الرد على من ادعى أن من أحرق نفسه شهيد

**الأربعاء يناير 26, 2011 6:19 pm**

هذا تفريغ لرد الشيخ صالح السحيمي -حفظه الله- على من اِدعى أن من حرق نفسه فهو شهيد. أسأل الله أن ينفع بها.
_________________
أردتُ
أنا أنبه على أمر، يتبجَّح البعض بقصة الرجل الذي أحرق نفسه إلى أن مات في
إحدى البلدان، وقد سمعت البارحة رجلا يعوي -من أدعياء العلم-، يعوي
بالثناء على هذا الفعل، وهو من متعالمي الفضائيات، ويُثني عليه ويلتمس له
العذر وذكر قصة لا أدري عن صحتها أن له نظائر في عهد النبي -صلى الله
عليه وسلم- وأنا ما سمعت إلَّا آخر تعليقه وبرَّر هذا وقال كلامًا لا
يقوله إلا السَوَقَـة. ثم إنه في هذا اليوم وفي بلاد أخرى قام رجل
مقلِّدًا هذا الرجل وردد بعض المقولات ثم سكب البنزين على نفسه وأشعل في
نفسه، يريد أن يتكرر في ذلك البلد ما حصل في تونس.

أولا نقول لهؤلاء الناس، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل نفسه فهو في النار))، ((من قتل نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها يوم القيامة في النار، ومن قتل نفسه باحتساء سم فهو يحتسيه في النار يوم القيامـة)) وهنا من قتل نفسه ببنزين فهو يشعل فيه كما فعل بنفسه.

وهذا
والله -ليست هذه شهادة- بل من الظلم والبهتان والعدوان أن يُسمَّى مثل هذا
العمل استشهادا، من الظلم والعدوان والبهتان وقلة الحياء والقول على الله
بغير علم أن يسمى مثل هذا شهيدًا، كيف يقول شهيد؟؟ يعني هذا ضد قول النبي
-صلى الله عليه وسلم- تماما، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من قتل نفسه فهو في النار))، وهذا يحرق نفسه بالنار تعجل العذاب.

أقول
إن مدح هذا الصنيع يدل على بعد الناس عن فهم الدين الصحيح، ويدل على أنهم
رعاع، أن الكثير من الناس رعاع يصفقون خلف كل ناعق، والله لو أحرق آلاف
أنفسهم اِحتجاجا على ملئ البطون لا يجوز أن يُقلَّدوا في ذلك. يا إخوان
هذه مهزلـة، هذه مهزلـة.

كفى بك داءًا أن ترى الموت شافيا .. وحسب المنايا أن يكنَّ أمانيا

هذا ما يفعله أحد إلا
السفهاء، فلا يجوز تبرير تلك الأعمال، وما الذي ترتب؟ إلى أمس وهذا البلد
الممزق الآن، وأخشى أن يتلحق بالصومال وبعض والبلدان، إلى أمس وقد استغل
ذلك السُراق واللصوص والحرامية -كما يقال- فأخذوا ينهبون البنوك
والممتلكات مما اضطر الشعب المساكين أن يُجندوا جنودًا من عند أنفسهم
ليحموا ممتلكاتهم وأموالهم.

بالعكس أنا أرى أن الذي
أطلق هذه الشرارة عليه وزر كل ما حدث، أنا لا أدافع عن أحد هنا ولا شأن لي
بتلك البلدان وما فيها من حكام أو محكومين. لكني أقصد ماذا؟ أقصد أن
الإستدلال بهذا على البطولة وعلى الشجاعة هذا هراء وخرافة ودجل، لا يستدل
به إلا من هو أجهل من حمار أهله. فاحذروا -رحمني الله وإياكم- أن تستدلوا
بمثل هذه الأفعال الخطيرة الخبيثة. والله لو أموت جوع ما أحرق نفسي، أعوذ
بالله أحرق نفسي.

يا
أخي الصحابة -رضوان الله عليهم-، الرسول -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء
أحرقوا من أجل بطونهم؟ طيِّب، ألم يربط النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجر
على بطنه من شدة الجوع؟ وبعض الصحابة تجار كبار وعلى رأسهم الخليفة الراشد
عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، هل قالوا نسوي إشتراكية نروح ننهب الذي عند
عثمان؟؟ وعبد الرحمن بن عوف وفلان وفلان وكلهم تجار.

بل وأبو بكر نفسه -رضي الله عنه-، ولذلك لما استخلف أبو بكر وانفضوا من اختياره أخذ حبله وذهب إلى السوق، يقول له عمر: (إلى أين يا أبو بكر؟)، أين تذهب؟ يقول: (أذهب إلى السوق) ليتاجر كالعادة. قال: لا، يفرض لك من بيت المال.
الآن أنت لست متفرغا للسوق، -رضي الله عنه-، خرج -صلى الله عليه وسلم- ذات
ليلة فوجد أبا بكر ووجد من وجد وكان قد ربط الحجر، قال وما أخرجني أنا
أيضا إلا الجوع. طيِّب، ماذا فعلوا؟؟ أحرقوا أنفسهم؟؟ وإلا اعتدوا على
أموال الناس؟؟

لالا،
هذه غوغائية لا يفعلها إلا من بعدوا تماما عن الشرع، والغاية لا تُبرر
الوسيلـة -كما هو معلوم في شرعنا-، إلا عند الشيوعيين وأصحاب مكيافيلي
الذين عندهم الغاية تبرر الوسيلة. لكن وللأسف أن إحدى دعاة الخوارج يوم من
الأيام في شريط لـه -عندي- يقول: "إننا نحن نضطر في دعوتنا أحيانا لتطبيق
نظرية ميكيافيلي وهو أن الغاية تبرر الوسيلـة". فهذا كله هراء ودجل ولا
يجوز ولو انتحروا كلهم بالنيران لا يجوز أن تجاب دعوتهم أو أن يستجاب
لأمرهم، لأن لا يجوز هذا العمل، الكفار هم الذين إذا يئسوا من الحياة
لجؤوا إلى ماذا؟ إلى الإنتحار. أما المسلم يصبر ولو مات، ألا تعلمون قصة
الرجل الذي كان يضرب بين الصفين وشهد أحد المسلمين أنه في الجنة، فقال
النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا هو في النار).
فأخذ الصحابة يتتبعونه حتى إنه للما أذلقته الجراح وأثخنته الجراح اتكأ
على ذبابة سيفه حتى اخترقت بطنه وظهره فمات. تعجل الموت، ولذلك قال النبي
صلى الله عليه وسلم إنه في النار على الرغم من شجاعته وكثرة بطولته.
القضية ما هي قضية بطولة، قضية شرع، تقيَّد بالشرع وإلا فالبطولـة فكثير
الأبطال الذين يغامرون وينتحرون، ليسوا أبطلا وإنما هم متهورون فقفوا عند
حدود الله وقفوا عند حدود الشرع وإياكم أن تبرروا لأمثال هذه الأعمال
الغوغائية وإنما الذين يرجع إليهم في مثل هذه الأمور، لعلاج هذه الأمور هم
أهل الحل والعقد.

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقني الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آلـه وصحبـه.