نص خطاب الرئيس الفلسطيني أمام مجلس أوروبا
الجمعة أكتوبر 07, 2011 5:52 am
نص خطاب الرئيس الفلسطيني أمام مجلس أوروبا
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي السيد مولود شاويش أوغلو المحترم
رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا
السيدات والسادة أعضاء الجمعية المحترمين
يُشرفني أن أكون بينكم اليوم، في هذا الصرح المهيب، لأخاطبكم كممثلين منتخبين لأمم أوروبا، والضمير الحي لشعوبها الصديقة، بما يجسده من قيمِ الحريةِ والعدل والكرامة الإنسانية.
جئتكم من فلسطين أرض السلام، حيث تعايشت الرسالات السماوية الثلاث، أحمل إليكم رسالة سلام ومحبة، من شعبها الذي تمتد جذوره في أعماق أرضها منذ آلاف السنين، يتشبث بها وطناً، ويواصل، رغم الآلام والمعاناة، مسيرته الملحمية نحو هدفه الأسمى في الحرية والاستقلال.
السيد الرئيس
السيدات والسادة،
منذ أسبوعين، تقدمت، بصفتي رئيساً لدولة فلسطين، ورئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، لقبول انضمام دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في المنظمة الدولية، وأوضحت في خطابي أمام الجمعية العامة الأسباب التي دعت إلى مثل هذه الخطوة.
لقد مر عقدان من الزمن منذ مؤتمر مدريد للسلام، وثمانية عشر عاماً منذ التوقيع على اتفاق 'أوسلو' في واشنطن، الذي كان ينبغي بموجبه أن يتم التوصل في مدى أقصاه الخامس من أيار 1999، إلى اتفاق سلام نهائي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، تعيش إلى جانب دولة إسرائيل بأمن وسلام.
ومنذ ذلك التاريخ وشعبنا الفلسطيني ينتظر بفارغ الصبر تنفيذ ذلك الاستحقاق، وللأسف دون جدوى، فإلى متى؟.
ومع ذلك، لم نترك فرصة إلا واغتنمناها للتوصل إلى حل عبر المفاوضات، قبلنا دون تحفظ خطة خارطة الطريق، رغم ما لنا عليها من ملاحظات، ولكننا اصطدمنا بتهرب الحكومة الإسرائيلية من التفاوض على أساسها.
ثم قبلنا دعوة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى مفاوضات أنابوليس، وقد حققت تلك المفاوضات تقدماً بفعل اعتراف الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة السيد اولمرت بمرجعية حدود عام 67 وبمبدأ التساوي بالقيمة والمثل أي تبادل للأراضي، ولكن تغيير الحكومة الإسرائيلية سرعان ما أدى إلى وقف العملية التفاوضية مجدداً.
وعندما انتخب الرئيس الأميركي باراك اوباما أبدينا من جديد تعاوناً غير محدود مع إدارته، ووافقنا على جميع المقترحات التي طرحتها لاستئناف المفاوضات، وآخرها جولة المفاوضات المباشرة التي انطلقت في واشنطن في أيلول 2010 على أن تتوصل إلى اتفاق سلام في مدى زمني لا يتجاوز العام الواحد.
دخلنا تلك المفاوضات بقلوب مفتوحة، ونوايا صادقة، ولكننا اصطدمنا بتهرب حكومة السيد نتنياهو من التفاوض الجدي على قضايا الوضع الدائم، حيث استغلت بدء المفاوضات لكي تكثف، بوتيرة غير مسبوقة، نشاطها الاستيطاني في القدس وسائر الضفة الغربية المحتلة.
لقد رفضت هذه الحكومة استئناف المفاوضات من حيث انتهت مع حكومة السيد اولمرت السابقة، وأصرت على العودة بها إلى نقطة الصفر، ورفضت اعتماد مرجعية للمفاوضات تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وحين جلس ممثلوها إلى طاولة المفاوضات، رفضت أن تبحث في قضايا الحدود أو أي من قضايا الوضع الدائم.
