وكيع بن الجراح رحمه الله

الإثنين أغسطس 03, 2009 2:06 pm

وكيع بن الجراح الرؤسي الكوفي ، أحد بحور العلم وأئمة الحفظ ممن أنجبتهم أمة الإسلام ـ وفضله في حماية الحديث والذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم معروف لا ينكر

يقول أحمد بن حنبل عنه : ما رأيت أحداً أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع .
وقال يحيى بن معين : وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه .
ومما قاله أيضاً الإمام أحمد : لو رأيت وكيعاً لعلمت أنك ما رأيت مثله .هذه هي شهادة العلماء على وكيع الذي لم يكن عالماً حافظاً فحسب، وإنما كان عاملاً بعلمه عابداً لله تعالى.
قال يحيى بن أكثم : صحبت وكيعاً في السفر والحضر، وكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة.وقد ورد عن كثير من السلف صيام الدهر، ومعنى صيام الدهر أنهم كانوا يصومون
أكثر أيام السنة، ويفطرون الأيام التي يحرم صومها كأيام العيدين، ولذا فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر بمعنى صيام كل أيام السنة يختلف عن صيام السلف
رحمهم الله الذين كانوا في أعلى درجات الاقتداء بالمصطفى صلوات الله وسلامه عليه .
يحكى إبراهيم بن وكيع بن الجراح عن أبيه يقول : كان أبي يصلى الليل فلا يبقى
في دارنا أحد إلا صلى حتى إن جارية لنا سوداء تصلى .وكأنى بهذا الإمام العلم
يتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ابدأ بمن تعول )
(رواه الطبراني في المعجم الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع 27 ) وهكذا تكون
القدوة الصالحة، فما أكثر المتكلمين الوصافين ، وما أقل الموصوفين، ومن ثم فإذا اقترن العلم بالعمل أنجعت المواعظ في الناس وأثرت الكلمات في القلوب .
يقول بعض أصحاب وكيع : كان لا ينام حتى يقرأ ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل،
ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر فيصلى ركعتين .
وكان يضرب المثل بوكيع في شدة الحفظ فسأله على بن خشرم عن أدوية الحفظ فقال وكيع : إن علمتك الدواء استعملته ؟!
قال على : إى والله ، قال : ترك المعاصي ، ما جربت مثله للحفظ

ويؤثر عنه في ذلك ما رواه الشافعي رحمه الله حينما قال :

شكوت إلى وكيع سوء حفظى فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العـلم نــور ونـور الله لا يُهدى لعاصى

هذه هي وصية الحفظ ، ولعمري إنها وصية لحفظ
الإنسان من كل مكروه وسوء، وليس فقط لحفظ العلم.
ولما قام وكيع بهذه الوصية الغالية استحق وصف الإمامة والتقدم في الحفظ والإتقان . هذا مع العبادة والخشوع
والإقبال على الله وكثرة الصلاة والصيام ، والشأن في مثل وكيع أن يكون حاله مع
الليل كحاله في العلم، وقد مر معنا كيف أنه لا ينام حتى يقرأ ثلث القرآن ثم يقوم في
آخر الليل فيقرأ المفصل، أي من سورة ق حتى سورة الناس .
يقول أحمد بن سنان : رأيت وكيعاً إذا قام في الصلاة لا يتحرك منه شيء ولا يزول ولا يميل على رجل دون الأخرى .
إنه الصبر على العبادة بعد تذوق حلاوتها والتلذذ بها ؛ إنها المجاهدة
والمصابرة والمثابرة في تحصيل مرضاة الله .
فهل لنا أن نقتبس من فيض نور هؤلاء القمم الشامخات
وصدق ابن القيم رحمه الله حينما قال :

فحيَّهلا إن كنت ذا همـة فقد حدا
بك حادى الشوق فاطــو المراحلا
وقل لمنادى حبـهم ورضاهـمو إذا ما
دعا لبيك ألفــاً كوامــلاً
ولا تنظر الأطلال من دونــهم فإن نظرت
إلى الأطلال عدن حوائلا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعــد ودعه فإن
الشوق يكفيـــك حاملاً
وخذ قبساً من نورهم ثم سر بـه فنورهم يهديك
لــيس المشاعــلا
فما هي إلى ساعة ثم تنقضــي ويصبح ذو الأحـزان
فرحان جاذلا

رحم الله وكيعاً، شعلة من نور وسط ظلمات الجحيلاة

:614368:

......