان عليه من دعوة ، ولينفروا الناس منه ومن دينه ، ولقد يعجب الإنسان من خروج الرأفة والرحمة من قلوب المشركين ، خاصة الكبار منهم والصناديد ، ولعل من أشهر مواقف العداءلة ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أن عتبه بن أبي لهب أتى يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أكفر بـ ( النجم إذاهوا ) وبالذي ( دنا فتدلى ) ، ثم تسلط عليه بالأذى ، وشق قميصه ،وتفل في وجهه ، إلا أن البزاق لم يقع عليه ، وحينئذ دعا عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " ، وقد استجيب دعاؤه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد خرج عتبة مرة في نفر من قريش ، حتى نزل في مكان من الشام يقال له الزرقاء ، فطاق بهم الأسد تلك الليلة ، فجعل عتبة يقول : ياويل أخي ، هو والله آكلي كما دعا محمد علي ، قتلني وهو بمكة ، وأنا بالشام ، فغدا عليه الأسد من بين القوم ، وأخذ برأسه فذبحه .
ومنها ما ذكر أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفة ، وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان .. وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت عمرو بن العاص أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : بينما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي في حجرة الكعبة إذ أقبل عقبة بن معيط فوضع ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي ، وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ) .
وفي أثناء ذلك الإصرار من صناديد قريش في قتله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصر الرسول الكريم على أن يستمر في دعوتهم ،حتى لو ردوا إحسانه بالإساءة ، فازدادوا الأجل ذلك علوا واستكباراً ، وتمادوا في غيهم وظلالهم ، وضيقوا عليه في المعاملة والمعايشة حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، فخرج الرسول الكريم مهاجراً من بلد الكفر إلى بلد النصرة في المدينة المنورة ، ليعيش زمناً ثم يعود مرة أخرى إلى مكة ، لكنه لم يعد ضعيفاً كما خرج ، بل عاد تحمله إلى مكة تباشير النصر والفتح من الله العيظم ( إذا جآء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ) [ النصر : 1،2 ]
- أساليب معاملته صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته 2
- قال صلى الله عليه وسلم : ( من حافظ على الصلاة أربعين يوما كتبت له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق ) ؟ أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
- ما درا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلى الله عليه وسلم) وبين رؤساء قريش
- حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها
- ذكر سرد النسب الزكي من محمد صلى الله عليه وسلم إلى آدم عليه السلام
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى