ما هو الضابط في تمييز الأمور الاعتقادية عن الأمور التشريعية
الخميس يناير 07, 2010 1:27 am
فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : رحمه الله
قبل الإجابة عن هذا الضابط ، أقول : إن مما دخل في الإسلام ولا يعرفه السلف الصالح ، هو تقسيم الدين إلى أقسام لم يأتِ عليها نص في الكتاب ولا في السنة ، من ذلك تقسيم الدين إلى أصول وفروع ، ومن ذلك ما جاء السؤال حوله ، وهو تقسيم الإسلام إلى أمور اعتقادية وأحكام شرعية ، وبناءً على هذا الاصطلاح الحادث جاء هذا السؤال : ما هو الضابط في تمييز الأمور الاعتقادية عن الأمور التشريعية - أي : الأحكام الفقهية - !؟
من حيث اعتقادنا : أن هذا التفريق لا أصل له ، فأنا أنصح السائل بأنه لا يهتم بمعرفة هذا الضابط ، بقدر ما يجب عليه أن يعرف أي شيءٍ كان هل هو من الإسلام أم ليس من الإسلام !؟ ثم لا عليه بعد ذلك إذا عرف هذا الاصطلاح بقسميه ، وأنه ينطبق على هذه الجزئية ، القسم الأول أو القسم الآخر ؛ لأن المهم هو طاعة الله - عز وجل - في كل ما شرع ، ولا يهمنا أبدًا أن نعرف الأمور الاصطلاحية ، لا سيما إذا كان يترتب من وراء هذه الأمور الاصطلاحية الاهتمام ببعضها دون الاهتمام بالبعض الآخر ، أو تقويم - ويقولون اليوم : تقييم وهو خطأ - تقويم قسم منها ما يستحقه دون القسم الآخر وكله شرعي ، ويترتب من وراء اصطلاح كهذا تنزيل قيمة بعض هذه الأحكام الشرعية عن البعض الآخر ، فهذا اصطلاح يجب الإعراض عنه ، بل يجب أن يضرب به عرض الحائط .
الآن أجيب على السؤال - مع ضرب المثال الذي يتفرع من هذا الاصطلاح - : يميزون الأمور الاعتقادية عن الأمور التشريعية : بأن كل خبرٍ جاء في الكتاب أو في السنة له علاقة بأمر غيبي وليس له علاقة بحكم شرعي عملي ، فهذا هو الذي يعنون به أنه من الأمور الاعتقادية ، وبالعكس إذا كان ذلك الأمر الذي جاء في الكتاب والسنة يترتب من ورائه حكم عملي فهو حكم شرعي ، ويتبين من هذا التقرير بأن الأمور الغيبية هي الأمور الاعتقادية ، فمثلاً : الاعتقاد بعذاب القبر لا يترتب وراءه عمل ؛ لأنه يقف فقط عند العقيدة ، وكذلك الاعتقاد بالملائكة ، ووجود الجن ، وأشراط الساعة ، ونحو ذلك من أخبار بدء الخلق وقيام الساعة ، فكل شيء ليس له علاقة إلا بالعقيدة فهو من الأمور الاعتقادية .
وما يقابل هذا من الأمور العملية هي الأحكام الشرعية . وما حصيلة هذا التقرير !؟ ذلك ما أشرت إليه أن بعضهم ابتدع فقال : إذا كانت الأمور الشرعية من القسم الأول - أي : لها علاقة بالأمور الغيبية الاعتقادية - وكان ذلك الأمر قد جاء في حديث صحيح فلا يؤخذ به ؛ لأن له علاقة بالأمور الاعتقادية ، أما إذا جاء هذا الحديث في القسم الثاني من الأحكام الشرعية فيجب الأخذ به ؛ لأنه تضمن حكمًا شرعيًا ، وهناك لا يؤخذ ؛ لأنه تضمن أمرًا اعتقاديًا ، هذا اصطلاح ليس له أصل في الكتاب والسنة مطلقًا ، وإنما هو من علم الكلام والفلسفة الذي تسرب إلى المسلمين في صور شتى ، فانحرف بهم عن كثيرٍ من دينهم وشريعتهم .
