تلوث بحر غزة...مصطافون يشتكون ولا حل يلوح في الأفق!
الأحد مايو 22, 2011 6:10 pm
غزة - العهد -
أعد هذا التقرير الصحفي ' محمود أبو الهنود ' من ( غزة ) لصالح مشروع مضمون جديد بإشراف الصحفي لقمان اسكندر.
في الوقت الذي لم يعد فيه أمام المواطنون الغزيون سوى البحر متنفس وحيد لهم ، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق ، حيث يتوافدون عليه بأعداد كبيرة خلال الصيف باحثين عن مكان ٍيجمعهم مع أبنائهم للترفيه والترويح عن أنفسهم ، أصبح السكان يشتكون من تلوث شاطئهم ' بمياه الصرف الصحي ' التي باتت تقف حائلاً بينهم وبين الاستمتاع بأوقاتهم دون خوفٍ أو حذر ، ' فالمياه العادمة ' التي تجتاح بعض المناطق على طول شاطئ البحر شكلت إضافة للمصطافين همّاً أخر لأصحاب المنازل والكافيتريات القريبة والمطلة على الشاطئ جراء انتشار البعوض و الروائح الكريهة المنبعثة من المكان ،وزادت من قلق الصيادين والمختصين على الثروة السمكية التي تعتبر أحد المصادر المهمة للدخل الوطني .
' شدوا الهمة، الهمة قوية' غناء له طابعه الخاص عند الغزيين، فعندما يشتد عليهم الحصار و تضيق من حولهم الحياة، لايجدون أمامهم مفر بعد أن سدت في وجههم جميع المنافذ سوى حزم أمتعتهم والتوجه إلى البحر لعله يخفف عليهم شيئاً من همومهم وآلامهم ، فقد أكد تقرير أخير أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بتاريخ 5/مايو/2011 مواصلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشديد حصارها على قطاع غزة ، وعزله بالكامل عن محيطه الخارجي منذ أكثر من أربع سنوات ، الأمر الذي أدى إلى وضع نحو 1،5 مواطن فلسطيني داخل سجن جماعي ، وانتهاكها لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
وبحسب التقرير فقد استمر تدهور الأوضاع الإنسانية ، في ظل فرض حصار شامل على واردات القطاع من مواد البناء والإنشاء التي تمثل حاجة قصوى وطارئة ، لإعادة بناء وترميم كافة المنشآت التي تعرضت لعمليات تدمير شامل وجزئي خلال العدوان الحربي على القطاع.
وبخصوص حق المواطنين ' التمتع ' في بحرٍ خالٍ من التلوث يجنبهم الإصابة بالأمراض ، فقد أشارت المادة 52 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته ، وقد كفل القانون الدولي الإنساني في العديد من الإعلانات والمواثيق الدولية الحق قي الصحة كحق أصيل من حقوق الإنسان التي لاغني عنها للتمتع بالحقوق الأخرى.
' محمود مصطفي مراد ' 26 عام من سكان منطقة مخيم الشاطئ بغزة مصاب بفشل كلوي ، يتحدث عن معاناته بالقول ' منذ كنت طفلاً في سن العاشرة عملت مع والدي في مهنة الصيد ، وجزء مهم من حياتي قضيته في البحر ، حتى أن الأصحاب والجيران عندما كانوا يفتقدوني كانوا ينتظرونني على الشاطئ ، مضيفاً إلى أنه في أحد الأيام قبل 3 أعوام شعر بصداع شديد مما اضطره للخروج بسرعة من البحر والتوجه إلى مستشفى الشفاء القريب من منزله ، هناك يكمل محمود حديثه كانت ' الصدمة ' حيث أخبره الأطباء بعد ظهور نتائج التحاليل الطبية بأنه أصيب بفشل كلوي ، ورغم أن الأطباء لم يؤكدوا له أو ينفوا علاقة البحر بسبب مرضه ، إلا أن محمد وأسرته والجيران الذين التفوا من حوله متيقنون من أن التلوث الموجود في البحر هو من يقف وراء إصابته بهذا المرض الخطير ، ' محمود يضطر الان للذهاب للمشفى 3 مرات في الأسبوع ليقوم بعملية ' غسل الكلى ' و كله أمل في أن يمُّن الله عليه وأن ييسر له من أهل الخير من يساعدوه على إجراء عملية زرع ' كلى جديدة ' لكي ينجو من خطر يحدق به ويتهدد أسرته المكونة من زوجة وطفلين صغيرين .
وليس بعيداً عن حالة محمود فقد قال لنا ابن عمه 'أكرم مراد ' 32 عام ' أنه كان يعشق السباحة في البحر ، لغاية تعرضه قبل عدة أعوام لانتشار الحبوب في أجزاء من جسده، وهو ما جعله يستمر في تناول الأدوية لمدة 3 أعوام حتى تماثل للشفاء ، موضحاً أن الطبيب المعالج أكد له أن إصابته كانت بسبب سباحته في منطقة ملوثة ، وأوضح ' أيمن منير 19 عام يعمل منذ 5 أعوام في مهنة الصيد أنه تعرض أكثر من مرة للإصابة ' بحكة وحبوب ' في جسده ، مشيراً إلى أنه كان يجد داخل البحر ' بقايا من مخلفات المستشفيات و المطاعم ' .
محمد القوقة 22 عام من سكان المنطقة فضل لعب كرة القدم مع أصدقاءه أمام منزله رغم أن شاطئ البحر لا يبعد عنه سوى بعض الأمتار.. يقول محمد ' البحر أمامنا ولا نستطيع الجلوس أو اللعب على شاطئه ، كما نضطر للبحث عن أماكن أخرى قد تكون أكثر أمناً للاستجمام والاصطياف ' .
بينما أخذ عاكف فارس 39 عام يرفع نبرة صوته عاليا ً عند رده على سؤالي حول كيفية تأثير المياه العادمة على حياة أسرته داخل منزلهم المجاور للبحر ، بالقول.. ' الله أكبر ' أي حياة هذه التي نعيشها .. البحر تغمره ' مياه المجاري ' ولا يستطيع أطفالي السباحة أو اللعب على شاطئه ، ومحطة معالجة مياه الصرف الصحي أمام منزلي تنبعث منها الروائح الكريهة .. والمسكن الذي يؤوينا تهاجمنا فيه البعوض بشكل كبير خلال الصيف ، متسائلاً عن فائدة تصريف مياه ' المجاري ' إلى البحر بالقرب من منطقة مكتظة بالسكان كمنطقة معسكر الشاطئ الذي يزيد عدد ساكنيه عن الثمانين ألفاً ، في الوقت الذي يفترض فيه تصريف هذه المياه إلى مناطق بعيدة عن السكان والمصطافين .
وقال عادل الشريف 49 عام أن ' البحر تغّير لونه في بعض المناطق من الزرقة إلى السواد ، مشيراً إلى أن التلوث الذي أصاب الشاطئ قد تنعكس مخاطره علينا بحكم قرب منزلنا من البحر خصوصاً خلال فترة الصيف حيث تؤدي شدة الحر وانحباس الهواء إلى انبعاث روائح كريهة لا نطيق تحملها، إضافة إلى انتشار البعوض والذباب ، وهو ماقد يؤدي إلى إصابة البعض بالأمراض ، داعياً إلى العمل على إيجاد بدائل أخرى لتصريف ' المجاري ' إليها بدلاً من البحر .
وأشارت أميرة محمد 27 عام كانت تجلس مع والدتها وأطفالها الثلاثة في كافتيريا الغروب في منطقة الشيخ عجلين ' أنها منعت أبنائها من السباحة في البحر خوفاً عليهم من التلوث الموجود على الشاطئ ، مضيفة أنها رغم منعها لأبنائها لكنها أحياناً لا تستطيع الإجابة على أسئلتهم حول سبب منعهم ، خصوصاً مع قرب قدوم العطلة الصيفية التي يذهبون فيها كثيراً إلى البحر.
كما أوضح المواطن ' رمضان جميل ' صاحب كافتيريا على شاطئ البحر ' أن حركة إقبال الزبائن على الكافتيريا أصبحت تشهد ضعفاً خلال فترة الصيف بحكم انتشار البعوض والروائح الكريهة القادمة من شاطئ البحر ، مشيراً إلى أنه يقوم بتسديد أجرة ترخيص الكافتيريا دون تردد وهو ما يتطلب من الجهات المعنية العمل على تهيئة الشاطئ بما يسمح لنا الاستفادة من موسم الصيف بالشكل المطلوب '.
الخبير الدولي ' مارك باتيل ' يعمل في مؤسسة oxfam البريطانية تحدث في مؤتمر بعنوان ' غزة والحق في المياه ' عقد بمدينة غزة في الفترة ديسمير 2009 عن مشكلة الصرف الصحي بقطاع غزة موضحاً ' أن 80 مليون متر مكعب من المياه العادمة المعالجة جزئياً تضخ يومياً إلى البحر، حيث تتلقى محطة معالجة المياه الواقعة جنوب مدينة غزة لوحدها مابين 50 إلى 60 مليون متر مكعب من المياه العادمة يومياً ، بينما تستوعب المحطة 32 مليون لتر ، مشيراً إلى أن ما ترويه الكثير من وسائل الإعلام ومنها واشنطن بوست ونيويورك تايمز و BBC والجزيرة ، هو نتيجة نشاطات الضغط والتأثير للمؤسسات المهتمة موضحاً أن مشكلة تصريف المياه العادمة للبحر لها أثار ضخمة وتستوجب العمل لإيجاد حل سريع لها .
وخلال لقائي مع أ. رائد الخالدي مدير مركز الدراسات البيئية والريفية بالجامعة الإسلامية بغزة أوضح أن المركز أجرى عدة دراسات بهدف تحديد الأثر المبدئي للمياه العادمة التي تصب في بحر غزة ،وتوجيه حركة الاستجمام بالنسبة للمواطنين لتقليل تعرضهم للملوثات ، حيث أثبتت الدراسات وجود مناطق تعرضت للتلوث بشكل رئيسي ، و مناطق أخرى بشكل متغير وغير ثابت و تتحكم فيها عوامل عديدة مثل كمية المياه العادمة التي تصل إليها، بالإضافة للتغيرات المناخية خصوصاً في فصل الصيف بحيث تزداد نسبتها ، مشيراً إلى أن المشكلة الرئيسة في تصريف مياه الصرف الصحي 'إلى البحر تكمن في عدم قدرة محطات المعالجة الموجودة على استيعاب الكميات التي تصل إليها ، حيث تقدر كمية المياه التي تصل إلى محطة المعالجة الرئيسة في قطاع غزة ' المنطقة الوسطى ' لوحدها ب70 ألف متر مكعب بينما سعة المحطة 40 ألف متر مكعب الأمر الذي يؤدي إلى تصريف الكميات الزائدة عن القدرة الاستيعابية للمحطات إلى البحر ، وهو ما يؤدي إلى تعرض بعض المناطق للتلوث حيث يشكل ذلك خطراً على الثروة السمكية خصوصاً أن مادتي ' الفوسفور والنيتروجين ' الناتجتين عن المياه العادمة تعتبران جاذبتين للطحالب التي بدورها تتغذى عليها بعض أنواع الأسماك ' وهو ما يؤدي إلى موت بعضها خصوصاً القريبة من منطق التلوث ، مشيراً إلى أن هناك ضرورة تستوجب على الجهات المختصة والدول المانحة للعمل على تنفيذ مشاريع البنية التحتية وترميم وبناء محطات معالجة جديدة في قطاع غزة بشكل عام وليس بطريقة مجزأة كما هو حاصل الآن لضمان حل مشكلة تدفق المياه العادمة إلى البحر ، وإعادة استخدام المياه في ري الأراضي الزراعية .
من جهته أكد د. يوسف إبراهيم رئيس سلطة جودة البيئة بالحكومة المقالة بغزة ، في حديث لنا وجود تلوث في بعض المناطق على شاطئ بحر غزة موضحاً أنها لاتتعدى كونها 10% من طول المسافة على الشاطئ وهي تتركز في ثلاثة مناطق لخصها في ( منطقة خانيونس ، والمحافظة الوسطى (وادي غزة ) – و معسكر الشاطئ ) مشيراً إلى أن مشكلة التلوث نتجت عن تصريف كميات من المياه غير المعالجة و الزائدة داخل البحر بسبب عدم قدرة محطات المعالجة الموجودة على معالجة هذه المياه ، لعدة أسباب من ضمنها 'عجز هذه المحطات عن استيعاب الزيادة السكانية ، وبسبب استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة ' والذي نتج عنه عدم السماح بدخول مواد البناء اللازمة لتوسيع أحواض المعالجة الموجودة ، وعدم إدخال معدات وأجهزة صيانة جديدة بما يتناسب مع الزيادة الحاصلة في كميات المياه العادمة ، وأوضح د. يوسف إبراهيم أن سلطة البيئة بالتعاون مع عدد من المؤسسات تقوم بحملات توعية للمواطنين بضرورة عدم الاقتراب من مناطق التلوث ، بالإضافة لمكافحة انتشار البعوض والروائح الكريهة على شاطئ البحر ، مضيفاً إلى أن التخلص من مشكلة تصريف المياه العادمة إلى البحر يحتاج إلى بناء محطة معالجة رئيسة في المنطقة الوسطى ، وبناء محطة معالجة جديدة في منطقة خانيونس ، وإجراء صيانة لمحطة معالجة ' الشيخ عجلين ' ، حيث يتطلب الوصول لهذا الحل بعض الوقت لكي ينعم المواطن الفلسطيني في بحر خالي من التلوث.
وفي جزء من التوصيات التي خرج بها مؤتمر ' غزة والحق في المياه ' ديسمبر 2009 الذي نظمه مركز الميزان لحقوق الإنسان ، فقد أوصى المجتمعون خلاله على ضرورة التزام المجتمع الدولي بواجباته القانونية ، والحد من الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية وشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء ، إضافة للعمل على زيادة الدعم المالي لتطوير شبكات المياه والصرف الصحي ، وضمان استمرار دخول الكميات اللازمة من الوقود لضمان تشغيل محطة توليد الكهرباء بشكل مستمر ، وأهمية هذا الجانب لتجنب مشكلة طفح مياه الصرف الصحي ، بالإضافة لإدخال كل المعدات وقطع الغيار اللازمة للمياه والصرف الصحي دون شروط، كما أوصوا بضرورة استئناف الدول المانحة التي توقفت عن دعم بعض المشاريع الخاصة بالصرف الصحي والبنية التحتية لدعمها ، وتطوير المشاريع التنموية التطويرية متوسطة وطويلة الاجل ، وفيما يتعلق بالسلطة الوطنية الفلسطينية فقد أوصى المجتمعون بوجوب قيام السلطة الفلسطينية بتعزيز المراقبة على أحواض المعالجة ، من حيث منسوب المياه المتدفقة إليها ، خاصة في فصل الشتاء ، لمنع حدوث كوارث مثلما حدث من قبل في قرية ام النصر ، والتي وقع جرائها العديد من الضحايا ، كما أكدوا على وجوب تعزيز أعمال رش الحشرات والقوارض ورش المواد التي تقضي على الروائح الكريهة المنبعثة من أحواض الصرف الصحي ، والمناطق المحيطة بتجمع مياه الصرف الصحي ، لمنع انتشار الأمراض المختلفة ، وتحسين إعادة مستوى المياه العادمة ، وضخها في أحواض مخصصة للحقن في الخزان الجوفي ، أو إعادة استخدامها في أغراض الري وللأغراض الصناعية ، وحذر المجتمعون من استمرار وتفاقم الوضع الراهن الذي تزداد معه نسبة زحف مياه البحر إلى المياه الجوفية، وتسرب المياه العاددمة إلى البئر الجوفي في قطاع غزة .
- الصقرالمقنعالصقرالمقنع
- عدد المشاركات : 7031
العمر : 39
أوسمة التميز :
تاريخ التسجيل : 14/12/2008
رد: تلوث بحر غزة...مصطافون يشتكون ولا حل يلوح في الأفق!
الأربعاء مايو 25, 2011 1:26 pm
- الأسد يلوح بالاستقالة إذا تأكد من رفض السوريين له
- تلوث الماء نتائج خطيرة على صحة الإنسان
- السعودية تنفي صحة التقارير الإعلامية عن تلوث مياه زمزم بالزرنيخ
- بعد تعطل اثنين من المخازن الرئيسية أزمة الغاز في قطاع غزة تراوح مكانها ولا حلول تلوح في الأفق
- استكمال الدور المصري مبادرة تركية في الأفق لتعزيز المصالحة الفلسطينية والمساعدة في تشكيل حكومة وحدة وطنية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى