تفسير سورة البقرة الايات من 11-15

السبت سبتمبر 26, 2009 2:06 am

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (البقرة:11)

القائل هنا مبهم للعموم .
و "الإفساد في الأرض" هو أن يسعى الإنسان فيها بالكفر والمعاصي .
اما قوله تعالى: { في الأرض }: فالمراد الأرض نفسها؛ أو أهلها؛ أو كلاهما وهو الأولى.
أما إفساد الأرض نفسها: فإن المعاصي سبب للقحط، ونزع البركات، وحلول الآفات في الثمار، وغيرها، ، فهذا فساد في الأرض..
وأما الفساد في أهلها: فإن هؤلاء المنافقين يأتوا إلى اليهود، ويقولون لهم: {لئن أخرجتم لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم} [الحشر: 11] فيزدادوا استعداءً للرسول صلى الله عليه وسلم ومحاربة له؛ كذلك أيضاً من فسادهم في أهل الأرض: أنهم يعيشون بين المسلمين، ويأخذون أسرارهم، ويفشونها إلى أعدائهم؛ ومن فسادهم في أهل الأرض: أنهم يفتحون للناس باب الخيانة والتَقِيَّة، بحيث لا يكون الإنسان صريحاً واضحاً، وهذا من أخطر ما يكون في المجتمع..
قوله تعالى: { قالوا إنما نحن مصلحون }
من توفيق الله أنه لم يلهمهم فيقولوا: إنما نحن المصلحون ؛ فلو أنهم قالوا: "نحن المصلحون" كان مقتضاه أن لا مصلح غيرهم؛ لكنهم قالوا: { إنما نحن مصلحون } أي ما حالنا إلا إصلاح؛ ولم يدَّعوا أنهم المصلحون وحدهم..

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة:12)
أَلَا إِنَّ هَذَا الَّذِي يَعْتَمِدُونَهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِصْلَاح هُوَ عَيْن الْفَسَاد فلا فساد أعظم من فساد المنافقين في الأرض..
{ ولكن لا يشعرون } أي لا يشعرون أنهم مفسدون؛ لأن الفساد أمر حسي يدرك بالشعور والإحساس؛ فلبلادتهم وعدم فهمهم للأمور، لا يشعرون بأنهم هم المفسدون دون غيرهم..

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:13)
أي إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس والمقصود بالناس الصحابة رضوان الله عليهم ، أي المطلوب منهم إيمان كايمان الصحابة باللسان والقلب .
{ قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء }
السفهاء: الذين ليس لهم رشد، وعقل.
والمراد بالسفهاء هنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على حدّ زعم هؤلاء المنافقين؛ فقال الله تعالى رداً على هؤلاء "ألا إنهم هم السفهاء"
فالمنافقين هم السفهاء الذين لا رشد ولا عقل لديهم.
قوله تعالى { ولكن لا يعلمون } أي لا يعلمون سفههم.

فإن قيل: ما الفرق بين قوله تعالى هنا: { ولكن لا يعلمون }، وقوله تعالى فيما سبق: { ولكن لا يشعرون }؟
فالجواب: أن الإفساد في الأرض أمر حسي يدركه الإنسان بإحساسه، وشعوره لذا قال تعالي لا يشعرون ؛ وأما السفه فأمر معنوي يدرك بآثاره، ولا يُحَسُّ به نفسِه لذا قال تعالي لا يعلمون.

(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) (البقرة:14)
أي إذا اجتمعوا بالمؤمنين وجلسوا معهم اظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم ، أما إذا خلوا إلى كبراؤهم وزعمائهم في الشر مِنْ أَحْبَار الْيَهُود وَرُءُوس الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ قالوا إنا معكم في الحقيقة وتابعون لكم وإنما نحن مستهزئون بالمؤمنين نظهر لهم أننا مسلمون لنخادعهم.

(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (البقرة:15)

قوله تعالى: { الله يستهزئ بهم } أي يسخر تبارك وتعالى بهم بما أملى لهم، وكفّ أيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن قتلهم مع أنهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار..
قوله تعالى: (ويمدهم في طغيانهم)أي أن الله يبقيهم ضالين في طغيانهم وفجورهم.
(يعمهون) أي حائرون مترددون وهذا من استهزائه تعالي بهم.

وفي هذه الآية فائدة عظيمة وهي أن الله سبحانه وتعالى قد يُملي للظالم حتى يستمر في طغيانه..
وهي تحذير للإنسان الطاغي أن لا يغتر بنعم الله عزّ وجلّ؛ فهذه النعم قد تكون استدراجاً من الله تعالي.
فإن قال قائل: كيف يعرف الفرق بين النعم التي يجازى بها العبد، والنعم التي يستدرج بها العبد؟
فالجواب: أن الإنسان إذا كان مستقيماً على شرع الله فالنعم من باب الجزاء؛ وإذا كان مقيماً على معصية الله مع توالي النعم فهي استدراج..

المصادر :
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " لعبد الرحمن بن ناصر السعدي".
- تفسير القرآن الكريم " لمحمد بن صالح العثيمين رحمه الله".
- تفسير ابن كثير رحمه الله تعالي.