ولنا رسالة في بيان أن هذا التفريق بين الأمور الاعتقادية والأمور التشريعية تفريق لا أصل له ، وأنه مجرد أن يأتي الخبر عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - صحيحًا يجب الإيمان والتصديق به ؛ سواءً تضمن عقيدةً فقط أو تضمن حكمًا شرعيًا . وهذه الرسالة مطبوعة ، وباستطاعة من كان حريصًا على التوسع في هذه المسألة أن يرجع إليها .
لكني قبل الانتقال إلى الإجابة عن سؤال آخر أريد أن أذكر بحقيقة هامة ، قلت في تلك الرسالة وفي غيرها : إن هذا التفريق مع أنه لا أصل له ، لو عكس ذلك رجلٌ مثلي لكان أقرب إلى الصواب ، أي : أن يقول : لا يجوز الأخذ بالأحكام إلا بالحديث المتواتر القطعي الذي اشترطوه في العقيدة فقط ، أنا أقول : لو عكسوا لكانوا أقرب إلى الصواب ، ولا أقول : لأصابوا ؛ لأن التفريق لا أصل له في الشريعة ، لكن لو عكسوا لكانوا أقرب إلى الصواب ؛ لأن كل حكم شرعي يتضمن عقيدةً ، وليس كل عقيدة تتضمن حكمًا شرعيًا ، فمثلاً : الإيمان بعذاب القبر قضية اعتقادية محضة ، لكن اعتقادك بأنه يجب كذا ، أو يستحب كذا ، أو يحرم كذا ، فهذا يتضمن عقيدة ، لو أن رجلاً صلى ركعتين والناس نيام بغير قصد التقرب إلى الله فلا يستفيد من ذلك شيئًا إطلاقًا ، ولو صلاهما بقصد الفرض لا يستفيد من ذلك شيئًا ؛ لأنه تضمن عقيدة عملها لكنه تضمن عقيدة غير مشروعة ، عندما صلاهما بنية الفرض ، لكن لما صلاهما بنية النفل صارت عبادة . فكل أحكام الشريعة لا يمكن أن نفصل فيها بين الحكم وبين الاعتقاد بمضمونه ، فالأحكام الخمسة التي تعرفونها : الفرض ، والسنة ، والحرام ، والمباح ، والمكروه ، هذه كلها لا تنفصل عنها العقيدة ، وإذا تصورنا حكمًا عمليًا قام به مسلم وفصلنا عنه الاعتقاد به لم يكن حكمًا شرعيًا مطلقًا . لذلك فاشتراط الحيطة والحذر في الأحكام الشرعية التي تتضمن عقيدة وعملاً ، أولى من اشتراط الحيطة والحذر في الأمور التي لا يقترنها حكم عملي ، كالإيمان بعذاب القبر مثلاً ، لكننا نقول : لا يجوز التفريق بين هذا وهذا مطلقًا .
عرفنا إذًا أننا بصفتنا مسلمين نتمسك بما كان عليه السلف الصالح من مفاهيم الكتاب والسنة ، ونمشي على آثارهم ، أننا لا نفرق بين الأمور الاعتقادية وبين الأحكام الشرعية ، فكل ذلك دين يجب أن نتعبد الله به ، لا نفرق بين العقيدة وبين الحكم الشرعي والعبادة ، فإذا ثبت حديث وتضمن حكمًا شرعيًا سلمنا تسليمًا ، وإذا جاء حديث صحيح - أيضًا - وتضمن أمرًا غيبيًا سلمنا تسليمًا ، لا نفرق بين هذا وهذا ؛ لأن السلف ما فرقوا بين هذا وهذا ، وكذلك الأئمة الأربعة لا يصح عن أحدٍ منهم التفريق بين العقيدة وبين الأحكام الشرعية ، وإنما حدث التفريق - كما أشرنا آنفًا - من بعض المتأخرين من علماء الكلام .
الذي نريد أن نذكر به مرة أخرى : موضوع الكفر الاعتقادي والكفر العملي ، الذي تخبط فيه الشباب في العصر الحاضر تخبطًا خطيراً جدًا ، حتى وقع ألوف منهم في مذهب الخوارج ، فكفَّروا المسلمين بسبب عدم تفريقهم بين الكفر الاعتقادي والعملي .
نحن نقول : الكفر الاعتقادي مقره القلب ، وهذا لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى ، والكفر اللساني نحن نعرفه ؛ لأننا نسمع ، وإنما ندين الناس مما يظهر لنا منهم من أعمالهم ومن أقوالهم ، فعندما نفرق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي لا نريد أن نقول : فلان عند الله مؤمن ، أو هو عند الله كافر ، بل أمره إلى الله تبارك وتعالى ، فإذا ظهر لنا منه ما يدلنا على أنه كافر بقلبه ، فنحن نعامله على ما ظهر لنا منه وحسابه إلى الله تبارك وتعالى ، لكن المشكلة التي هي نقطة الدقة في الموضوع ، أننا نجد في العصر الحاضر أناسًا يظهر منهم ما يدل على إسلامهم وإيمانهم ، ومن جهة أخرى يظهر منهم ما يدل على كفرهم ، فما هو الشيء الذي نغلبه على هذا الجنس من البشر !؟
هنا يقع الخبط والخوض ، فمجرد أن نرى في الإنسان - مثلاً - تركًا للصلاة حكمنا عليه بأنه مرتد عن دينه ، وهو لم ينكر مشروعية الصلاة ، فضلاً عن أن يكون موظفًا - مثلاً - في دولة لا تحكم بما أنزل الله ، فنقول : إنه كافر مرتد عن دينه . هذه الظواهر لا تدل على ما في قلب هذا الإنسان يقينًا حتى نتبنى الحكم عليه بالظاهر ، لا سيما - كما قلت آنفًا - أن هناك ظواهر أخرى تدلنا على إسلامه ، ولست أريد الخوض في هذه المسألة إلا بمقدار ما أنبه السائل أننا حينما نقول : الكفر الاعتقادي والكفر القلبي ؛ لنحكم بالعدل بالنسبة للمكلفين أمام الله يوم القيامة ، أما هنا في الدنيا فقد يظهر لنا إنسان كافر وهو ليس بكافر عند الله ، وبالعكس ؛ يظهر لنا أنه مسلم وهو منافق كبير عند الله تبارك وتعالى ، وهذا معروف في التاريخ الإسلامي الأول فضلاً عن تاريخنا الحاضر .
أضرب لكم مثالاً نبهتكم عليه مرارًا : أكثر أئمة المسلمين يقولون بالنسبة لتارك الصلاة : إنه يقتل حدًا ويدفن بمقابر المسلمين ، وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول : لا يتصور إنسان يؤثر القتل على أن يصلي ، فهو يقتل كفرًا ؛ لوجود القرينة على أن هذا رجل - كما يقال اليوم في لغة العصر الحاضر - : عقائدي ؛ لأنه لو كان لا ينكر الصلاة لما أثر القتل عليها وصلى ولو نفاقًا .
أما هذا السؤال الذي أنت تسأل عنه ، تريد قرينة ظاهرة تستند إليها ، تقول : يقتل حدًا أو كفرًا ، ما دام أنك ما استطعت أن تصل إلى قرينة ظاهرة ، وتدل قطعًا أنه منافق بقوله ، فحينئذٍ حسبك أن الشارع أعطاك صلاحية استئصال شره من وجه الأرض ، ثم حكمه إلى الله - عز وجل - ، فهو يعلم السر وأخفى .
رد: ما هو الضابط في تمييز الأمور الاعتقادية عن الأمور التشريعية
الخميس يناير 07, 2010 11:12 am
ج ااااازاك
- الرئيس يهنئ غول واوردغان بفوز حزبهما في الانتخابات التشريعية
- حكم من عقد بيعة لغير ولاة الأمور
- حكم من عقد بيعة لغير ولاة الأمور
- خطأ من يقول: إن طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم فكرا انهزاميا
- استهجن استمرار قطع الرواتب والاقتطاع لصالح الكهرباء بدون تمييز النائب أبو شمالة : هناك إجحاف بحق المحافظات الجنوبية في المساعدات
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى