من خان آيات الأخرس 1
+3
انسام
لهيب المقاومة
الحب المستحيل
7 مشترك
من خان آيات الأخرس 1
الأربعاء يونيو 24, 2009 1:24 am
(1)
أربعون يوماً .. أكثر من أربعين يوماً .. !
بعد أكثر من أربعين يوماً على استشهاد آيات ، كنت يوم الجمعة (24/5/2002) أخطو نحو منزل أبو سمير ، بعد انسحاب الاحتلال الصهيوني الجزئي من المنطقة . و كنت أود الجلوس معه منفرداً بعد غياب ظروف المفاجأة الضاغطة عليه ، هذا إذا كان يمكن أن تغيب ، التي أسمّيها من باب التخفيف "مفاجأة" .. !
و في الطريق إلى منزله في أحد زواريب مخيم الدهيشة قرب مدينة بيت لحم ، كان السؤال الداخلي ما يزال يلحّ عليّ طوال الأيام الماضية : أيام الحصار و الدم و الألم : هل كان يجب أن تستشهد ، آيات ، الطالبة المجتهدة ابنة السابعة عشر دفاعاً عن كرامة هذه الأمة ؟؟
و ما هي هذه الأمة التي تحتاج لآيات كي تدافع عن كرامتها ، هل أمة بهذا الشكل بقي لها أدنى كرامة ، لتقوم آيات ، أو غيرها بالدفاع عنها ؟؟
و أمة كهذه هل تستحق أن تدافع عن (شرفها) آيات ؟ و أي (شرف) هذا الذي ستدافع عنه .. !
كان ذلك في يوم الجمعة 29/3/2002م ، عندما غابت آيات ، و إلى الأبد ، عن شوارع المخيم .. !
كان العرب الرسميون قد عقدوا قمة تاريخية لمناقشة قضية فلسطين ، و التصعيد الصهيوني غير المسبوق خلال انتفاضة الأقصى ، التي كانت تخطو في شهرها الثامن عشر ، و كان مقرّراً للقمة التاريخية أن تستمع لرئيس السلطة الفلسطينية المحاصر في مقره في رام الله ، يلقي كلمة افتتاحية عبر الأقمار الصناعية ، و لكن تدخلات عربية رسمية منعت عرفات الرسمي من إلقاء كلمته ، و بحث الرسميون مبادرة سلام عربية جديدة ، و أقرّوها ، في وسط أجواء القمع الصهيوني و البلاهة العربية .
و في المؤتمر الصحافي الذي عقد في ختام القمة التاريخية سأل صحافي أجنبي :
- أنا مندهش .. شارون أعلن أمس عن خططه التوسعية و تمسّكه بسياسته و رفضه لمبادرتكم ، فما معنى هذه المبادرة أصلاً … ؟!
و سأل آخرون :
- ماذا لو رفضت (إسرائيل) مبادرتكم ؟ ماذا ستفعلون ؟ هل ستفرضونها بالقوة ، ما هو بديلكم .. ؟!
و خرج صحافيو الأنظمة يبشّرون بعهد جديد ، .. أخذت فيه الأنظمة المبادرة و لم تنزل لمستوى مطالب شعوبها ، و أنها لم تعد تحتكم للشارع الغوغائي .. !
و ما كاد المؤتمر التاريخي ينهي أعماله ، و ينسى صحافيو الأنظمة ما قالوه ، حتى كان رد مجرم الحرب شارون عنيفاً و غير مسبوق ، ببدء حملة أسماها (السور الواقي) في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م ، و بدأ حرباً لم تشهدها تلك الأراضي في تاريخها .
و تقدّمت دبابات الاحتلال إلى مقرّ عرفات الذي كان محاصراً منذ أشهر و بدأت باقتحامه وسط أجواء ترقّب و متابعة شعبية عربية ، و صمت رسمي عربي ..
و في هذه الأجواء حضرت آيات ..
الفضائيات العربية ، كل وسائل الإعلام ، مراكز صنع القرار في العالم ، الرئيس الأمريكي "بوش" .. اتجهت بأنظارها إلى هناك ، إلى حي "كريات أوفيل" الاستيطاني بالقدس الغربية ، و العملية الاستشهادية .. إلى آيات .
بعد أقلّ من ساعة على الإرباك الذي أصاب "شارون" ، مما حدث في "كريات أوفيل" ، بدأت أصوات الرصاص تلعلع في مخيم الدهيشة ، و تعلو الزغاريد .. !
كنت ، مثل غيري أستعد ، للعدوان المقبل على المحافظة ، نزلت إلى الشارع ، .. شارع القدس – الخليل ، الطريق التاريخي الذي مرّ به فاتحون و غزاة و أفّاقون و مغامرون طوال قرون ، كان الفتيان و الفتيات انتظموا في تظاهرة كبيرة فرحاً بمنفذة العملية :
عندما اقتربت أكثر منهم سألت :
-هل تأكد أنها من المخيم ؟
-من هي .. ؟
- ….. ؟
- آيات …. !
لم يكن منظر المتظاهرين غريباً في أجواء انتفاضة الأقصى ، لكنه اكتسب معنى آخر ، كان جيل جديد من الفلسطينيين ، يخرج إلى هذا الشارع تسبقه الزغاريد و يلحقه أزيز رصاص الفخر الذي ينطلق من بنادق يحملها شبان صغار من أبناء المخيم ، عاشوا يحملون قضيتهم على أكتافهم.
شرد ذهني إلى أعوام كثيرة سابقة .. إلى وقائع حدثت في هذا الشارع قبل خمسة و ثلاثين عاماً .. تاريخ بعيد لا أعيه تماماً و لكن عشت سنوات عمري مع نتائجه … و لا يعيه هؤلاء الفتية و الفتيات و لكنهم كانوا أبناءه : أبناء ما أسموها : نكسة .. !
و سمعوا من آبائهم عندما وقفوا في هذا الشارع : شارع القدس – الخليل ، في ذاك الحزيران الحزين ، حزيران السابع و الستين ، أشهر حزيران في تاريخ العرب ، ينتظرون الجيش العراقي المخلّص ، و الجيوش العربية الأخرى التي ستسحق "تل أبيب" .. !
و سمعت أيضاً ، مثلهم ، من والدي .. !
***
عاش والدي و مات فقيراً ، دفن خمسة من أبنائه قضوا في صراع البقاء مع اللجوء و الجهل و الفقر و المرض ، و هو الذي لم يبقَ لديه شيء ليخسره مثل كلّ فقراء الدنيا ، ظلّ يتمسك بكرامة و عزة و بأوراق صفراء متآكلة يسميها (كواشين) لأرضٍ عاش يشرق إليها بالقلب و انثيالات الحنين و المنتأى ..
و كانت فلسفته التي حرص على تعليمها لي ، أن أعيش الحياة طولاً و عرضاً ، و لا أخاف شيئاً .. و أقول للأعور (أنت أعور في عينه) ، باعتبار ذلك قمة الشجاعة ، و مات والدي قبل أن يعرف أن الشجاعة الحقيقة هي أن تقول (للحلو .. حلو في عينه) .. !
و عشت غير مصدق أن والدي يمكن أن يكون شجاعاً ، فهو رجل متعدد الانهزامات ، مهزوم أمام العمر الذي يجري دون أن تلوح في الأفق بارقة عودة للأرض و الأملاك و العز الغابر ، مهزوم أمام القرش الذي لم يعد يجري بين يديه كما كان (أيام البلاد) التي ضاعت ، مهزوم أمام زوجته العنيدة ، و أول موقف انهزامي سجلته عيناي عندما كانتا صغيرتين ، في حزيران السابع و الستين ..
في ذلك الصيف كان عمر الولد وقتذاك أقلّ من أصابع اليد الواحدة ، و مع ذلك ما زال يذكر أمه التي جمعت الأولاد و استعدت للرحيل مع الريح الشرقية إلى ضفة الأردن الأخرى .. يذكر الخوف و اللهفة و الجرح النازف ..
و يذكر أيضاً ، الوالد المشغول بالبحث عن قطعة قماش بيضاء ، قميص أبيض ، أي خرقة بيضاء ، ليرفعها في سمائه السوداء بعد أن تبين بأن الجيش الذي دخل المخيم لم يكن هو الجيش الذي انتظروه .
و يعود الولد بذاكرته ، التي تداخلت مع محكي الكبار ، إلى اليوم .. من أوله ، حين تجمّع ناس المخيم على رصيفي الشارع بين قدس الأقداس و مدينة إبراهيم الخليل ، هتافات .. و أناشيد و رقص .. عرس حقيقي ، يتحلّق الجميع في دوائر متداخلة ، الرجال يطلقون المواويل بأصواتهم الغليظة ، في كل حلقة تشمّر إحدى النساء ثوبها ، غ نه يوم مباح لنشوى المكبوت ، تثبت طرفه في خصرها ، و تنزل تلهب الأرض بقدميها ، تتعالى الهتافات ، تجحظ العيون ، و القلوب الناشفة تتخلى ، في لحظة ، عن يباسها إلى الأبد ، فالأمل الذي يرقصون له .. خرجوا من أجله ، تحقّق بجسر الهوة بين الأمل و تحقيقه :
(الجيش العراقي .. وصل .. وصل .. يا ناس ..!) .
على جانبي الشارع يعيش الناس فرحهم الأول ، و في الشارع تتقدّم ثلة من الجيش الذي ينتظرون .. هم .. و من غيرهم ؟ أبناء الرافدين الصناديد .. يرش الملح في فرح يتضاءل أمامه أي فرح .. أفراحهم كانت سراباً .. و هذا هو الماء .. الواحة في صحراء زمانهم .. تخفّف الرجال من عبء الملابس الثقيلة ، هذا وقت الدبكة و السحجة و الدحية ، وقت النساء بامتياز ، لن تحبس زغرودة في صدرٍ مكلوم .
و رغم الوجوه الحمر .. و العيون الملونة و الأنفاس الغريبة ، التي تدب على الشارع ، إلا أن قلباً لم يتوجّس ، إنهم العرب .. أولاد العراق ، الذين انتظرناهم طويلاً ، حتى خرجت من بين صفوف لابسي الكاكي ، المجنّدة ذات الشعر الأشقر و القميص المشقوق بدون أكمام ، و الشورت الذي يكشف عن المحرّم ، و رسمت لهم بيديها خازوقاً نفذ ، مرة واحدة ، إلى الأعماق ، و هي ترطن من قاموس البذاءة بكلمات كشفت عن هوية المحتلين الجدد .. !
انكفأ الجميع ، البعض سابق دقات قلبه المتسارعة ليلحق بالراحلين ، و الوالد سارع مثل كثيرين لرفع الراية البيضاء ، فهو لن يكرّر تجربة الرحيل مرتين .
الأم تلملم صغارها ، كدجاجة تحاول وضع فراخها تحت جناحيها المكسورين ، و ترفض بشدة أن تعطي غطاء رأسها الأبيض للوالد ليرفعها علامة ، هي تريد الرحيل ، و هو يحاول أن يتجرّع غصة الهزيمة و يظلّ .
و بعد نوبة مناكفة ، و لأن الوالد يعرف امرأته جيداً حين تعاند في موضوع ما ، لم يبقَ أمامه سوى أن يخلع سرواله (أبو الدكة و الترباس) ، رغم أنه لم يكن ناصع البياض ، و يرفعه على خشبة طويلة ثبتها على غرفة وكالة الغوث ، دون أن يعرف الوالد حينها أن سرواله سيكون سمة و شارة لزمن عربي ما تزال تعيشه أجيال متعاقبة .
***
و كأن الفتية و الفتيات هؤلاء يرفضون أن يعيشوا واقع الهزيمة ، فخرجوا في نفس الشارع بعد خمسة و ثلاثين عاماً لا ينتظرون أحداً ، و لا يمنون أنفسهم بأي "غودو" لا يأتي ، و إنما كانوا في انتظار عودة روح رفيقتهم التي أرسلوها إلى هناك ، و جاءهم خبر النجاح ، فخرجوا يرحبون بروحها .. !
اقتربت منهم أكثر ، لم يكن لديّ وقت كثير ، فالدبابات على المشارف ، و ستدخل في أية لحظة .. فسألت :
- من هي .. من .. هي .. ؟
* آيات ..
- … ؟
* آيا .. آيات… ابنة أبو سمير .. !
- الصقرالمقنعالصقرالمقنع
- عدد المشاركات : 7031
العمر : 39
أوسمة التميز :
تاريخ التسجيل : 14/12/2008
رد: من خان آيات الأخرس 1
الأربعاء يونيو 24, 2009 5:11 pm
اقف صامت!!!!!!!!!!
يكفي كلام ماذا بعد ؟؟؟؟
الي اين الي متي ؟؟؟؟؟
يكفي كلام ماذا بعد ؟؟؟؟
الي اين الي متي ؟؟؟؟؟
- ملك الرومانسيةصقر ذهبي
- عدد المشاركات : 1127
العمر : 31
أوسمة التميز :
تاريخ التسجيل : 20/03/2009
رد: من خان آيات الأخرس 1
الأحد أغسطس 02, 2009 12:30 pm
- لؤلؤة القلوبصقر ماسي
- عدد المشاركات : 7773
العمر : 29
أوسمة التميز :
تاريخ التسجيل : 26/05/2009
رسالتي : ليًسٌٍُ غٌَرٍوٍرٍآً أوٍٍ كُبٌٍــرٍيًآء
بٌٍٍل شٌٍُمٌٍَوٍخٍُآ بٌٍآٍلذَآتًُ َفٍأنٍآ شٌٍُآمٌٍَخٍُهُ بٌٍأخٍٍُلآًقٌٍيً وًٍقٌٍيًمٌٍَيً
ٍليًسٌٍُ َفًٍقٌٍطٌٍُ بٌٍجًُمٌٍَآٍليً وٍنٍعُوٍمٌٍَتًُيً بٌٍٍل أنٍآ هُكُذَآ وٍسٌٍُأضٍٍُِل هُكُذَآ
مٌٍَآ أجًُمٌٍٍَل أنٍ أكُوٍنٍ أنٍآ .. ٍلآ أنٍآ أكُوٍنٍ غٌَيًــرٍيً ..!
رد: من خان آيات الأخرس 1
الإثنين يونيو 14, 2010 12:19 pm
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى