السَّكينة السَّكينة يا أهل اليمن
الثلاثاء يونيو 14, 2011 11:15 pm
لقد ساءني و أقضَّ مضجعي كأيِّ مسلمٍ؛ ما حلَّ باليمن من اضطراباتٍ و فتنٍ، فالمسلمون
و إن نأتْ بهم الدِّيار، و تباعدتْ بينهم الأقطار؛ لحُمةٌ واحدةٌ، و جسدٌ واحدٌ.
قال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( مثل المؤمنين في توادِّهم و تراحمهم و تعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر و الحمَّى )).
يا أهل اليمن (( تعوَّذوا بالله من الفتن ))، و عليكم بالرِّفق و اللِّين، تعيشوا في خيرٍ و أمن.
يا أهل اليمن لقد قال فيكم رسول الله ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( أهل اليمن هم أرقُّ أفئدةً، و ألينُ قلوباً )).
فعليكم ـ لإخماد الفتن، و تجاوز المِحن ـ برقَّة أفئدتكم، و لين قلوبكم.
يا أهل اليمن السعيد (( إنَّ الله رفيقٌ؛ يحبُّ الرِّفق في الأمر كلِّه )).
قال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفق، و يُعطي على الرِّفق ما لا يُعطي على العنف، و ما لا يُعطي على ما سواه )).
فعليكم بالرِّفق، و انبذوا العنف بجميع أشكاله و ألوانه، و تذكَّروا (( أنَّ الرِّفق لا يكون في شيءٍ إلاَّ زانه، و لا يُنزع عن شيءٍ إلاَّ شانه )).
فعليكم بالرِّفق ففيه زينكم و زين بلادكم، في دنياكم و أُخراكم، و انبذوا العنف الذي فيه شينكم و شين بلادكم، في دنياكم و أُخراكم.
و لا تكونوا ممَّن حُرم الخير فـ (( من يُحرم الرِّفق يُحرم الخير )).
لقد صدق رسولنا الكريم ـ عليه من الله أزكى الصَّلاة و التَّسليم ـ حين قال: (( الإيمان يمان، و الحكمة يمانيَّة، و الفقه يمان )).
فالله الله في إيمانكم، و الحكمة الحكمة في حلِّكم و تِرحالكم، و الفقه الفقه في النصيحة لوليِّ أمركم.
و أبشروا يا أهل اليمن بدعاء النبيِّ لكم: (( اللَّهم بارك لنا في شامِنا و في يمننا )).
فالله الله في سنَّة الرسول ـ عليه الصَّلاة و السَّلام ـ، تمسَّكوا بها و عضُّوا عليها بالنَّواجذ؛ تتنزَّل عليكم بركاتٍ من ربِّكم و رحمة.
قال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( الجماعة رحمة، و الفُرقة عذاب ))، و في روايةٍ: (( الجماعة بركة، و الفُرقة عذاب )).
و قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: (( و ما تكرهون في الجماعة خيرٌ ممَّا تحبُّون في الفُرقة )).
و قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (( قضمُ الملح في الجماعة أحبُّ إليَّ من أكل الفالوذج في الفُرقة )).
و ما أعظمها من فضيلةٍ، و ما أخصَّها من مزيةٍ حين قال فيكم رسول الله ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( أتاكم أهل اليمن كقطعِ السحاب خيرُ أهل الأرض )).
فكونوا خير أهل الأرض حقاًّ و صدقاً؛ تفوزوا في الدنيا و الآخرة.
يا أهل اليمن انبذوا العنف و الفتن، و كونوا أحلاس بيوتكم، و عُمَّار مساجدكم.
قال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ : (( ستكون فتنٌ؛ القاعد فيها خيرٌ من القائم، و القائم فيها خيرٌ من الماشي، و الماشي فيها خيرٌ من السَّاعي، من يشرف لها تستشرفه، و من وجد ملجأً أو معاذاً فليَعذ به )).
و قال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( العبادة في الهرجِ كهجرةٍ إليَّ )).
قال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر؛ فإنَّه من فارق الجماعة شِبراً فمات؛ فميتةٌ جاهليَّة )).
و قال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( إنَّه ستكون بعدي أثرةٌ و أمورٌ تنكرونها ))، قيل: يا رسول الله فما تأمرنا ؟، قال: (( تؤدُّون الحقَّ الذي عليكم، و تسألون الله الَّذي لكم )).
و سأل صحابيٌّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ، فقال: يا نبيَّ الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقَّهم، و يمنعونا حقَّنا فما تأمرنا، فقال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ: (( تسمعوا و تطيعوا، فإنَّما عليهم ما حمِّلوا، و عليكم ما حمِّلتم )).
و في حديث حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ المشهور، قال ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ ناصحاً : (( تسمع و تطيع الأمير، و إن ضرب ظهرك، و أخذ مالك، فاسمع و أطع )).
يا أهل اليمن كونوا مع ولاة أمركم كما كان سلفكم الصالح؛ تبلغوا مبلغهم من العزِّ، و تلحقوا بهم في المجد.
قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ في الأمراء: (( هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة و العيد و الثغور و الحدود. و الله؛ لا يستقيم الدِّين إلاَّ بهم، و إن جاروا و ظلموا. و الله؛ لما يُصلح الله بهم أكثر ممَّا يُفسدون، مع أنَّ طاعتهم ـ و الله ـ لَغبطةٌ، و إنَّ فُرقتهم لَكفرٌ )).
و قال سهل التستري ـ رحمه الله ـ : (( لا يزال الناس بخيرٍ ما عظَّموا السلطان و العلماء، فإن عظَّموا هذين؛ أصلح الله دنياهم و أُخراهم، و إن استخفُّوا بهذين؛ أفسدوا دنياهم و أُخراهم )).
و على ضوء هذه النصوص النبويَّة السديدة، و الآثار السلفيَّة الرشيدة سار علماء الدين، و فقهاء الملَّة، فسيروا في رِكابهم، و تمسَّكوا بغَرزهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (( و لعلَّه لا يُعرف طائفةٌ خرجتْ على ذي سلطانٍ؛ إلاَّ و كان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته )).
و قال أيضاً: (( و قلَّ من خرج على إمامٍ ذي سلطانٍ؛ إلاَّ كان ما تولَّد على فعله من الشرِّ أعظمَ ممَّا تولَّد من الخير )).
و قال ـ رحمه الله ـ : (( و أمَّا ما يقع من ظُلمهم و جَورهم ـ أي الحكَّام ـ بتأويلٍ سائغٍ أو غير سائغٍ، فلا يجوز أن يُزال لما فيه من الظُّلم و الجَور، كما هو عادة أكثر النفوس تُزيل الشرَّ بما هو شرٌّ منه، و تُزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يُوجب من الظُّلم و الفساد أكثر من ظُلمهم؛ فيصبر عليه ... )).
و قال العلاَّمة ابن أبي العزِّ الحنفي ـ رحمه الله ـ: (( و أمَّا لُزوم طاعتهم ـ أي ولاة الأمر ـ و إن جاروا؛ لأنَّه يترتَّب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفيرُ السيِّئات، و مضاعفة الأجور، فإنَّ الله ـ تعالى ـ ما سلَّطهم علينا إلاَّ لفساد أعمالنا، و الجزاء من جنس العمل، فعلينا بالاجتهاد في الاستغفار و التَّوبة و إصلاح العمل )).
و أختم بما نصح به الحسن البصري ـ رحمه الله ـ من جاءه يستشيره في الخروج على الحجَّاج ـ غفر الله له ـ، حيث قال لهم : (( أرى أن لا تقاتلوه؛ فإنَّها إن تكن عقوبةً من الله، فما أنتم برادِّي عقوبة الله بأسيافكم، و إن يكون بلاءً، فاصبروا حتَّى يحكم الله، و الله خير الحاكمين )).
أسأل الله لي و لكم و لجميع المسلمين عودةً صادقةً إلى دينه الحنيف، و تمسُّكاً جاداًّ بسنَّة نبيِّه الكريم، إنَّه وليُّ ذلك و القادر عليه.
سبحانك اللَّهم و بحمدك، أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك و أتوب إليك.
و كتب:
فريد أبوقرة المرادي.
الجزائر في 16 جمادى الثانية 1426هـ
منقول من شبكة سحاب السلفيه
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى