تصدر وارتقاء الجهال إلى مصاف الكبار
الأربعاء مايو 05, 2010 2:09 am
فضيلة الشيخ د. عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم :
الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد : فإن الخوف على الأمة من أولئك الذين لبسوا ثياب العلم الشرعي - وما هم من العلم الشرعي في شيءٍ - ، لهو الخوف الصادق على الأمة من الفساد والإنحراف ، ذلك بأن تصدُّر الجهال في حين فقد العلماء الصادقين المتمكنيين بابٌ واسع للضلال والإضلال .
وهذا ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله ، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتخذ الناس رؤسًا جهالاً ؛ فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ؛ فضوا وأضلوا ) .
ولقد انتبه أهل العلم المخلصون لخطورة هذا الصنف من الناس على دين الأمة وعقيدتها ومصيرها ، فقضوا بوجوب الحذر والتحذير منهم ، وعدم الأخذ عنهم ، وأنا أنقل نصّين من كلام أهل العلم هما غاية في شرح هذا الباب :
• الأول : قول أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني - رحمه الله تعالى - حيث قال في كتابه " الإنصاف " : ( ص 114 ) : ( اعلموا - رحمنا الله وإياكم - : أن أهل البدع والضلال من الخوارج والروافض والمعتزلة ؛ قد اجهتدوا أن يدخلوا على أهل السنة والجماعة شيئًا من بدعهم وضلالهم ، فلم يقدروا على ذلك ، لذب أهل العلم ودفع الباطل ، حتى ظفروا بقوم في آخر الوقت ممن تصدى للعلم ولا علم له ولا فهم ، ويستنكف ، ويتكبر أن يتفهَّم وأن يتعلَّم ، لأنه قد صار متصدّرًا معلمًا بزعمه ؛ فيرى - بجهله - أن عليه في ذلك عارًا وغضاضة ، وكان ذلك منه سببًا إلى ضلاله وضلال جماعته من الأمة ) .
• الثاني : قول الراغب الأصبهاني - رحمه الله تعالى - : ( لا شيء أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصين للرياسة بالعلم . فمن الإخلال بها ينتشر الشرّ ، ويقع بين الناس التباغض والتنافر … ألخ .
وقال : ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق ، واحدثوا بجهلهم بدعًا استغنوا بها عامة ، واستجلبوا بها منفعة ورياسة ، فوجدوا من العامة مساعدة بمشاركتهم لهم ، وقرب جوهرهم منهم ، وفتحوا بذلك طرقًا مُنْسَدةً ، ورفعوا به ستورًا مسبلة ، وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوها بالوقاحة ، وبما فيهم من الشَّرهِ ، فبدعوا العلماء وجهَّلوهم اغتصابًا لسلطانهم ، ومنازعة لمكانهم ، فأغروا بهم أتباعهم حتى وطؤوهم بأظلافهم وأخفافهم ، فتولد بذلك البوار والجور العام والعار ) .
فهذان النصان الجميلان أدعوا أهل العلم وطلابه لتأملها ، والنظر في معناهما ، وتأمل واقع المسلمين - اليوم - على ضوء ما شرحه هذان العالمان الكبيران . هل حل بالناس ما حلّ من انحراف بعض الشباب في معتقده ، وظهور بوادر الفتن ، وتجرؤ الصغار على كبار الأئمة ، وعلماء الدعوة ، وخروجهم على طريقتهم المستقاة من الكتاب والسنة والأثر مع معرفة تامة بمقاصد الشريعة ومواقع المصلحة ؛ إلا لإختلال الميزان الذي يوزن به العلماء ، وارتقاء من لا علم له إلى مصاف الكبار !
لقد صدق الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وهو صادق ، عندما قال : ( إنكم في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه ؛ قليل سؤاله كثير معطوه ؛ العمل فيه قائد للهوى . وسيأتي بعدكم زمان قليل فقاؤه كثير خطباؤه ؛ كثير سؤاله قليل معطوه ، الهوى فيه قائد للعمل . اعلموا أن أحسن الهدى في آخر الزمان خيرٌ من بعض العمل ) .
قال الحافظ في " الفتح " : ( سنده صحيح ، ومثله لا يقال من قبل الرأي ) .
وقد أخرج هذا الأثر - أيضًا - الإمام مالك في " الموطأ " : (1/173) عن يحي بن سعيد : أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان : ( إنك في زمان كثير فقاؤه … ) إلى آخره .
ثم قال بن عبد البر : ( والعيان في هذا الزمان على صحة معنى هذا كالبرهان ) .
هذا في زمانه - رحمه الله - فكيف بزماننا - هذا - !؟
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى