التوحيد أصل الأصول
الخميس يناير 15, 2009 1:37 am
التوحيد أصل الأصول
وقاعدة في الأسماء والصفات
(محاضرة مفرغة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي)
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونتعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه.
﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ` يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].
أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالةٍ في النار.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة في هذه الرِّحاب المطهَّرة، وفي مَهْبَطِ الوحي، وفي منازلِ التوحيد، فأهلاً وسهلاً بكم، وبهذه العبارات التي سمعتموها سيكونُ الحديثُ ـ إن شاء الله ـ حولَ التوحيد الذي هو أصلُ الأصول، وإذا كان للناسِ أصولٌ وأصول الأصول يدورون حولَها؛ فإنّ أصلَ الأُصولِ عند الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وعند سادةِ هذه الأمَّة من الصحابة الكرام ومن اتَّبعهم بإحسان إنَّ أصلَ الأصول عندهم هو التوحيد، فإذا كان أصلُ الأصولِ عند أقوامٍ في السِّياسة، وأقوام عندهم هي الفلسفة، وتختلفُ الغايات على حسب ما يرسمُه أهلُها؛ فلكلِّ قومٍ غاية، ولكلِّ قومٍ أصول، والأصلُ عندنا هو هذا الأصلُ الذي جاء به جميعُ الأنبياء ـ عليهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ، وعليه تدور كلُّ العبادات، فالعبادات إنمَّا هي تأكيدٌ لهذا الأصل وبَرْهنةٌ على الإيمانِ به حقَّ الإيمان.
فالتوحيدُ يتغلغلُ في كلِّ العبادات؛ بل هو أصلٌ أصيلٌ في كلِّ العبادات، فإذا جئنا إلى الصلاة نجدُها قائمةً على هذا الأصل؛ فسورة الفاتحة التي قال فيها رسولُ الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في شأنها: <لاَ صَلاَةَ لمن لم يَقرَأ بفاتحةِ الكتاب>[1]، هي أعظمُ سورةٍ في التوحيد، وهي أمُّ الكتاب، والقرآنُ كلُّه يدور عليها، ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ توحيد، ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ توحيد، ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ توحيد، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ توحيد.
﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ توحيدُ الربوبية، ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ توحيدُ الأسماءِ والصفات، ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ كذلك ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ توحيدُ العبادة.
والرسولُ r يروي عن ربه عزَّ وجلَّ في الحديثِ القُدسِي يقول فيه <إنّي قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وبينَ عَبْدِي نِصْفَيْن، فإذا قَالَ العَبْدُ: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبدِي، وإذا قاَلَ: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبدِي، وإذا قَـالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبدِي، وإذا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قَـالَ: هذه بَيْنِي وبين عَبدِي، وإذا قَالَ: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ` صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: هذه لِعبدِي ولِعبدِي ما سأل>([2]). فَـانظرُوا وأدركوا عناية اللهِ تبارك وتعالى بعبدِه، خاصَّةً في هذه السُّورة التي فرضها اللهُ في كلِّ الصَّلوات المكتوبات والنوافل؛ فلا تَصِِحُ صلاةٌ إلا بها، فهي علاقةُ وطيدة بين العبدِ وربِّه، ولكن شَريطةَ أن يكونَ مخلصًا لله ربِّ العالمين، مؤمنًا بما يقول، مُثبِتًا لأسماءِ الله وصفاتِه؛ فهو إذا قاَلَ: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ يؤمن بأنَّ اللهَ تبارك وتعالى ربُّ السَّماواتِ والأرض والجِنِّ والإنس والملائكةِ وكلِّ المخلوقات في هذا الكون، فهو ربُّها: خالقُها، وسيّدُها، ومالكُها، ومدبِّرُها، بِيَدِه الحياة، وبِيَدِهِ الموت، وبِيَدِه الجزاءُ على ما قَدَّمَ المُكَلَّفُون في هذه الحياة، وإذا قَالَ: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ أَثْبَتَ بذلك توحيدَ الأسماءِ والصِّفات التي امْتلأَ بها كتابُ اللهِ سُبحانه وتعالى، وكثيرٌ من سُنّةِ رسول الله r تدورُ على هذا التوحيد، توحيد الأسماءِ والصفات، ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ يتضمّن هذا الوصف توحيدَ الأسماءِ والصفات المعروف عند أهـلِ السُّنة والجماعة الذين تمَيَّزُوا بإثباتِ هذا التوحيد من بينِ جميعِ الفِرَقِ التي انْحَرَفَت عن منهجِ اللهِ الحقّ، انحرفت عن القرآنِ وعن السُّنة وعن ما كان عليه السَّلف الصَّالح، فعطلُوا أسماءَ اللهِ وصفاتِه وأفعالَه I وكلامَهُ الذي هو وحيُهُ إلى جميعِ رُسُلِه ـ عليهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ، وفيه العقائدُ والتشريعات.
فيثبت ـ أهلُ السنّة ـ للهِ تبارك وتعالى هذا النَّوعَ من التوحيد، من أنَّ اللهَ هو الرَّحمنُ الرَّحيم ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ` هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ` هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾.
وفي هذا الباب سورةُ الإخلاص ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ` اللَّهُ الصَّمَدُ ` لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ` وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ` ﴾ التي تعدلُ ثُلُثَ القُرآن أعطاها اللهُ ـ تبارك وتعالى ـ هذه المَنْزلةَ العظيمة فإنَّها تعدلُ ثُلُثَ القرآن، لماذا ؟ لأنَّها تَشْتَمِلُ على هذا التوحيدِ، توحيد الله بأسمائِه وصفاتِه، كذلك آيةُ الكُرسي، وكذلك كثيرٌ من آياتِ القرآنِ الكريم يختمُها اللهُ ـ تبارك وتعالى ـ بأسمائِه وصفاتِه العظيمة، وهذا تربيةٌ على توحيدِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ومعرفتِه حقَّ المعرفة بهذه الصفات العظيمة التي تُنَّوِرُ العُقُولَ، وتُضيءُ في القُلوب، ومن لم يَفهم هذا الباب ولم يُؤمِن بصفاتِ اللهِ كما أَثبتَها في كتابِه حُرِمَ من هذا الخيرِ والعياذ بالله، بل قد كَفَّرَهُ السَّلف؛ لقد كَفَّرُوا من يُعَطِّلُ أسماءَ اللهِ وصفاتِه؛ بل كَفَّرُوا من أَنكَرَ الاستواء؛ بل قَتَلُوا من أَنكرَ أنَّ اللهَ اتَّخَذ إبراهيمَ خليلاً ـ يعني أنكرَ صِفَةَ الخُلَّة والمحبَّة ـ ، وكَلَّّم موسى تكليمًا، قال أميرُ العراق خالدٌ بن عبد الله القِسْرِي لما قَتَلَ الجَعْدَ بنَ دِرهَم قال: <أيُّها النَّاس تقرَّبُوا إلى اللهِ بِضحاياكم، فإنِّي مُتَقَرِبٌ إليه بالجَعْدِ بنِ دِرهَم؛ لأنَّه أنكرَ أن يكـون اللهُ اتَّخَذَ إبراهيمَ خليلاً، وكلَّم موسى تكليمًا>[3] كان في ذلك الوقت العلماءُ والحُكَّام على عقيدةٍ واحدة ومنهجٍ واحد، والحاكمُ المسلم لا يَقِلُّ غيرةً على دينِ الله وعلى توحيـدِ الله من كبارِ العلماء، كان للتوحيدِ هذا عندهم مَنْزلةً عظيمةَ لدرجةِ أنَّ مثلَ هذا الأمير الذي هو من أقلِّ الأُمراءِ شأنًا، ولعلَّه من أضعفِهم تَدَيُّنًا ولكنَّه يؤمن بهذا التوحيد، ولهذا أبرَزَ هذه الغيرةَ على دينِ الله تبارك وتعالى وأيَّد ما ذهب إليه العلماءُ[4]، وغار للهِ عزَّ وجلَّ وأجرى هذا الحُكمَ على هذا الذي تطاول على شيءٍ من صفـاتِ الله تبارك وتعالى، وكان هذا مصيرَه وجزاءَه، وهذا يُذَكِّرُني بحادثة عند الخليفةِ هارون الرشيد ـ رحمه الله ـ الذي كان يغزو عامًا ويَحُجُّ عامًا، وكان يبكي من خشيةِ الله إذا ذُكِّرَ بالله عزَّ وجلَّ حتى يُغمى عليه أحيانًا، كان في مجلس يُحَدِّثُه فيه أبو معاوية محمد بنُ خادم الضرير، فَحَدَّثَهُ ببعضِ الأحاديث، ومن ضمنها حديث[5] (إنَّ آدَمَ وَمُوسَى تَحَاجَّا فَحَجَّ آدمُ مُوسَى) يعني في قضيةِ القدر، قال: (فَحَجَّ آدمُ مُوسَى)
وقاعدة في الأسماء والصفات
(محاضرة مفرغة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي)
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونتعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه.
﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ` يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].
أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالةٍ في النار.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة في هذه الرِّحاب المطهَّرة، وفي مَهْبَطِ الوحي، وفي منازلِ التوحيد، فأهلاً وسهلاً بكم، وبهذه العبارات التي سمعتموها سيكونُ الحديثُ ـ إن شاء الله ـ حولَ التوحيد الذي هو أصلُ الأصول، وإذا كان للناسِ أصولٌ وأصول الأصول يدورون حولَها؛ فإنّ أصلَ الأُصولِ عند الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وعند سادةِ هذه الأمَّة من الصحابة الكرام ومن اتَّبعهم بإحسان إنَّ أصلَ الأصول عندهم هو التوحيد، فإذا كان أصلُ الأصولِ عند أقوامٍ في السِّياسة، وأقوام عندهم هي الفلسفة، وتختلفُ الغايات على حسب ما يرسمُه أهلُها؛ فلكلِّ قومٍ غاية، ولكلِّ قومٍ أصول، والأصلُ عندنا هو هذا الأصلُ الذي جاء به جميعُ الأنبياء ـ عليهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ، وعليه تدور كلُّ العبادات، فالعبادات إنمَّا هي تأكيدٌ لهذا الأصل وبَرْهنةٌ على الإيمانِ به حقَّ الإيمان.
فالتوحيدُ يتغلغلُ في كلِّ العبادات؛ بل هو أصلٌ أصيلٌ في كلِّ العبادات، فإذا جئنا إلى الصلاة نجدُها قائمةً على هذا الأصل؛ فسورة الفاتحة التي قال فيها رسولُ الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في شأنها: <لاَ صَلاَةَ لمن لم يَقرَأ بفاتحةِ الكتاب>[1]، هي أعظمُ سورةٍ في التوحيد، وهي أمُّ الكتاب، والقرآنُ كلُّه يدور عليها، ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ توحيد، ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ توحيد، ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ توحيد، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ توحيد.
﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ توحيدُ الربوبية، ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ توحيدُ الأسماءِ والصفات، ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ كذلك ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ توحيدُ العبادة.
والرسولُ r يروي عن ربه عزَّ وجلَّ في الحديثِ القُدسِي يقول فيه <إنّي قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وبينَ عَبْدِي نِصْفَيْن، فإذا قَالَ العَبْدُ: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبدِي، وإذا قاَلَ: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبدِي، وإذا قَـالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبدِي، وإذا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قَـالَ: هذه بَيْنِي وبين عَبدِي، وإذا قَالَ: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ` صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: هذه لِعبدِي ولِعبدِي ما سأل>([2]). فَـانظرُوا وأدركوا عناية اللهِ تبارك وتعالى بعبدِه، خاصَّةً في هذه السُّورة التي فرضها اللهُ في كلِّ الصَّلوات المكتوبات والنوافل؛ فلا تَصِِحُ صلاةٌ إلا بها، فهي علاقةُ وطيدة بين العبدِ وربِّه، ولكن شَريطةَ أن يكونَ مخلصًا لله ربِّ العالمين، مؤمنًا بما يقول، مُثبِتًا لأسماءِ الله وصفاتِه؛ فهو إذا قاَلَ: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ يؤمن بأنَّ اللهَ تبارك وتعالى ربُّ السَّماواتِ والأرض والجِنِّ والإنس والملائكةِ وكلِّ المخلوقات في هذا الكون، فهو ربُّها: خالقُها، وسيّدُها، ومالكُها، ومدبِّرُها، بِيَدِه الحياة، وبِيَدِهِ الموت، وبِيَدِه الجزاءُ على ما قَدَّمَ المُكَلَّفُون في هذه الحياة، وإذا قَالَ: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ أَثْبَتَ بذلك توحيدَ الأسماءِ والصِّفات التي امْتلأَ بها كتابُ اللهِ سُبحانه وتعالى، وكثيرٌ من سُنّةِ رسول الله r تدورُ على هذا التوحيد، توحيد الأسماءِ والصفات، ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ يتضمّن هذا الوصف توحيدَ الأسماءِ والصفات المعروف عند أهـلِ السُّنة والجماعة الذين تمَيَّزُوا بإثباتِ هذا التوحيد من بينِ جميعِ الفِرَقِ التي انْحَرَفَت عن منهجِ اللهِ الحقّ، انحرفت عن القرآنِ وعن السُّنة وعن ما كان عليه السَّلف الصَّالح، فعطلُوا أسماءَ اللهِ وصفاتِه وأفعالَه I وكلامَهُ الذي هو وحيُهُ إلى جميعِ رُسُلِه ـ عليهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ، وفيه العقائدُ والتشريعات.
فيثبت ـ أهلُ السنّة ـ للهِ تبارك وتعالى هذا النَّوعَ من التوحيد، من أنَّ اللهَ هو الرَّحمنُ الرَّحيم ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ` هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ` هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾.
وفي هذا الباب سورةُ الإخلاص ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ` اللَّهُ الصَّمَدُ ` لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ` وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ` ﴾ التي تعدلُ ثُلُثَ القُرآن أعطاها اللهُ ـ تبارك وتعالى ـ هذه المَنْزلةَ العظيمة فإنَّها تعدلُ ثُلُثَ القرآن، لماذا ؟ لأنَّها تَشْتَمِلُ على هذا التوحيدِ، توحيد الله بأسمائِه وصفاتِه، كذلك آيةُ الكُرسي، وكذلك كثيرٌ من آياتِ القرآنِ الكريم يختمُها اللهُ ـ تبارك وتعالى ـ بأسمائِه وصفاتِه العظيمة، وهذا تربيةٌ على توحيدِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ومعرفتِه حقَّ المعرفة بهذه الصفات العظيمة التي تُنَّوِرُ العُقُولَ، وتُضيءُ في القُلوب، ومن لم يَفهم هذا الباب ولم يُؤمِن بصفاتِ اللهِ كما أَثبتَها في كتابِه حُرِمَ من هذا الخيرِ والعياذ بالله، بل قد كَفَّرَهُ السَّلف؛ لقد كَفَّرُوا من يُعَطِّلُ أسماءَ اللهِ وصفاتِه؛ بل كَفَّرُوا من أَنكَرَ الاستواء؛ بل قَتَلُوا من أَنكرَ أنَّ اللهَ اتَّخَذ إبراهيمَ خليلاً ـ يعني أنكرَ صِفَةَ الخُلَّة والمحبَّة ـ ، وكَلَّّم موسى تكليمًا، قال أميرُ العراق خالدٌ بن عبد الله القِسْرِي لما قَتَلَ الجَعْدَ بنَ دِرهَم قال: <أيُّها النَّاس تقرَّبُوا إلى اللهِ بِضحاياكم، فإنِّي مُتَقَرِبٌ إليه بالجَعْدِ بنِ دِرهَم؛ لأنَّه أنكرَ أن يكـون اللهُ اتَّخَذَ إبراهيمَ خليلاً، وكلَّم موسى تكليمًا>[3] كان في ذلك الوقت العلماءُ والحُكَّام على عقيدةٍ واحدة ومنهجٍ واحد، والحاكمُ المسلم لا يَقِلُّ غيرةً على دينِ الله وعلى توحيـدِ الله من كبارِ العلماء، كان للتوحيدِ هذا عندهم مَنْزلةً عظيمةَ لدرجةِ أنَّ مثلَ هذا الأمير الذي هو من أقلِّ الأُمراءِ شأنًا، ولعلَّه من أضعفِهم تَدَيُّنًا ولكنَّه يؤمن بهذا التوحيد، ولهذا أبرَزَ هذه الغيرةَ على دينِ الله تبارك وتعالى وأيَّد ما ذهب إليه العلماءُ[4]، وغار للهِ عزَّ وجلَّ وأجرى هذا الحُكمَ على هذا الذي تطاول على شيءٍ من صفـاتِ الله تبارك وتعالى، وكان هذا مصيرَه وجزاءَه، وهذا يُذَكِّرُني بحادثة عند الخليفةِ هارون الرشيد ـ رحمه الله ـ الذي كان يغزو عامًا ويَحُجُّ عامًا، وكان يبكي من خشيةِ الله إذا ذُكِّرَ بالله عزَّ وجلَّ حتى يُغمى عليه أحيانًا، كان في مجلس يُحَدِّثُه فيه أبو معاوية محمد بنُ خادم الضرير، فَحَدَّثَهُ ببعضِ الأحاديث، ومن ضمنها حديث[5] (إنَّ آدَمَ وَمُوسَى تَحَاجَّا فَحَجَّ آدمُ مُوسَى) يعني في قضيةِ القدر، قال: (فَحَجَّ آدمُ مُوسَى)
تابع
الخميس يناير 15, 2009 1:39 am
قال أحدُ كُبَرَاءِ قُريش، ومن كبارِ الأُسرةِ الحاكمة، من كبارِ الأُسرَةِ العبَّاسية الحاكمة التي تَحكُمُ الدنيا، ولعلَّه عمُّ الرشيد قال: فأين الْتَقَيَا ؟ فقال الخَلِيفةُ الغيورُ: " أين السَّيف والنطع لأقتُلَ هذا المُلحد "؛ لأنَّه استنكر حَدِيثَ رسُولِ الله ـ عليه الصَّلاةُ والسَّلام ـ، الآن علماء ومدارس كبيرة وجامعات تقومُ على الاستخفاف بِخبرِ الآحاد وأنَّه لا يفيدُ العِلمَ، وأنَّه من الظُنون، وأنَّها ما تقومُ به عقيدة؛ لكن كان منهجُ السَّلفُ الصَّالح علماؤُها وحكامُها وغيرُهم على احترامِ سُنّةِ رسُوِل الله r جميعًا؛ ما يقولون: هذا متواتر وهذا آحاد، ولا نقبَلُ العقيدةَ إلاّ عن طريقِ التواتر، والآحاد إنَّما تفيدُ الظنّ، لا يقولونَ مثلَ هذا الكلام الفارغ الذي اخترعه أعداءُ الله من كبارِ أهلِ البدع ومن غيرِهم. الشاهدُ أنَّ القُرُونَ المُفَضلة التي شهد لها رسُـولُ الله ـ عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ ما فُضِّلَت على الأُمَمِ كُلِّها وعلى هذه الأُمَّة إلاّ بتَمسُّكِها بكتابِ الله وبِسُنَّةِ رسُولِ الله ـ عليه الصلاة والسَّلام ـ في أبوابِ التوحيد في الدَّرجةِ الأولى، ثُمَّ في سائرِ أَبوابِ الدِّين، مؤمنين بكتابِ الله، مؤمنينَ بهذه النُصوص، مؤمنين بسُّنةِ رسُول الله ـ عَلَيْه الصَّلاَةُ وَالسَّلاًم ـ يحتجّـون بالسُنَّةِ في أيِّ مجالٍ من المجالات، السُنَّة يحترمونها ويَبْنُونَ عليها عقائدَهم، وعليها يُوالون ويُعَادُون، كما قالَ الإمامُ ابنُ عبدِ البَّر ـ رحمه الله ـ على هذه الأحاديث التي تُثبِتُ صفاتِ اللهِ تبارك وتعالى وتُثْبِتُ العقائدَ والأمورَ الغَيْبية، لا يقولون فيها: إنَّ أخبار الآحاد تُفيدُ الظنّ[6]؛ كما تقومُ عليه جامعاتٌ ومدارس، الآن مع الأسَفِ الشديد لغربةِ الإسلام ولغربةِ السُنَّة تسَلَّطَ أهلُ البدعِ والضَّلال على مناهجِ المسلمين، وعقائدِ المسلمين، ويُعْطُونَ لكلامِهم وفلسفاتِهم الضَّـالة من المَنْزلةِ ما لا يُعْطُونَه لسُنَّةِ رسُولِ الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ، وهم يتخذون أقوالَ فلاسفتِهم وغلاةِ أهلِ البدع يأخذونها قضايا مُسَلَّمَة، وأقوالاً مُصَدَّقة، لا يقولون فيها: أخبار آحاد! يَتبجّحون بقولِ فلان من أئِمَّةِ التعطيل، تحتج: قال الإمامُ الفُلاني وقال الإمامُ الفُلاني وقال الإمامُ الفُلاني.. في تعطيلِ صفاتِ اللهِ الثابتةِ بالقرآن والسُنَّةِ المتواترة، الثابتة بكتابِ اللهِ بعَشراتِ النُّصوص، بل بمئاتِ النُّصوص، قضيَّةُ الاستواء ـ استواءُ الله على عرشه ـ أكثرُ ما حَارَبَ أهلُ السُنَّة والجماعة الجَهميةَ المُعَطِّلة بإنكارِهم لِعُلُو اللهِ واستوائِه على عَرْشِه، فيأتي هؤلاء الذين يُفَرِّقُونَ بَينَ أخبارِ الآحاد والأخبار المتواترة فَيَكْشِفُ اللهُ حقيقةَ مَنهجِهم وواقعَهم
فإذا بهم يُحَرِّفُون ويُعَطِّلون من صفاتِ اللهِ وأسمائِه ما ثَبَتَ بنُصوصِ القرآنِ وبالسُّنَةِ المتواترة، لو وَقَفُوا عندَ حدِّ هذه القاعدةِ الفاسدة وأخذوا بالمُتواترات وبالنُّصوص القطعية من القرآن لَخَفَّت المُصِيبة وهَانَت، ولكن مع الأسفِ الشَّديد إنَّ هذا الكلام إنَّما يقولونَه ليَدرؤُوا في نُحُورِ أهلِ السُنَّة، ويَردُّوا أخبارَ الآحاد وغيرها، ولكنَّ اللهَ يَكشِفُ حَقِيقَتَهم عندما تأتي النُّصُوصُ القرآنية النُّصُوصُ المتواترة من السُنَّة، وإذا بهم يَكْشِفُونَ عن حَقِيقةِ ما يَعتقدُون؛ فعلى سبيل المثال أسماءُ اللهِ وصِفاتُه التي يُشيرُ إليها قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ولعلي أَذكُرُ كلامًا لابنِ الوزير ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قاله في <الروضُ الباسم في الذَّبِ عن سُنَّةِ أبي القَاسِم> تَعَرَّضَ للفِرَقِ وللخلافاتِ بينهم وأَنْكَرَ ما عندهم من الأباطيل والتحريفات والتأويلات الباطلة، ثُمَّ دَلَفَ إلى الأَشعَرِية الذين ينتَسِبُون إلى السُنَّة، فقال: <إنَّه ليأخُذَكَ العَجَبُ من هؤلاءِ الذين يَنتسِبُونَ إلى السُنَّة، يَأتُونَ إلى صِفَةِ الرَّحمة التي ثَبَتَتْ في كِتَابِ اللهِ في خَمْسِمائةِ نَصٍ مُكَرَّرَة ومُؤَكَّدَة ومَعَ ذلك يُعَطِلُونَها ويَنفُونَ عن الله هذه الصِّفَة التي ثَبَتَتْ بخَمْسِمِائَةِ نَصٍّ في القُرآن دَعْكَ النُّصُوص المُتَكَاثرة مِنَ السُنَّة التي أَثْبَتَتَ هذه الصِّفَة العظيمة التي قال اللهُ عنها: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156]، فَمِن آثارِ هذه الرَّحمة كلّ مَا ترى من الخيرِ والبِرِّ في الدُّنيا والآخرة إنما هي أثرٌ من آثارِ هذه الرَحمَةِ العظيمةِ التي اتصَفَ اللهُ بها، عَطَّلُوا هذه الصِّفات مخالفين لهذه النُّصُوص، مخالفين للمُسَلّمات عندهم فيما يَدْرُسُونَهُ من فُنُوِن اللُّغَةِ، من نَحْوِهَا، وبَلاَغَتِهَا، وغيرِها من صُنُوفِ اللُّغَةِ العربية التي قَرَّرُوها هم وقرَّرُوا قواعدَها، فمن قواعِدِهم في اللُّغَةِ وفي البلاغةِ أنَّ التَكْرَارَ يَرفعُ احْتمالَ المجاز، وأنَّ التأكيدَ يَرفعُ احْتمالَ المجاز، فعندهم إذا قُلْتَ <جَاَء زَيْدٌ> قالوا يَحْتَمِلُ أن يكون جاء بنفسِهِ، وأن يكون جاء غُلاَمُهُ، وأن يكون جاء منه رسالة، ويحتمل ويحتمل، لـكن هم يُقَرِّرُونَ في نَفْسِ الوقتِ أنَّـكَ لو قلت: <جاءَ زَيْدٌ، جاءَ زَيْدٌ> تساقطت كلُّ هذه الاحتمالات ـ احتمالات المجاز ـ، وثبتت الحقيقة!؛ فَيَتَعَيَّنُ الإيمانُ بأنَّ زيدًا قد جاءَ وثبت مجيئُه، وأنَّ مجيئَه حقيقةً لا يُمَارُونَ في هذا، لو قال هذا كافرٌ نُسَلِّم لهم بأن هذا حقيقة وانتهى كلُّ شيء، وإذا قالوا: <جاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ> تأكيد معنوي إذا قال: <جاء زيد> يحتمل احتمالات تَرِدُ كُلُّها؛ لكن إذا جاء بتأكيد معنوي فقال: <جَاءَ زَيدٌ نَفْسُه> أو <جَاءَ زَيدٌ عَيْنُه> تساقطت تلك الاحتمالات كلّها، وثبتت الحقيقةُ بسبب هذا التأكيد، فنأتي إلى القرآن الكريم وإذا به يَفتَتحُ القرآنَ بهذه الصّفة: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾، ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ` الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وتقرأ سُورةَ البقرة فتجد هذه الصفة في كثير من الآيات، ثمّ تقرأُ سُوَرَ القرآن فتجدُ في كثيرٍ من الآيات تُخْتَمُ بهذه الصِّفة كما قال هذا الإمام ـ ابنُ الوزير ـ في خمسمائة موضعٍ مُكُرَّرَة ومُؤَكَّدة فما عُذرهم؟! يعني: كلامُ الله عزَّ وجلَّ لا يفيدُ ما يفيدُه كلامُ البشر!.
رحمةُ المخلوق لا تَسَعُ نَفْسَه ورحمةُ الله وَسِعت كلَّ شيء، رحمة ُُالله تليقُ بجلاله I ؛ فَابنُ خُزيمة ـ رحمه الله ـ عندما جاء يَذْكُرُ صِفةََ اليَد لله عزَّ وجلَّ وذَكَرَ النُّصوصَ في أنَّ اللهَ يُمسكُ السَّماوات بأُصْبُع، والأرضينَ بأُصْبُع، والجبَالَ بأُصْبُع، وكذا ويُمْسكُ السَّماواتِ بيده اليُمنَى والأرضَ بيده الأُخرَى، قال هل هناك يَدٌ تُشبهُ هذه اليَد ؟! هل يوجد يدٌ تُشبهُ هذه اليد التي تمسِكُ السَّماواتِ والأرض ـ تعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيرًا ـ[7] ؟! فأنا أثُبتُ لله العلمَ، والقدرةَ، والإرادةَ، والاستواءَ، والنُزُولَ، والمجيءَ، والغَضَبَ، وكُلَّ ما أثْبَتَهُ اللهُ لنَفْسِهِ، ووَصَفَ به نَفْسَهُ، وأثنى به على نَفْسِهِ نُثْبِتُهُ على الوجهِ اللائقِ بالله تبارك وتعالى، ولا نأخُـذُ من ديننا ما نشاء وننفي منه ما نشاء، فنقع في التناقضِ؛ بعد هذا الجُحُود وبعد هذا النُّكْرَان لا مَحِيصَ لنا ولا مَخْرَجَ من التناقض.
فاللهُ له إرادة، والمخلوق له إرادة، فالواجب أن تَطرد البابَ على وتيرة واحدة وتُثْبِت كلّ الصّفات؛ فإذا آمَنْتَ بالإرادةِ والعلمِ والقدرةِ على أساسِ أنَّها لا تُشبِهُ صِفاتِ المخلوقين فتُؤمِنُ بالغضبِ والرِّضا والرحمةِ والنُّزولِ والمجيءِ والاستواء على أنَّها صفاتٌ لائقةٌ بِجلالِ اللهِ تبارك وتعالى لا يشابهُهُ فيها شيءٌ من المخلوقات، فلا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تمثيل، وإنَّما هو إيمانٌ صادق، مؤمنٌ باللهِ ـ تبارك وتعالى ـ مُقَدِّسٌ لجلالِه وعظمته، مُنَزِّهٌ له عن النَّقص وهو الخُلُوُّ من هذا الكمال الذي وَصَفَ به نَفْسَه، فخلُوُّه من الرحمة نقص، وخُلوُّه من الغضبِ نقص، وخُلوُّه من الاستواءِ على عرشِه هذا نقصٌ، يتعالى ويَتَنَزَّهُ عنه ربُّنَا جلَّ وعلاَ، فإذا قالوا : إنَّ اللهَ ما هو على العرش ، أين هُوَ ؟! جوابهم : لا فوق، لا تحت، لا يمين، لا يسار، لا داخل العالَم ولا خارجه! يجيئُكَ واحد شيوعي ينكر وجود الله تقول له: أنت تنكر الله؟ فيقول: نعم!؛ فتقول له: كيف يا هذا ؟ يقول لك: هو العدم لا فوق، لا يمين، ولا يسار، ما الفرقُ بين هذا الجَاحدِ وهذا الجاحد ؟! ـ نسأل الله العافية ـ هذه خطيرةٌ جدًّا ـ والعياذ بالله ـ هذا مُؤَدٍّ إلى إنكارِ وجودِ الله ليس إلى تعطيل الصِّفات ـ والعياذ بالله ـ لكن نحن نَعتذرُ لهم بجهلهم وضلالهم وإلاَّ فالأمرُ خطير، وقد كَفَّرَ به السَّلف لتعطيلهم للنُّصوصِ المتكاثرة، هذا ـ العُلُو ـ فيه أَلْفُ دليـل، وكذلك ما سمعتموه عن صِفَةَ الرَّحمة، وكثيرٌ من النُّصوص تُثبِتُ صفاتٍ عظيمةً تليقُ بجلالِ الله، عَطَّلها هؤلاء، إمَّا إنَّها لا تليقُ بجلالِ الله على زعمهم، وإمَّا أنَّها جاءت عن طريق أخبار الآحاد! ـ فتعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا ـ فالشاهد أنَّ هذه السُّورة من سُوَرِ القرآنِ الكريم من أعظَمِ سُوَرِ التوحيد، وفيها إثباتُ أنواعِ التوحيد: توحيد الرُّبوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية.
فإذا بهم يُحَرِّفُون ويُعَطِّلون من صفاتِ اللهِ وأسمائِه ما ثَبَتَ بنُصوصِ القرآنِ وبالسُّنَةِ المتواترة، لو وَقَفُوا عندَ حدِّ هذه القاعدةِ الفاسدة وأخذوا بالمُتواترات وبالنُّصوص القطعية من القرآن لَخَفَّت المُصِيبة وهَانَت، ولكن مع الأسفِ الشَّديد إنَّ هذا الكلام إنَّما يقولونَه ليَدرؤُوا في نُحُورِ أهلِ السُنَّة، ويَردُّوا أخبارَ الآحاد وغيرها، ولكنَّ اللهَ يَكشِفُ حَقِيقَتَهم عندما تأتي النُّصُوصُ القرآنية النُّصُوصُ المتواترة من السُنَّة، وإذا بهم يَكْشِفُونَ عن حَقِيقةِ ما يَعتقدُون؛ فعلى سبيل المثال أسماءُ اللهِ وصِفاتُه التي يُشيرُ إليها قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ولعلي أَذكُرُ كلامًا لابنِ الوزير ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قاله في <الروضُ الباسم في الذَّبِ عن سُنَّةِ أبي القَاسِم> تَعَرَّضَ للفِرَقِ وللخلافاتِ بينهم وأَنْكَرَ ما عندهم من الأباطيل والتحريفات والتأويلات الباطلة، ثُمَّ دَلَفَ إلى الأَشعَرِية الذين ينتَسِبُون إلى السُنَّة، فقال: <إنَّه ليأخُذَكَ العَجَبُ من هؤلاءِ الذين يَنتسِبُونَ إلى السُنَّة، يَأتُونَ إلى صِفَةِ الرَّحمة التي ثَبَتَتْ في كِتَابِ اللهِ في خَمْسِمائةِ نَصٍ مُكَرَّرَة ومُؤَكَّدَة ومَعَ ذلك يُعَطِلُونَها ويَنفُونَ عن الله هذه الصِّفَة التي ثَبَتَتْ بخَمْسِمِائَةِ نَصٍّ في القُرآن دَعْكَ النُّصُوص المُتَكَاثرة مِنَ السُنَّة التي أَثْبَتَتَ هذه الصِّفَة العظيمة التي قال اللهُ عنها: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156]، فَمِن آثارِ هذه الرَّحمة كلّ مَا ترى من الخيرِ والبِرِّ في الدُّنيا والآخرة إنما هي أثرٌ من آثارِ هذه الرَحمَةِ العظيمةِ التي اتصَفَ اللهُ بها، عَطَّلُوا هذه الصِّفات مخالفين لهذه النُّصُوص، مخالفين للمُسَلّمات عندهم فيما يَدْرُسُونَهُ من فُنُوِن اللُّغَةِ، من نَحْوِهَا، وبَلاَغَتِهَا، وغيرِها من صُنُوفِ اللُّغَةِ العربية التي قَرَّرُوها هم وقرَّرُوا قواعدَها، فمن قواعِدِهم في اللُّغَةِ وفي البلاغةِ أنَّ التَكْرَارَ يَرفعُ احْتمالَ المجاز، وأنَّ التأكيدَ يَرفعُ احْتمالَ المجاز، فعندهم إذا قُلْتَ <جَاَء زَيْدٌ> قالوا يَحْتَمِلُ أن يكون جاء بنفسِهِ، وأن يكون جاء غُلاَمُهُ، وأن يكون جاء منه رسالة، ويحتمل ويحتمل، لـكن هم يُقَرِّرُونَ في نَفْسِ الوقتِ أنَّـكَ لو قلت: <جاءَ زَيْدٌ، جاءَ زَيْدٌ> تساقطت كلُّ هذه الاحتمالات ـ احتمالات المجاز ـ، وثبتت الحقيقة!؛ فَيَتَعَيَّنُ الإيمانُ بأنَّ زيدًا قد جاءَ وثبت مجيئُه، وأنَّ مجيئَه حقيقةً لا يُمَارُونَ في هذا، لو قال هذا كافرٌ نُسَلِّم لهم بأن هذا حقيقة وانتهى كلُّ شيء، وإذا قالوا: <جاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ> تأكيد معنوي إذا قال: <جاء زيد> يحتمل احتمالات تَرِدُ كُلُّها؛ لكن إذا جاء بتأكيد معنوي فقال: <جَاءَ زَيدٌ نَفْسُه> أو <جَاءَ زَيدٌ عَيْنُه> تساقطت تلك الاحتمالات كلّها، وثبتت الحقيقةُ بسبب هذا التأكيد، فنأتي إلى القرآن الكريم وإذا به يَفتَتحُ القرآنَ بهذه الصّفة: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾، ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ` الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وتقرأ سُورةَ البقرة فتجد هذه الصفة في كثير من الآيات، ثمّ تقرأُ سُوَرَ القرآن فتجدُ في كثيرٍ من الآيات تُخْتَمُ بهذه الصِّفة كما قال هذا الإمام ـ ابنُ الوزير ـ في خمسمائة موضعٍ مُكُرَّرَة ومُؤَكَّدة فما عُذرهم؟! يعني: كلامُ الله عزَّ وجلَّ لا يفيدُ ما يفيدُه كلامُ البشر!.
رحمةُ المخلوق لا تَسَعُ نَفْسَه ورحمةُ الله وَسِعت كلَّ شيء، رحمة ُُالله تليقُ بجلاله I ؛ فَابنُ خُزيمة ـ رحمه الله ـ عندما جاء يَذْكُرُ صِفةََ اليَد لله عزَّ وجلَّ وذَكَرَ النُّصوصَ في أنَّ اللهَ يُمسكُ السَّماوات بأُصْبُع، والأرضينَ بأُصْبُع، والجبَالَ بأُصْبُع، وكذا ويُمْسكُ السَّماواتِ بيده اليُمنَى والأرضَ بيده الأُخرَى، قال هل هناك يَدٌ تُشبهُ هذه اليَد ؟! هل يوجد يدٌ تُشبهُ هذه اليد التي تمسِكُ السَّماواتِ والأرض ـ تعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيرًا ـ[7] ؟! فأنا أثُبتُ لله العلمَ، والقدرةَ، والإرادةَ، والاستواءَ، والنُزُولَ، والمجيءَ، والغَضَبَ، وكُلَّ ما أثْبَتَهُ اللهُ لنَفْسِهِ، ووَصَفَ به نَفْسَهُ، وأثنى به على نَفْسِهِ نُثْبِتُهُ على الوجهِ اللائقِ بالله تبارك وتعالى، ولا نأخُـذُ من ديننا ما نشاء وننفي منه ما نشاء، فنقع في التناقضِ؛ بعد هذا الجُحُود وبعد هذا النُّكْرَان لا مَحِيصَ لنا ولا مَخْرَجَ من التناقض.
فاللهُ له إرادة، والمخلوق له إرادة، فالواجب أن تَطرد البابَ على وتيرة واحدة وتُثْبِت كلّ الصّفات؛ فإذا آمَنْتَ بالإرادةِ والعلمِ والقدرةِ على أساسِ أنَّها لا تُشبِهُ صِفاتِ المخلوقين فتُؤمِنُ بالغضبِ والرِّضا والرحمةِ والنُّزولِ والمجيءِ والاستواء على أنَّها صفاتٌ لائقةٌ بِجلالِ اللهِ تبارك وتعالى لا يشابهُهُ فيها شيءٌ من المخلوقات، فلا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تمثيل، وإنَّما هو إيمانٌ صادق، مؤمنٌ باللهِ ـ تبارك وتعالى ـ مُقَدِّسٌ لجلالِه وعظمته، مُنَزِّهٌ له عن النَّقص وهو الخُلُوُّ من هذا الكمال الذي وَصَفَ به نَفْسَه، فخلُوُّه من الرحمة نقص، وخُلوُّه من الغضبِ نقص، وخُلوُّه من الاستواءِ على عرشِه هذا نقصٌ، يتعالى ويَتَنَزَّهُ عنه ربُّنَا جلَّ وعلاَ، فإذا قالوا : إنَّ اللهَ ما هو على العرش ، أين هُوَ ؟! جوابهم : لا فوق، لا تحت، لا يمين، لا يسار، لا داخل العالَم ولا خارجه! يجيئُكَ واحد شيوعي ينكر وجود الله تقول له: أنت تنكر الله؟ فيقول: نعم!؛ فتقول له: كيف يا هذا ؟ يقول لك: هو العدم لا فوق، لا يمين، ولا يسار، ما الفرقُ بين هذا الجَاحدِ وهذا الجاحد ؟! ـ نسأل الله العافية ـ هذه خطيرةٌ جدًّا ـ والعياذ بالله ـ هذا مُؤَدٍّ إلى إنكارِ وجودِ الله ليس إلى تعطيل الصِّفات ـ والعياذ بالله ـ لكن نحن نَعتذرُ لهم بجهلهم وضلالهم وإلاَّ فالأمرُ خطير، وقد كَفَّرَ به السَّلف لتعطيلهم للنُّصوصِ المتكاثرة، هذا ـ العُلُو ـ فيه أَلْفُ دليـل، وكذلك ما سمعتموه عن صِفَةَ الرَّحمة، وكثيرٌ من النُّصوص تُثبِتُ صفاتٍ عظيمةً تليقُ بجلالِ الله، عَطَّلها هؤلاء، إمَّا إنَّها لا تليقُ بجلالِ الله على زعمهم، وإمَّا أنَّها جاءت عن طريق أخبار الآحاد! ـ فتعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا ـ فالشاهد أنَّ هذه السُّورة من سُوَرِ القرآنِ الكريم من أعظَمِ سُوَرِ التوحيد، وفيها إثباتُ أنواعِ التوحيد: توحيد الرُّبوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية.
تابع
الخميس يناير 15, 2009 1:41 am
وقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ هذا فيه توحيدُ الألوهية وإخلاصُ الدِّين للهِ ـ تبارك وتعالى ـ فلا نستعينُ في أمرٍ من الأمور ـ الأمور التي لا يقدر عليها إلاّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لا يجوزُ الاستعانةُ فيها بمخلوق من المخلوقات، لا الأنبياء ولا الملائكة ولا غيرهم من مخلوقات الله عزَّ وجلَّ، <إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاْسَتعِنْ بِالله>[8]، فقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ نَخُصُّكَ بالعبادة؛ لأنَّ هذه من صيغِ القصرِ والتخصيص، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ لا نَعبُدُ إلاّ إيَّاك وحدَكَ مخلصين لك الدِّين لا نشرك أحدًا في عبادتِك لا نَتَّخذُ شريكًا معك في ذَرَّةٍ من ذَرَّاتِ العبادات التي خُلِقت الجِنُّ والإنسُ من أجلها، والتي قال اللهُ I فيها: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾؛ فَرَبُّنَا ما خَلَقَنَا إلاّ لعبادتِه، وفَرَضَ علينا هذه السُّورة التي ندينُ اللهَ ـ تبارك وتعالى ـ بها في كلِّ ركعةٍ من الرَّكعات؛ فنعترفُ بهذا الحقِّ، ونَصرَخُ بهذه الغاية التي خُلِقنَا من أَجلِها، فنقولُ لا نَعبُدُ إلاَّ إيَّاك، لا نَعبُدُ غَيرَك تحقيقًا لهذه الغاية التي خَلَقتَنَا من أَجلِها وسَخَّرتَ لنا ما في السماوات والأرض لنَقُومَ بها.
وقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لا نَسْتَعِينُ إلاَّ بك في العِبادة في أمور الدِّين، في أمورِ الدُّنيا لا نستعينُ إلاَّ بك، ولا نَلْجَأُ إلاَّ إليك، ولا نَستغيثُ في الكُروبِ إلاَّ بك، ولا نلجأُ في الشَّدائد إلاّ إليك، ﴿أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62].
فهذه لمحاتٌ عن التوحيدِ في الصَّلاة .
العبادات قائمةٌ على توحيدِ اللهِ تبارك وتعالى الذي هو دَيْدَنُنَا وغايَتُنَا، إذا كان للنَّاس شِعارات، فنحن ليس لنا إلاّ شِعار الأنبياء، وإذا كان للنَّاسِ دعواتٌ فليس لنا إلاَّ دعوةُ الأنبياء، وإذا كان للنَّاس مناهج فليس لنا إلاَّ منهجُ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ؛ والقرآنُ أكبرُ شاهد، وقد رَدَّدَ اللهُ هذه الشهادات وكرَّرها في كثيرٍ من الآيات: ﴿وَلَـقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُـولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36] كلُّ رسولٍ يقولُ لقومه هذا ويفاجئ قومَهُ بهذه الدَّعوة ـ الدعوة إلى التوحيد ونبذ الطواغيت ـ وبهذه المناسبة الطواغيت تُطلَقُ على أنواع، لكنَّها في خِطاباتِ الأنبياءِ ـ عليهم الصلاة والسَّلام ـ لا تعني إلاّ الأصنام والأوثان التي كان الأقوامُ يعبدونها من دون اللهِ، وهذا صريحٌ واضح في دعوة أبي الأنبياء وإمامِ الأنبياء إبراهيم ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلام ـ الذي قال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَـامَ ` رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: 35]، هذا إبراهيم u.
الدُّنيا مليئةٌ بالضلالات، مليئةٌ بالانحرافات والضَّلالات الاجتماعية والسِّياسية والقانونية... ولكن كان يَقُضُّ مَضجِعَه في الدَّرجةِ الأولى هذا الفسادُ في العقيدة، هذا الفسادُ الذي يُضَادُّ التوحيدَ الذي جاء به الأنبياءُ قَبلَ إبراهيم وبعد إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ومع الأسف عندما يأتي السِّياسيون في عصرنا هذا يقولون الشِّرك السَّاذج! وما يدري المساكين أنَّهم يَتنقَّصُونَ دعواتِ الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ والسَّلاَم ـ ما يدرون أنَّهم يَسخَرون من حيث لا يشعرون من دعواتِ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ؛ إذا كان هذا أمرًا ساذجًا فلماذا يبدأ به الأنبياءُ ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ، ولماذا يُفنِي نوحٌ عُمرَهُ ألفَ سنةٍ إلاّ خمسينَ عامًا في محاربة وَدٍّ، وسُوَاعٍ، ويَغُوث ويَعُوقَ، ونَسْرٍ هذه الأصنـام ؟ لا دعوة إلى سِّياسة، ولا إلى قوانين، ولا إلى اقتصاد، ولا إلى اجتماع ولا إلى شيءٍ من هذا، وإن كانت هذه من الإسلام، لكن هناك مجتمعات هي بأشدّ الحاجةِ إلى دعواتِ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ فلا نبدأ معهم إلاّ بما بَدَأَ به الأنبياء عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ وما نقول إنَّ هذا شيءٌ ساذج .
الساذج الأبله الغبيُّ هو الذي يقول هذا الكلام، الذي لا يُدرِكُ خُطورةَ الشِّرك الذي قال اللهI فيه: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، والذي قال اللهُ فيه: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31]، ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]، اللهُ بعثَ جميعَ الرُسُل وأنزل جَميعَ الكُتُب لمحاربةِ هذا الشِّرك، وتأتي الآن وتقولُ هذا شِركٌ ساذج! شرك ساذج هذا ؟! تقولُ مِثْلَ هذا الكلام؟ الله يقول عظيم وخطير، وأنت تقول ساذج! ومع الأسف ناسٌ يُطَبِّلُون لهذا الكلام السَّخيف الساذج أهلُه البُلَهاء الأغبياء.
الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ أَكمَلُ النَّاسِ عُقولاً وأرسَلَهم ربُّ العالمين I وأمرهم بالبدء بهذا بمحاربةِ عبادةِ الأوثان، والرسُّول r لما جاءه عمرُو بنُ عبسة ـ أخو أبي ذر لأمِّه ـ قال: من أنت ؟ قـال: نبي، قال: ما معنى نبي ؟ قال: أرسلني اللهُ ـ الحديث في صحيح مسلم[9] ـ بماذا أرسلك ؟ قال: (أَرْسَلَنِي بِأَنْ يُعبَدَ اللهُ وَحْدَه، وَأَنْ تُخلَعَ الأَوْثَان) ، وَإِذَا كَان يومُ القيامة < يأتي ربُّنا ويقـول: تَتْبَعُ كلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعبُد، فيَذهبُ أهلُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِم>، ما يذهبون مع الزعماء، والرؤساء الذين يعتبرون الشِّركَ بهم هو الشِّرك الحضاري والشِّرك العظيم، ما يقول اذْهَب مَعَ فُلان، أو مع فُلان، < تَتْبَعُ كلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعبُد >، فمن كان يَعبُدُ الأوثان يَذهَبُ مع الأوثان، ويَذهبُ اليهـودُ والنَّصارى مع العُزَيْر وعيسى، < يَقُولُ لِلْيَهُود: مَنْ تَعْبُدُون ؟ ـ أستغفر الله العظيم ـ قَالُوا: نَعبُدُ العُزَيْر ابْنَ الله، قَالَ: كَذبتُم، فَيُأمَرُ بهم إلى النَّار فيَذهبُونَ إلى النَّار يَحطِمُ بَعْضُها بَعْضًا ، فَيَقُولُونَ: اِسْقِنَا رَبَّنا، فَيَجِدُونَ النَّارَ وهي يَحطِمُ بعضُها بعضًا، ويأتي النَّصَارَى فَيَقُولُ: مَنْ كُنتُمْ تَعْبُدُون ؟ قالوا: نَعبُدُ عِيسَى ابنَ الله. فَيُقَال لَهُمْ: كَذبتُم... > الحديث([10])
المهمّ أن هذا الشِّرك في ميزانِ اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ شركُ عبادةِ الأوثان، وعبادةُ الأشخاص بالعبادةِ التي يَجبُ أن تكون لله، من دعاءٍ، واستغاثةٍ، وذَبحٍ، ونذرٍ، وتوكلٍ، هذا هو الشِّركُ الأكبر، والشِّركُ العظيم والذي يَجبُ أن يُحَارَب، وأنا قلت في كتاب <منهج الأنبياء>: ـ كلامًا حاصله ـ أنَّ هذه الحضارة الآن التي انْبَهَرَ بها هؤلاء الدُّعاة، قياداتُها من حُكَّام، ومن مُهندسين، ومُفَكِّرين، ومن سياسيِّين، ومن أطباء إلى يومِنا هذا يَعبُدُون الأوثان، إلى الآن يَعبُدُونَ الأوثان، فرُؤُوسُ النَّصارى، ومهندسُوهم، وأطبَّاؤُهم ومُفكرُوهم، وأدباؤُهم يعبدون الصَّليب، ويَعبدُون صُوَرَ عيسى ومريم، وأطبَّاء الهند والمهندسـون، والحُكَّام، واليابان، والصِّين، وغيرُهم يَعبدون أوثـانًا.
هذا هو أَشَدُّ البلاء الذي نُكِبَت به الإنسانية، وفي تأريخها إلى أن تأتي السَّاعة فتطوي هذه الحياة. يأتي زمانٌ على النَّاس يكونون فيه أَسْوَأَ من هذه الحال كما أَخبرَ الرَسُّول ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ فيعودون إلى عبادةِ الأوثان، عبادةُ الأوثان أشدُّ الكفر، وأعظمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به، وأَرسلَ الرُسلَ كَلَّهَم لتَطهيرِ الأرض منهم، والقضاءِ عليه، ثُمَّ يأتي الشيطان هذا العَدُو الأَلَد؛ الشَّيطان ما يبدأُ بإفسَادِ النَّاس إلا في هذا الباب، يأتيهم من بَابِ المحَبَّة للأنبياءِ وللصَّالحين فيَجُرُّهم إلى عبادةِ صُوَرِهِم وتماثيلهم المُسَمَّاة بالأصنام والأوثان.
أقـول هذا الكلام يا إخوة!؛ لأنَّ هناك دعواتٌ سياسية لها مرامٍ سياسية، وغاية سياسية، استهانت بكلِّ شيء، وجَعَلت الدِّينَ مطيةً لها إلى تحقيقِ أهدافِها، فَجعلُوا ما يُسَمُّونه بالشِّركِ السِّياسي أفضَلَ من دَعوةِ الأنبياء، والشُغل بغيرِه سَذاجة؛ لأنَّه شُغلٌ تافه، أمورٌ ساذجة؛ ولهذا تراهم لا يَتعَرَّضُون لِعُبَّادِ القُبور إلاَّ مُجاملةً، أو خوفًا من السَّلفيين، وإلاَّ فهم لا يَعبؤُونَ بدعوة الأنبياء، فَسَوَادُهُم الأعظم الذين يَجمعُونَهم ويَحشِدُونَهم للوُصُولِ إلى هذه الغاية من عُبَّاد القُبُور وهي الأوثان لا فرقَ بين عِبادةِ القُبُور وعبادةِ الأوثان، ماذا يستفيد هذا المسكين الذي تَجمعُه معك باسمِ الإسلام وأنَّـك مُسلم، وتهمل الغايةَ التي خُلِقتَ من أجلِها؟ لأن همّك تسنّم الكَرَاسي، تَبذُل أكثرَ ما عندك منَ الجُهود لتصِلَ إلى سدَّةِ الحُكْم، وهذا الصِّنفُ من النَّاس بدايةُ دعوتِه فاسدةٌ منحرفة لماذا ؟ لأنَّه خالفَ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسَّلام ـ في منهجِهم، خالَفَهم في دعوتِهم، خالَفَهم فَقَفَزَ قَفزَةً هائلةً إلى آخِرِ مراحلِ الدِّين، فإنَّ الأنبياءَ ـ عليهم الصلاة والسَّلام ـ لا يَحكُمُونَ بين النَّاسِ إلاَّ بعد أن تَصْلُحَ القُلوب، وتؤمن بما جاؤوا به من الوحي، وتُسِلِّمَ بما جاؤوا به من العقائد، فإذا دانُـوا اللهَ بما جاء به الأنبياءُ في هذه الأصول سَهُلَ انقيادهم في أبوابِ التشريعات، من الحلال والحرام والحدود، وما شاكلَ ذلك، وإن التَوَوْا واستكبروا وعاندوا في بابِ التوحيد، فعدم انقيـادهم للتشريع أولى وأولى .
وإنَّا لنَجدُ في أتبـاعِ هؤلاء السِياسيين من يلتوي على دعوةِ اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ ويُحَارِبُ التوحيد آخذًا في هذا المضمار ما أَخَذَهُ أعداءُ الرُسل ـ عليهم الصلاة والسَّلام ـ.
وقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لا نَسْتَعِينُ إلاَّ بك في العِبادة في أمور الدِّين، في أمورِ الدُّنيا لا نستعينُ إلاَّ بك، ولا نَلْجَأُ إلاَّ إليك، ولا نَستغيثُ في الكُروبِ إلاَّ بك، ولا نلجأُ في الشَّدائد إلاّ إليك، ﴿أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62].
فهذه لمحاتٌ عن التوحيدِ في الصَّلاة .
العبادات قائمةٌ على توحيدِ اللهِ تبارك وتعالى الذي هو دَيْدَنُنَا وغايَتُنَا، إذا كان للنَّاس شِعارات، فنحن ليس لنا إلاّ شِعار الأنبياء، وإذا كان للنَّاسِ دعواتٌ فليس لنا إلاَّ دعوةُ الأنبياء، وإذا كان للنَّاس مناهج فليس لنا إلاَّ منهجُ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ؛ والقرآنُ أكبرُ شاهد، وقد رَدَّدَ اللهُ هذه الشهادات وكرَّرها في كثيرٍ من الآيات: ﴿وَلَـقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُـولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36] كلُّ رسولٍ يقولُ لقومه هذا ويفاجئ قومَهُ بهذه الدَّعوة ـ الدعوة إلى التوحيد ونبذ الطواغيت ـ وبهذه المناسبة الطواغيت تُطلَقُ على أنواع، لكنَّها في خِطاباتِ الأنبياءِ ـ عليهم الصلاة والسَّلام ـ لا تعني إلاّ الأصنام والأوثان التي كان الأقوامُ يعبدونها من دون اللهِ، وهذا صريحٌ واضح في دعوة أبي الأنبياء وإمامِ الأنبياء إبراهيم ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلام ـ الذي قال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَـامَ ` رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: 35]، هذا إبراهيم u.
الدُّنيا مليئةٌ بالضلالات، مليئةٌ بالانحرافات والضَّلالات الاجتماعية والسِّياسية والقانونية... ولكن كان يَقُضُّ مَضجِعَه في الدَّرجةِ الأولى هذا الفسادُ في العقيدة، هذا الفسادُ الذي يُضَادُّ التوحيدَ الذي جاء به الأنبياءُ قَبلَ إبراهيم وبعد إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ومع الأسف عندما يأتي السِّياسيون في عصرنا هذا يقولون الشِّرك السَّاذج! وما يدري المساكين أنَّهم يَتنقَّصُونَ دعواتِ الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ والسَّلاَم ـ ما يدرون أنَّهم يَسخَرون من حيث لا يشعرون من دعواتِ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ؛ إذا كان هذا أمرًا ساذجًا فلماذا يبدأ به الأنبياءُ ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ، ولماذا يُفنِي نوحٌ عُمرَهُ ألفَ سنةٍ إلاّ خمسينَ عامًا في محاربة وَدٍّ، وسُوَاعٍ، ويَغُوث ويَعُوقَ، ونَسْرٍ هذه الأصنـام ؟ لا دعوة إلى سِّياسة، ولا إلى قوانين، ولا إلى اقتصاد، ولا إلى اجتماع ولا إلى شيءٍ من هذا، وإن كانت هذه من الإسلام، لكن هناك مجتمعات هي بأشدّ الحاجةِ إلى دعواتِ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ فلا نبدأ معهم إلاّ بما بَدَأَ به الأنبياء عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ وما نقول إنَّ هذا شيءٌ ساذج .
الساذج الأبله الغبيُّ هو الذي يقول هذا الكلام، الذي لا يُدرِكُ خُطورةَ الشِّرك الذي قال اللهI فيه: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، والذي قال اللهُ فيه: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31]، ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]، اللهُ بعثَ جميعَ الرُسُل وأنزل جَميعَ الكُتُب لمحاربةِ هذا الشِّرك، وتأتي الآن وتقولُ هذا شِركٌ ساذج! شرك ساذج هذا ؟! تقولُ مِثْلَ هذا الكلام؟ الله يقول عظيم وخطير، وأنت تقول ساذج! ومع الأسف ناسٌ يُطَبِّلُون لهذا الكلام السَّخيف الساذج أهلُه البُلَهاء الأغبياء.
الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ أَكمَلُ النَّاسِ عُقولاً وأرسَلَهم ربُّ العالمين I وأمرهم بالبدء بهذا بمحاربةِ عبادةِ الأوثان، والرسُّول r لما جاءه عمرُو بنُ عبسة ـ أخو أبي ذر لأمِّه ـ قال: من أنت ؟ قـال: نبي، قال: ما معنى نبي ؟ قال: أرسلني اللهُ ـ الحديث في صحيح مسلم[9] ـ بماذا أرسلك ؟ قال: (أَرْسَلَنِي بِأَنْ يُعبَدَ اللهُ وَحْدَه، وَأَنْ تُخلَعَ الأَوْثَان) ، وَإِذَا كَان يومُ القيامة < يأتي ربُّنا ويقـول: تَتْبَعُ كلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعبُد، فيَذهبُ أهلُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِم>، ما يذهبون مع الزعماء، والرؤساء الذين يعتبرون الشِّركَ بهم هو الشِّرك الحضاري والشِّرك العظيم، ما يقول اذْهَب مَعَ فُلان، أو مع فُلان، < تَتْبَعُ كلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعبُد >، فمن كان يَعبُدُ الأوثان يَذهَبُ مع الأوثان، ويَذهبُ اليهـودُ والنَّصارى مع العُزَيْر وعيسى، < يَقُولُ لِلْيَهُود: مَنْ تَعْبُدُون ؟ ـ أستغفر الله العظيم ـ قَالُوا: نَعبُدُ العُزَيْر ابْنَ الله، قَالَ: كَذبتُم، فَيُأمَرُ بهم إلى النَّار فيَذهبُونَ إلى النَّار يَحطِمُ بَعْضُها بَعْضًا ، فَيَقُولُونَ: اِسْقِنَا رَبَّنا، فَيَجِدُونَ النَّارَ وهي يَحطِمُ بعضُها بعضًا، ويأتي النَّصَارَى فَيَقُولُ: مَنْ كُنتُمْ تَعْبُدُون ؟ قالوا: نَعبُدُ عِيسَى ابنَ الله. فَيُقَال لَهُمْ: كَذبتُم... > الحديث([10])
المهمّ أن هذا الشِّرك في ميزانِ اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ شركُ عبادةِ الأوثان، وعبادةُ الأشخاص بالعبادةِ التي يَجبُ أن تكون لله، من دعاءٍ، واستغاثةٍ، وذَبحٍ، ونذرٍ، وتوكلٍ، هذا هو الشِّركُ الأكبر، والشِّركُ العظيم والذي يَجبُ أن يُحَارَب، وأنا قلت في كتاب <منهج الأنبياء>: ـ كلامًا حاصله ـ أنَّ هذه الحضارة الآن التي انْبَهَرَ بها هؤلاء الدُّعاة، قياداتُها من حُكَّام، ومن مُهندسين، ومُفَكِّرين، ومن سياسيِّين، ومن أطباء إلى يومِنا هذا يَعبُدُون الأوثان، إلى الآن يَعبُدُونَ الأوثان، فرُؤُوسُ النَّصارى، ومهندسُوهم، وأطبَّاؤُهم ومُفكرُوهم، وأدباؤُهم يعبدون الصَّليب، ويَعبدُون صُوَرَ عيسى ومريم، وأطبَّاء الهند والمهندسـون، والحُكَّام، واليابان، والصِّين، وغيرُهم يَعبدون أوثـانًا.
هذا هو أَشَدُّ البلاء الذي نُكِبَت به الإنسانية، وفي تأريخها إلى أن تأتي السَّاعة فتطوي هذه الحياة. يأتي زمانٌ على النَّاس يكونون فيه أَسْوَأَ من هذه الحال كما أَخبرَ الرَسُّول ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ فيعودون إلى عبادةِ الأوثان، عبادةُ الأوثان أشدُّ الكفر، وأعظمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به، وأَرسلَ الرُسلَ كَلَّهَم لتَطهيرِ الأرض منهم، والقضاءِ عليه، ثُمَّ يأتي الشيطان هذا العَدُو الأَلَد؛ الشَّيطان ما يبدأُ بإفسَادِ النَّاس إلا في هذا الباب، يأتيهم من بَابِ المحَبَّة للأنبياءِ وللصَّالحين فيَجُرُّهم إلى عبادةِ صُوَرِهِم وتماثيلهم المُسَمَّاة بالأصنام والأوثان.
أقـول هذا الكلام يا إخوة!؛ لأنَّ هناك دعواتٌ سياسية لها مرامٍ سياسية، وغاية سياسية، استهانت بكلِّ شيء، وجَعَلت الدِّينَ مطيةً لها إلى تحقيقِ أهدافِها، فَجعلُوا ما يُسَمُّونه بالشِّركِ السِّياسي أفضَلَ من دَعوةِ الأنبياء، والشُغل بغيرِه سَذاجة؛ لأنَّه شُغلٌ تافه، أمورٌ ساذجة؛ ولهذا تراهم لا يَتعَرَّضُون لِعُبَّادِ القُبور إلاَّ مُجاملةً، أو خوفًا من السَّلفيين، وإلاَّ فهم لا يَعبؤُونَ بدعوة الأنبياء، فَسَوَادُهُم الأعظم الذين يَجمعُونَهم ويَحشِدُونَهم للوُصُولِ إلى هذه الغاية من عُبَّاد القُبُور وهي الأوثان لا فرقَ بين عِبادةِ القُبُور وعبادةِ الأوثان، ماذا يستفيد هذا المسكين الذي تَجمعُه معك باسمِ الإسلام وأنَّـك مُسلم، وتهمل الغايةَ التي خُلِقتَ من أجلِها؟ لأن همّك تسنّم الكَرَاسي، تَبذُل أكثرَ ما عندك منَ الجُهود لتصِلَ إلى سدَّةِ الحُكْم، وهذا الصِّنفُ من النَّاس بدايةُ دعوتِه فاسدةٌ منحرفة لماذا ؟ لأنَّه خالفَ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسَّلام ـ في منهجِهم، خالَفَهم في دعوتِهم، خالَفَهم فَقَفَزَ قَفزَةً هائلةً إلى آخِرِ مراحلِ الدِّين، فإنَّ الأنبياءَ ـ عليهم الصلاة والسَّلام ـ لا يَحكُمُونَ بين النَّاسِ إلاَّ بعد أن تَصْلُحَ القُلوب، وتؤمن بما جاؤوا به من الوحي، وتُسِلِّمَ بما جاؤوا به من العقائد، فإذا دانُـوا اللهَ بما جاء به الأنبياءُ في هذه الأصول سَهُلَ انقيادهم في أبوابِ التشريعات، من الحلال والحرام والحدود، وما شاكلَ ذلك، وإن التَوَوْا واستكبروا وعاندوا في بابِ التوحيد، فعدم انقيـادهم للتشريع أولى وأولى .
وإنَّا لنَجدُ في أتبـاعِ هؤلاء السِياسيين من يلتوي على دعوةِ اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ ويُحَارِبُ التوحيد آخذًا في هذا المضمار ما أَخَذَهُ أعداءُ الرُسل ـ عليهم الصلاة والسَّلام ـ.
تابع
الخميس يناير 15, 2009 1:42 am
فعلى الدُّعاةِ إلى الله إن كانوا صادقين يريدون للمسلمين العِزَّة والسِّيادة فليبدؤوا بتصحيحِ العقائدِ التي استشرى فيها الفساد، ووصل كثير من المسلمين فيها إلى مُنحَدَرٍ سحيق، فتوحيدُ الأسماء والصِّفات قد عطَّلوه، وتوحيدُ العبادة قد ضيَّعُوه، ولهذا ضيَّعوا معنى لا إله إلاّ الله؛ فلا إله إلاّ لله معناها عندهم: لا خالقَ، لا رازقَ إلاّ الله ! ومن هنا أتاهم الضَّلال، من هنا ضلُّوا وتاهوا وتاهوا وتاهوا..! تقول له: أنت تخالف لا إله إلاّ الله؟ يقول: أنا ما أخالفك؛ أنا أقول: لا إله إلاّ الله، ما معنى لا إله إلاّ الله ؟ لا خالقَ لا رازق! فإذا اعتقدَ أنَّ معنى لا إله إلاّ الله: لا خالقَ ولا رازق إلا الله فقد حقق التوحيد في نظره !!
قال: أنا آمَنتُ، أنا مُوحِّد، أدْعُو غيرَ الله، أذبَحُ لغيرِ الله، أنْذُرُ لغيرِ الله، أستغيثُ بغيرِ الله.. لا أخَالِفُ لا إله إلاّ الله، ولا أقعُ في الشِّرك ! بل هو في حمأةِ الشِّرك؛ لأنَّ لا إله إلاّ الله معناها لا معبودَ بحقٍّ إلاّ الله، أما توحيدُ الرُّبوبية فله آياتُه الكثيرة الموجودةُ في القرآنِ الكريم، ولكن نُفَسِّرُ توحيدَ الرُّبوبية بالآيات التي نَزلَت فيه تُبَيِّنُه وتُوَضِّحُه، ولا نَذهَب إلى لا إلهَ إلاّ الله فنُفْسِدُ معناها بهذا التفسير، تقول له: أنت تؤمن بتوحيدِ الرُّبوبية! نعم حتى الكُفَّار يؤمنون بتوحيدِ الرُّبوبية، قريشٌ قبلك يؤمنون بتوحيدِ الرُّبوبية: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [لقمان: 25]، لكن لما قالَ لهم مُحَمَّدٌ ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَم ـ قولوا: لا إله إلاّ الله. قالوا ـ كما أخبر الله I عنهم ـ : ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5]، بخلاف الرُّبوبية؛ فقد قال الله I: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾، ما قالوا: واللهِ نحن ما نقول هذا الكلام، أقرُّوا بهذا وهم يُقِرُّونَ بهذا ولا يُكَابِرُون فيه، بل حتى يَعبُدون اللهَ إلى حدٍّ بعيد لكن جَعَلُوا مع اللهِ شُركاءَ في الألوهية، فيدعون غيرَ الله، ويذبحون لغيرِ الله، ويستغيثون بغيرِ الله، يفعلون هذه الأشياء لأصنامِهم، ويعتقدون أنَّها تُقَرِّبهم إلى الله زلفى، لا يقـولون: إنَّها هي التي خَلَقَت، وهي التي رَزَقَت.. ولا يعتقدون فيهم أنَّهم أرباب، ولا يعتقـدون فيهم أنَّهم يضرون وينفعون بأنفسِهم ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [لقمان: 25] ما يكابرون، لكن إذا قيل لهم لا إله إلاّ اللهُ يستكبرون.
أنا أحب أن يَفْقَهَ الشَّبَابُ هذه القضية، ويعرفوا الفَرْقَ فيما ذكرناه ومن واقعِ المشركين؛ فهم لا يكابرون في الرُّبوبية إنَّما كابروا واستكبروا في توحيدِ الألوهية ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: 35]، فهنا يأتي الصِّراع، ويـأتي الخلاف، ويأتي القتال، وتأتي المشاكل بين الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ وبين أُمَمِهم أمَّا أن تجاهدهم في توحيد الرُّبوبية لقالوا: نحن معكم، لو جاء وقال: آمنوا بأنّ اللهَ خلقَ السَّماء، وخلق الأرض وخلقكم... يقولون لا خِلاَفَ بيننا وبينكم، لكن ما كان الخِلافُ إلاّ في هذا، لكن مع الأسَف كما قلنا إنَّ من انحرفوا عن منهجِ الرُسل واستهانوا بدعوتِهم، وطَرحوا في السَّاحة لشبابِ الأُمَّة منهجًا مخالفًا لمنهجِ الرُسُلِ الكرام ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ.
على كلِّ حال! القضية هامَّة جدًّا، ويجب أن يكون هو الحديثُ السَّائد في اللقاءات، حتى يكون شبابُ الأمَّة على بصيرةٍ من دعوةِ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ فيحملونها بكلِّ ما يستطيعون إلى المسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها؛ فإنَّهم والله ما ضَلُّوا أكثر ما ضَلُّوا إلاَّ في هذا الباب، وإنَّهم لو أصلح الدُّعاة عقائدَ هؤلاء القوم في أبوابِ التوحيد لقامت الحكومات الإسلامية التي يَنشدُونها، ولما وجدتَّ صراعًا على هذه الكراسي، ما تَجدُ إلاَّ قُلوبًا مُتَّحِدة على توحيدِ اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ، ولكن أخطأوا الطريق، واستعجلوا هذه الغاية فعاقبهم اللهُ بنقيضِ قصدِهم وطالت عليهم الطريق .. ونحن وإن طالت الطريق فلن نخسر شيئاً ؛ الذي يموت منَّا يموتُ عارفًا بربِّه عابدًا لربِّه مخلصًا له الدِّين I فنرجو له أن يلقى اللهَ راضيًا عنه .
وأمَّا أتباعُ أولئك فإنَّهم على غايةٍ خطيرة، فإنَّ كثيرًا منهم سيلقون اللهَ بالشِّركِ في توحيد العبادة، وفي توحيدِ الأسماءِ والصفات، بل في توحيد الرُّبوبية .
وفي هذه الأُمَّة خرافيّون؛ روافض وصوفية، عندهم حلول وعندهم وحدة الوجود، وعندهم اعتقاد في الأولياء أنَّهم يعلمون الغيب، ويتصرَّفون في الكون، الشِّرك حتى في الرُّبوبية، كيف يتهاون بهذا الفساد العظيم في أصول الأصول دين الأنبياء جميعًا ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ؟! كيف يتهاون بهذا ويذهب للصراع على الكراسي ؟! والذي يصل منَّا إلى كرسي يتشبث به ويديرُ ظهرَه للإسلام! وهذا موجود وأنتم تعرفون هذا، الشَّاهد أنَّ الأُمَّة بأَمَسِّ الحاجة إلى إصلاحِ عقائدَها إصلاحًا جذريًا، ولا يجوزُ البدء بشيءٍ قبل هذا، الإصلاح الاجتماعي والإصلاح الاقتصادي والإصلاح السِّياسي كلُّها تأتي بعد هذا الباب؛ كما هي طريقةُ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ ونسأل الله أن يُبَّصِرنا جميعًا بديننا، وأن يوفِّقَنا للاعتصامِ بكتابه، وسنَُّة نبيِّه r وأن يوفقنا لسلوكِ منهجِ الأنبياءِ ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ الذي أَمَرَنَا اللهُ به، وأَمَرَ رَسُولَه r بالاقتداءِ بهم ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90].
نسألُ اللهَ أن يجعلنا وإيَّاكم من المُتأسِّينَ بهم المقتدين بهم المتبعين لمنهجهم، إنّ ربنا لسميع الدُّعاء.
وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه.
***
( 1) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت (خ/756) كتاب الآذان و(م/ 394/872) كتاب الصَّلاة.
([2]) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة t برقم ( 394/872) كتاب الصَّلاة . باب وجوب قراءة الفاتحة في كلِّ ركعة وأنّه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها
[3] انظر هذه القصة في ( البداية والنهاية ) لابن كثير (10/26)
[4] قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ ـقسري يوم ذبائح القربان
إذ قال إبراهيمُ ليس خليلَــه كلاَّ ولا موسى الكـليمَ الدان
شكر الضَّحية كل صاحب سنة لله درُّك من أخـي قربـان
[5] متفق عليه من حديث أبي هريرة y (خ/6614) ك/ القدر .باب تحاج آدم وموسى عند الله (م/2652/6684 ) ك / القدر .باب حجاج آدم وموسى عليهما السَّلام.
[6] قال في مقدمة كتاب (التمهيد/ ص11) : ( وكلُّهم ـ أهل الفقه والأثر ـ يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة)
[7] انظر كتابه في التوحيد (ص 161-164) بتحقيق أبي مالك أحمد بن علي الريَّاشي الرادعي
[8] قطعة من حديث أخرجه الترمذي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ برقم (2516) كتاب القيامة عن رسول الله r. وقال: حديث حسن صحيح
[9] برقم (832/1927) كتاب صلاة المسافرين وقصرها .باب إسلام عمرو بن عبسة
([10]) متفق عليه من حديث أبي سعيد y (خ/4581) ك/ التفسير.باب قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ( (م/182/450) كتاب الإيمان . باب معرفة طريق الرؤيا
قال: أنا آمَنتُ، أنا مُوحِّد، أدْعُو غيرَ الله، أذبَحُ لغيرِ الله، أنْذُرُ لغيرِ الله، أستغيثُ بغيرِ الله.. لا أخَالِفُ لا إله إلاّ الله، ولا أقعُ في الشِّرك ! بل هو في حمأةِ الشِّرك؛ لأنَّ لا إله إلاّ الله معناها لا معبودَ بحقٍّ إلاّ الله، أما توحيدُ الرُّبوبية فله آياتُه الكثيرة الموجودةُ في القرآنِ الكريم، ولكن نُفَسِّرُ توحيدَ الرُّبوبية بالآيات التي نَزلَت فيه تُبَيِّنُه وتُوَضِّحُه، ولا نَذهَب إلى لا إلهَ إلاّ الله فنُفْسِدُ معناها بهذا التفسير، تقول له: أنت تؤمن بتوحيدِ الرُّبوبية! نعم حتى الكُفَّار يؤمنون بتوحيدِ الرُّبوبية، قريشٌ قبلك يؤمنون بتوحيدِ الرُّبوبية: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [لقمان: 25]، لكن لما قالَ لهم مُحَمَّدٌ ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَم ـ قولوا: لا إله إلاّ الله. قالوا ـ كما أخبر الله I عنهم ـ : ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5]، بخلاف الرُّبوبية؛ فقد قال الله I: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾، ما قالوا: واللهِ نحن ما نقول هذا الكلام، أقرُّوا بهذا وهم يُقِرُّونَ بهذا ولا يُكَابِرُون فيه، بل حتى يَعبُدون اللهَ إلى حدٍّ بعيد لكن جَعَلُوا مع اللهِ شُركاءَ في الألوهية، فيدعون غيرَ الله، ويذبحون لغيرِ الله، ويستغيثون بغيرِ الله، يفعلون هذه الأشياء لأصنامِهم، ويعتقدون أنَّها تُقَرِّبهم إلى الله زلفى، لا يقـولون: إنَّها هي التي خَلَقَت، وهي التي رَزَقَت.. ولا يعتقدون فيهم أنَّهم أرباب، ولا يعتقـدون فيهم أنَّهم يضرون وينفعون بأنفسِهم ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [لقمان: 25] ما يكابرون، لكن إذا قيل لهم لا إله إلاّ اللهُ يستكبرون.
أنا أحب أن يَفْقَهَ الشَّبَابُ هذه القضية، ويعرفوا الفَرْقَ فيما ذكرناه ومن واقعِ المشركين؛ فهم لا يكابرون في الرُّبوبية إنَّما كابروا واستكبروا في توحيدِ الألوهية ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: 35]، فهنا يأتي الصِّراع، ويـأتي الخلاف، ويأتي القتال، وتأتي المشاكل بين الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ وبين أُمَمِهم أمَّا أن تجاهدهم في توحيد الرُّبوبية لقالوا: نحن معكم، لو جاء وقال: آمنوا بأنّ اللهَ خلقَ السَّماء، وخلق الأرض وخلقكم... يقولون لا خِلاَفَ بيننا وبينكم، لكن ما كان الخِلافُ إلاّ في هذا، لكن مع الأسَف كما قلنا إنَّ من انحرفوا عن منهجِ الرُسل واستهانوا بدعوتِهم، وطَرحوا في السَّاحة لشبابِ الأُمَّة منهجًا مخالفًا لمنهجِ الرُسُلِ الكرام ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ.
على كلِّ حال! القضية هامَّة جدًّا، ويجب أن يكون هو الحديثُ السَّائد في اللقاءات، حتى يكون شبابُ الأمَّة على بصيرةٍ من دعوةِ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ فيحملونها بكلِّ ما يستطيعون إلى المسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها؛ فإنَّهم والله ما ضَلُّوا أكثر ما ضَلُّوا إلاَّ في هذا الباب، وإنَّهم لو أصلح الدُّعاة عقائدَ هؤلاء القوم في أبوابِ التوحيد لقامت الحكومات الإسلامية التي يَنشدُونها، ولما وجدتَّ صراعًا على هذه الكراسي، ما تَجدُ إلاَّ قُلوبًا مُتَّحِدة على توحيدِ اللهِ ـ تبارك وتعالى ـ، ولكن أخطأوا الطريق، واستعجلوا هذه الغاية فعاقبهم اللهُ بنقيضِ قصدِهم وطالت عليهم الطريق .. ونحن وإن طالت الطريق فلن نخسر شيئاً ؛ الذي يموت منَّا يموتُ عارفًا بربِّه عابدًا لربِّه مخلصًا له الدِّين I فنرجو له أن يلقى اللهَ راضيًا عنه .
وأمَّا أتباعُ أولئك فإنَّهم على غايةٍ خطيرة، فإنَّ كثيرًا منهم سيلقون اللهَ بالشِّركِ في توحيد العبادة، وفي توحيدِ الأسماءِ والصفات، بل في توحيد الرُّبوبية .
وفي هذه الأُمَّة خرافيّون؛ روافض وصوفية، عندهم حلول وعندهم وحدة الوجود، وعندهم اعتقاد في الأولياء أنَّهم يعلمون الغيب، ويتصرَّفون في الكون، الشِّرك حتى في الرُّبوبية، كيف يتهاون بهذا الفساد العظيم في أصول الأصول دين الأنبياء جميعًا ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ؟! كيف يتهاون بهذا ويذهب للصراع على الكراسي ؟! والذي يصل منَّا إلى كرسي يتشبث به ويديرُ ظهرَه للإسلام! وهذا موجود وأنتم تعرفون هذا، الشَّاهد أنَّ الأُمَّة بأَمَسِّ الحاجة إلى إصلاحِ عقائدَها إصلاحًا جذريًا، ولا يجوزُ البدء بشيءٍ قبل هذا، الإصلاح الاجتماعي والإصلاح الاقتصادي والإصلاح السِّياسي كلُّها تأتي بعد هذا الباب؛ كما هي طريقةُ الأنبياء ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ ونسأل الله أن يُبَّصِرنا جميعًا بديننا، وأن يوفِّقَنا للاعتصامِ بكتابه، وسنَُّة نبيِّه r وأن يوفقنا لسلوكِ منهجِ الأنبياءِ ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ الذي أَمَرَنَا اللهُ به، وأَمَرَ رَسُولَه r بالاقتداءِ بهم ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90].
نسألُ اللهَ أن يجعلنا وإيَّاكم من المُتأسِّينَ بهم المقتدين بهم المتبعين لمنهجهم، إنّ ربنا لسميع الدُّعاء.
وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه.
***
( 1) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت (خ/756) كتاب الآذان و(م/ 394/872) كتاب الصَّلاة.
([2]) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة t برقم ( 394/872) كتاب الصَّلاة . باب وجوب قراءة الفاتحة في كلِّ ركعة وأنّه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها
[3] انظر هذه القصة في ( البداية والنهاية ) لابن كثير (10/26)
[4] قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ ـقسري يوم ذبائح القربان
إذ قال إبراهيمُ ليس خليلَــه كلاَّ ولا موسى الكـليمَ الدان
شكر الضَّحية كل صاحب سنة لله درُّك من أخـي قربـان
[5] متفق عليه من حديث أبي هريرة y (خ/6614) ك/ القدر .باب تحاج آدم وموسى عند الله (م/2652/6684 ) ك / القدر .باب حجاج آدم وموسى عليهما السَّلام.
[6] قال في مقدمة كتاب (التمهيد/ ص11) : ( وكلُّهم ـ أهل الفقه والأثر ـ يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة)
[7] انظر كتابه في التوحيد (ص 161-164) بتحقيق أبي مالك أحمد بن علي الريَّاشي الرادعي
[8] قطعة من حديث أخرجه الترمذي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ برقم (2516) كتاب القيامة عن رسول الله r. وقال: حديث حسن صحيح
[9] برقم (832/1927) كتاب صلاة المسافرين وقصرها .باب إسلام عمرو بن عبسة
([10]) متفق عليه من حديث أبي سعيد y (خ/4581) ك/ التفسير.باب قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ( (م/182/450) كتاب الإيمان . باب معرفة طريق الرؤيا
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى