الجزاء من جنس العمل

الجمعة يناير 22, 2010 10:58 pm

من
سنن الله عز وجل الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل في الكون، والتي نُسج
على منوالها نظام هذه الحياة أن الجزاء من جنس العمل، وكأنما الدنيا تشبه
جدول ضرب في الحساب أو معادلة رياضية إذا قلبتها كيفما شئت وازنت نفسها من
تلقاء نفسها، فكل جريمة تجد جزاءها، وكل فضيلة تكافأ، وكل خطأ يجازى في
صمت وبالتأكيد، وليس في هذه الدنيا الواسعة المترامية الأرجاء مكان يختفي
فيه إنسان سافل أو نذل، وكأن الأرض كلها صنعت من زجاج.
وفي
هذه القاعدة الربانية الكونية أعظم مواساة على الإطلاق للمظلومين
والمستضعفين والمقهورين والمغلوبين عن أمورهم، حيث تؤازرهم على الصبر
والثبات، وثوقا بموعد الله الذي يُمهل ولا يُهمل، ويملي للظالم عسى أن
يثوب حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
والإنسان
بطبعه كما جاء في القرآن الكريم يطغى أن رآه استغنى وهو ناموس اجتماعي عام
منذ الخليقة الأولى، والظالم لا يستطيع أن يظلم أو يطغى لأنه يرغب فقط،
إنه يطغى عندما لا يرى من يمنعه من الطغيان، لهذا لا تقع مسؤولية الظلم
على عاتقه وحده إنما تقع على عاتق الذين أعطوه المفاتيح وسهلوا له فتح
الأبواب المستعصي فتحها على عامة الناس، وتبعا لذلك يمكن لأي جاهل أو أمي
في أي مدينة أن يتحول إلى فرعون بشرط واحد : امتلاكه مفاتيح القوة بدون
كوابح، ويمكن لأي مدير في أي إدارة أن ينقلب إلى طاغية يذيق الموظفين أشد
العذاب والبطش بشرط واحد هو امتلاكه مفاتيح القوة بدون مراقبة ومحاسبة
وهكذا دواليك، ولو سُحِبت من هؤلاء تلك المفاتيح التي يستمدون منها سلطتهم
وتضفي عليهم رهبة وصولة وجبروتا لربما أصبحوا أتفه خلق الله وأكثرهم ألما
وعذابا لما حل بهم.

وحتى
أطغى الطغاة في التاريخ فرعون لما أمر الله البحر فأطبق عليه ومن معه
فأغرقهم أجمعين ، قال لما أدركه الغرق : " (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ
إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 90]، وما قيمة الحياة إذن في أن يربح الإنسان
الدنيا ويخسر نفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "ليس الغني عن كثرة
العرض , ولكن الغنى غنى النفس"
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6446
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

، والإنسان مهما بلغت ثروته وأملاكه وقوته
وجاهه وجبروته يولد وحيدا وينام في حيز لا يتعدى مترين مربعين، ولا يأكل
سوى لقيمات قليلات يقمن صلبه، ويغادر هذه الدنيا مهما طال به المقام
وحيدا، عندها يستفيق من نومه وغفلته ويدرك عنذئذ أن ثروة الدنيا على الرغم
مما تزخر به من متاع للغرور ليست في حقيقة الأمر سوى رداء ورغيف في انتظار
الموعد الذي لا مفر منه. و للإمام علي كرم الله وجهه شعر بليغ يقول فيه:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
أن الســلامة فيــها تـــرك ما فيها
لا دار للمــرء بعد الموت يسكنـها
إلا التي كان قبل المــوت بانيـــها
فإن بنـاها بخــير طاب مسكنـــها
وإن بنــاها بشــر خــاب بانيـــها
أين الملــوك التي كانت مسلطنـة
حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوي الميــراث نجمعــها
ودورنا لخــراب الدهــر نبنيـــها
كم من مدائن في الآفاق قد بنيت
أمست خرابا ودان الموت دانيها
لكل نفس وإن كانت على وجــل
مــن المنيــة آمـــال تقـــــــــويها
فالمرء يبسطها والدهر يقبضـها
والنفس تنشرها والموت يطويها