ويؤثرون على انفسهم

الثلاثاء مايو 26, 2009 2:40 pm

الإيثار خلق نبيل وصفة محمودة وهو اعلي مكارم الأخلاق .
والإيثار في أبسط معانيه هو أن تقدم منافع غيرك على منافعك.
وأن تحب لأخيك كما تحب لنفسك بل وأكثر.
وأن تعطي لأخيك مثل أو أكثر مما تعطي لنفسك.
وبصيغة أجمل أن تفضل منافع الغير على منافع نفسك رغبة في رضا الله.
.
ولنعلم أحبائي أن الإيثار رأس كل سعادة وقوام كل خلق طيب، وبدونه لن نستطيع أن نسلك إلى الله سبيلا ولا نجد من الله عونا وتثبيتا، ولو دققنا النظر لوجدنا أن عدم وجود الإيثار وحده كفيل بأن يكون سببا في هدم البيوت وتشريد الأسر وضياع الأمم وعداوة الخلق لبعضهم البعض.
لذلك يجب أن نحذر من الأنانية وهي الحب الشديد للنفس ، وتفضيلها دوماً على الآخرين بصورة مبالغ فيها ، وفي سبيل الأنانية المفرطة يمكن للشخص أن يدوس بلا رحمة على كل من يقف في طريقه أو مصلحته الخاصة.

وقد قسم ابن القيم - رحمه الله تعالى - الإيثار إلى درجات :
1- أن تُؤْثِرَ الخلقَ على نفسك فيما يرضي الله ورسوله.
2- إيثارُ رضا الله على رضا غيره وإن عظُمت فيه المحن، ولو أغضب الخلْق.
3- أن تنسب إيثارك إلى الله لا إلى نفسك , فالله هو المعطي.

هذا وقد ذكرت صفة الإيثار في القرآن والسنة كثيرا قال تعالي (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)"الحشر:9"
وقال أيضا (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً )"الإنسان : 8"
ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 13
خلاصة الدرجة: "صحيح".

وما أكثر القصص والمواقف الواردة في سيرة المصطفي صلي الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم، ومنها :

الموقف الأول
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة ، فقالت نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم مُحتاجاً إليها ، فقال فلان: اكسينها ما أحسنها!
فقال: ((نعم )) فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه.
فقال له القوم : ما أحسنت ! لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ، ثم سألتهُ، وعلمت أنهُ لا يرد سائلاً، فقال : إني والله ما سألتهُ لألبسها، إنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنهُ " رواه البخاري".

الموقف الثاني
في اللحظات الأخيرة من حياة عمر بن الخطاب وهو ينزف دماً قال لابنه يا عبد الله انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل : يقرأ عليك عمر السلام - ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم أميرا - وقل: يستأذنك عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ، فذهب عبدالله فاستأذن وسلم ، ثم دخل عليها فوجدها تبكى . فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ، ويستأذنك
أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسى ، ولأوثرنه به اليوم على نفسى ، فيا له من إيثار يفوق الخيال ...أنها تؤثره بأعز ما كانت تتمناه .... فرضى الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق

الموقف الثالث
جاء رجل جائع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، وطلب منه طعامًا، فأرسل صلى الله عليه وسلم ليبحث عن طعام في بيته، فلم يجد إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يُضيِّف هذا الليلة رحمه الله)، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله.
وأخذ الضيفَ إلى بيته، ثم قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا إلا قوت صبياني، فلم يكن عندها إلا طعام قليل يكفي أولادها الصغار، فأمرها أن تشغل أولادها عن الطعام وتنومهم، وعندما يدخل الضيف تطفئ السراج(المصباح)، وتقدم كل ما عندها من طعام للضيف، ووضع الأنصاري الطعام للضيف، وجلس معه في الظلام حتى يشعره أنه يأكل معه، وأكل الضيف حتى شبع، وبات الرجل وزوجته وأولادهما جائعين.
وفي الصباح، ذهب الرجلُ وضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام للرجل: (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة)
الراوي: أبو هريرة و زيد بن خالد الجهني المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4375
خلاصة الدرجة: صحيح

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل اختفت صفة الإيثار من بيننا؟؟ اترك الاجابة لكم .
ولكني سأنقل لكم بعض الأسباب التي قد تعيننا على التحلي بصفة الإيثار والتخلي عن الأنانية المفرطة:

1- تعظيم الحقوق فإن عظمت الحقوق عند المسلم قام بحقها ورعاها حق رعايتها وعلم أنه إن لم يبلغ درجة الإيثار إن لم يؤدها كما ينبغي فيجعل إيثاره احتياطا لأدائها .
2- الرغبة في مكارم الأخلاق والتنزه عن سيئها ،إذ بحسب رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق يكون إيثاره لأن الإيثار أفضل درجات مكارم الأخلاق.
3- بغض الشح فمن أبغض الشح التزم الإيثار فإنه يرى أنه لا خلاص له من هذا المقت البغيض إلا بالإيثار .
والأسباب الثلاثة السابقة ذكرها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين.
4- الاستخفاف بالدنيا والرغبة في الآخرة فمن عظمت في عينه الآخرة هان عليه أمر الدنيا ، ورغب في نيل عظيم الأجر والثواب من الله عزوجل .
5- توطين النفس على تحمل الشدائد والصعاب ،فإن ذلك مما يعين على الإيثار ، إذ قد يترتب على الإيثار قلة ذات اليد وضيق الحال أحيانا فإذا لم يكن العبد موطنا نفسه على التحمل لم يطق أن يعطي مع حاجته .
6-استشعار أن الله هو المعطي جل في علاه وعطاءه فيض لا ينقطع ، وأن الإيثار للغير سوف يزيد من عطاء ونعم الله على الإنسان.