مصعب بن عمير

نسبه ونشأته واسلامه
هو "مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي" شابٌ من أكثر شباب قريشٍ رقة ووداعة وثراءً، نشأ منعمًا في ظل والديه، في بيت يزخر بالفاخر من الثياب، والنادر من العطور، زينة فتيان قريش، ودرة مجالسه، تنقلب حياته فجأة، فإذا به يرضى بشظف العيش، ويلبس الجلد الخشن من الثياب! فما الذي غيره وحوله هذا التحول العظيم؟ بهذا الرضا التام؟
إنه الإسلام، ذلك الدين الذي ما إن لامس قلب الشاب الغض اليافع، حتى وجد لديه قبولاً سريعاًً، ذلك أنه ـ منذ صغره ـ لم يحمل للإسلام ذرة كراهية، وما نشأ ناقمًا عليه، بل على العكس، سعى إليه في يسر، واستمع إلى رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وسرعان ما أعلن نفسه واحدًا من بين المسلمين مع انه كان يعلم أنه سوف يحرم النعيم الذي كان فيه وسوف يتبدل حاله من السعة إلى الضيق، ومن الراحة إلى التعب، ومن الغنى إلى الفقر، ولكنه آثر الآخرة على الدنيا.

موقف أمه من إسلامه وهجرته للحبشة
كان رضي الله عنه وحيد أمه المدلل، فحرص على إخفاء إسلامه عنها، حتى لا تتضايق، لما يعلم من حبها له، ولكن سرعان ما عرف بأمر إسلامه أحد المشركين، وأخبر أمه التي سارعت بحبسه في منزله، حتى يرجع عن دينه، ولكنه استطاع أن يهرب من الحبس، و يفر بدينه مع غيره من المسلمين إلى الحبشة.
ذلك انه لما اشتد أذى المشركين بمصعب وإخوته من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وضاقت بهم مكة ذرعا أذن لهم رسول الله بالهجرة إلى الحبشة وهي الهجرة الأولى فهاجر مصعب الهجرة الأولى إلى الحبشة مع من هاجر وكان عددهم اثني عشر رجلا وأربع نسوة وأمروا عليهم عثمان بن مظعون.
ولكن مصعبا لم يستمر طويلا في الحبشة إذ رجع بعد هجرته بعدة أشهر عندما أشيع في الحبشة أن قريشا قد أسلمت وكان الأمر غير ذلك.

مصعب اول سفير في الاسلام
في سنة إحدى عشرة من النبوة يأتي في موسم الحج ستة نفر من يثرب ويعلنوا اسلامهم ويعدوا رسول الله إبلاغ رسالته الى قومهم وكان من جراء ذلك أن جاء في الموسم التالي اثنا عشر رجلا اجتمع هؤلاء مع النبي عند العقبة بمنى، فبايعوه بيعة العقبة الأولى، وبعد أن تمت البيعة وانتهى الموسم بعث النبي مع هؤلاء المبايعين أول سفير في الإسلام مصعب بن عمير، ليعلّم المسلمين هناك شرائع الإسلام، ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك.
وكان مصعب يقدر المسؤولية التي أنيطت به ويعلم أنه يجب عليه أن ينهي مهامّه خلال سنة حتى يوافي رسول الله صلي الله عليه وسلم في الموسم القادم ومعه فلول الأوس والخزرج لكي تبايعه على نصرة الإسلام ، فعليه إذا أن يجتهد في الدعوة وأن لا يهنأ بطعام ولا يغمض له جفن حتى يدخل الناس في دين الله أفواجا،وقد نزل في المدينة عند رجل من أوائل من أسلم من الأنصار ويسمى أسعد بن زرارة وأقام مصعب يدعو إلى الله حتى لم يبقي بيت من بيوت الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون منها.
وقبل حلول موسم الحج عاد مصعب إلى مكة يحمل إلى رسول الله بشائر النصر والفوز ويقصّ عليه خبراسلام قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير وما لها من قوة ومنعة لنصرة هذا الدين.

استنشهاد مصعب
حمل مصعب لواء المسلمين في أحد وثبت به ، فأقبل عليه بن قميئة وهو فارس من المشركين فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) "آل عمران :144 "وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فوقع مصعب وسقط اللواء وسقط شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه.
مات مصعب ولم يترك إلا نمرة كان الصحابة إذا غطوا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر) "متفق عليه" "والاذخر نبات معروف بطيب الريح".

واذا تأملنا في صفحات حياة مصعب رضي الله عنه لا نجد الا التضحية والفداء والايثار، فلقد ضحى بالمال والجاه، وغادر الثراء الباذخ، والنعمة الوارفة، ليرمي بنفسه في احضان الفاقة يجوع اياما ويأكل يوما، وقد خرج يوما على بعض الصحابة وهم جلوس حول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرتدي جلبابا مرقعا باليا، فما ان رأوه حتى غضوا ابصارهم وذرفت عيونهم، فقال عليه الصلاة والسلام: “لقد رأيت مصعبا هذا وما بمكة فتى انعم عند ابويه منه لقد ترك ذلك كله حبا لله ورسوله” كما انه ضحى بأمه وبوطنه عندما هاجر الى الحبشة ثم الى المدينة وفضل الغربة والوحشة على ارضه ومرتع شبابه، ثم فدى الاسلام بروحه ونفسه حيث قتل شهيدا في غزوة احد رضي الله عنه. وهوالذي كان يلقب بمصعب الخير، وما اكثر ابواب الخير في الاسلام، فتبسمك في وجه اخيك صدقة وهو خير، وتبرعك ولو بدرهم لمحتاج هو خير، وابعاد الاذى عن الطريق خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير، وقول الحق خير، والدفاع عن المظلوم خير.