وبشأن الأمن، كنا قد توافقنا مع الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية السابقتين، وبعض الأطراف العربية على ترتيبات فعالة لحفظ الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين عبر طرف ثالث يتفق عليه(NATO)، ولكن السيد نتنياهو، رفض كل ذلك، وأصر على مفهوم أمني غير مقبول يقوم على أساس التوسع والاستيطان، بضم القدس والكتل الاستيطانية والأراضي الواقعة غرب جدار الفصل العنصري، بالإضافة إلى غور الأردن (أي ما يزيد على 40% من مساحة الضفة الغربية المحتلة)، وكذلك الاحتفاظ بقواعد عسكرية في عمق الضفة الغربية، ونحن نتساءل هنا: إذا تمت الاستجابة لهذه المطالب، فأين ستكون الدولة الفلسطينية؟
إن السلام والاستيطان نقيضان لا يلتقيان، وبناء المستوطنات في أراض محتلة، وإسكان المستوطنين فيها من قبل قوة الاحتلال، هو انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، ومخالفة صريحة لاتفاقيات جنيف، إضافة إلى الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل.
إن تأكيدنا على ضرورة وقف الاستيطان باعتباره أحد المتطلبات الضرورية لاستئناف عملية السلام ليس شرطاً مسبقاً، بل هو التزام تفرضه خطة خارطة الطريق، ولا يمكن لعملية السلام أن تستقيم إذا قامت على احترام الفلسطينيين فقط لالتزاماتهم، بينما تتنكر إسرائيل لجميع التزاماتها.
لقد وصل التوسع الاستيطاني حداً بات يشكل تهديداً خطيراً يقوض الأساس المادي لحل الدولتين، فمنذ توقيع اتفاق أوسلو تضاعف عدد المستوطنين بنسبة 300%، ولا يكاد يمر يوم دون أن تعلن إسرائيل عن خطط أو عطاءات لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة.
ومما يزيد الأمور تعقيدا أن حكومة نتنياهو تصر على وضع شروط تعجيزية جديدة ليس لها أساسٌ في مرجعيات السلام وقرارات الشرعية الدولية، فرغم أننا اعترفنا بدولة إسرائيل، إلا أن مطالبتنا بالاعتراف بها كدولة 'يهودية' هو شرط مسبق لا يمكن قبوله، لأنه يهدد بتحويل الصراع المحتدم في منطقتنا الملتهبة إلى صراع ديني مدمر، ويعرض للخطر مستقبل مليون وربع المليون فلسطيني من مواطني دولة إسرائيل، ويشطب سلفاً حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ويشكل غطاء لنزعات توسعية تقضي على فرص حل الدولتين.
نحن التزمنا بالشرعية الدولية، فاعترفنا بدولة إسرائيل وفق صيغة تم التفاوض عليها، ودونت في رسائل متبادلة بين الزعيمين الراحلين ياسر عرفات ويتسحاق رابين عام 1993، وبات هذا الملف بالنسبة لنا مغلقاً، وأية محاولة لفتحه هي اختلاق لذرائع جديدة بهدف عرقلة عملية السلام.
وفي المقابل، من حقنا أن نتساءل: لماذا ترفض إسرائيل الاعتراف بدولتنا؛ دولة فلسطين، إذا كانت جادة في قبول حل الدولتين؟
نحن أكدنا قبولنا بالشرعية الدولية، عندما أقر مجلسنا الوطني الفلسطيني عام 1988، اعتماد برنامج السلام الفلسطيني الذي يتبنى حل الدولتين: دولة فلسطين المستقلة عاصمتها القدس الشرقية على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حزيران 67، أي فوق 22% فقط من أراضي فلسطين التاريخية، تعيش جنباً إلى جنب بأمن وسلام مع دولة إسرائيل.
لقد كانت تلك الخطوة الصعبة والمؤلمة تهدف الى تحقيق التسوية التاريخية التي تسمح بإحلال السلام بين الشعبين.
وقد بات هذا البرنامج ركيزة استندت إليها مبادرة السلام العربية التي تبنتها الجامعة العربية وسائر الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وهي المبادرة التي تعبر عن استعداد هذه الدول لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار سلام شامل ودائم يضمن انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة إلى حدود الرابع من حزيران 67، وقيام دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار الأممي 194، وتوفير الأمن والسلام لجميع دول المنطقة وشعوبها.
لقد دعونا وما نزال ندعو الإسرائيليين إلى اغتنام هذه الفرصة التي توفر لهم ضماناً للعيش بسلام مع شعوب المنطقة، والتي فيها يكمن الأمن الحقيقي لهم ولأطفالهم، كما لنا ولأطفالنا، فالسلام هو الذي يصنع الأمن، لا القوة العسكرية ولا الهيمنة والتوسع الجغرافي، ولا يمكن الحفاظ على السلام بالقوة، وإنما بالتفاهم .
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
في القدس الشرقية، يتعرض السكان الفلسطينيون إلى سياسة تطهير عرقي منهجية، تشمل هدم المنازل وتشريد السكان وسحب الهويات، بما في ذلك من نواب الشعب المنتخبين، بهدف طردهم من مدينتهم، ويتم تقييد حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، ومواصلة الحفريات التي تهدد أساساتها، فضلاً عن خنق المدينة وعزلها عن محيطها الفلسطيني بحزام من المستوطنات والجدران.
وتواصل قوات الاحتلال اجتياحاتها لمناطق السلطة الفلسطينية، وتشن حملات الدهم والاعتقال، وتطلق العنان لميليشيات المستوطنين المسلحين الذين يحظون بحماية جيش الاحتلال للاعتداء على المواطنين الفلسطينيين العزل، واستهداف بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم وحقولهم وأشجارهم.
ويتواصل الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة، والذي يشكل عقوبة جماعية بحق السكان الأبرياء، كما يستمر استهداف القطاع بالغارات الجوية والقصف المدفعي والاغتيالات، استكمالاً لما جرته الحرب العدوانية ضده قبل ثلاث سنوات من تدمير هائل وخسارة فادحة في الأرواح والممتلكات.
وتحتجز سلطات الاحتلال في سجونها ما يزيد على ستة آلاف أسير فلسطيني بينهم 21 نائباً منتخباً من مختلف الكتل البرلمانية أعلنوا قبل أيام اضرابهم عن الطعام احتجاجاً على ظروف احتجازهم القاسية والمذلة .. نحن نريد أن نراهم أحراراً بين أهلهم، كما تريد عائلة جلعاد شاليط أن ترى ابنها حراً بين أفراد أسرته.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
رغم العقبات الإسرائيلية، عملت السلطة الوطنية الفلسطينية خلال الأعوام الأخيرة على تنفيذ برنامج مكثف، يهدف إلى نشر وتعزيز ثقافة السلام والعدل والديمقراطية والارتقاء بجاهزية المؤسسات الفلسطينية وإعدادها لاستحقاق الاستقلال، ووفقاً لتقرير لجنة الاتصال للدول المانحة (AHLC)، واستناداً إلى تقييمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبعثة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي فقد حقق هذا البرنامج نجاحاً تاماً في الارتقاء بأداء المؤسسات الفلسطينية إلى مستوى أعلى من الضروري لإدارة دولة ناجحة.
ويؤكد التقرير أن فلسطين حققت في هذا المجال إنجازات تفوق تلك التي حققتها العديد من الدول التي تتمتع بعضوية كاملة في الأمم المتحدة ونحن محرومون من هذه العضوية.
استناداً إلى هذه الإنجازات، وإزاء تفاقم معاناة شعبنا الرازح تحت الاحتلال، وفي ضوء انسداد أفق المفاوضات، لم نجد سبيلاً سوى التوجه إلى المجتمع الدولي لندعوه إلى التدخل لفتح آفاق جديدة أمام عملية السلام، وذلك من خلال الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67، وقبول انضمامها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة.
وأكدنا أننا بهذا الطلب لا نهدف إلى عزل إسرائيل أو نزع الشرعية عنها، بل نسعى إلى اكتساب الشرعية لوجودنا كشعب له حق في تقرير المصير كغيره من الشعوب.
إن هدفنا هو نزع الشرعية عن الاحتلال والاستيطان وسياسات الابارتهايد، كما أكدنا أن خطوتنا هذه ليست بديلاً للمفاوضات، بل تشكل عاملاً إيجابياً لتهيئة شروط عملية تفاوضية جادة قادرة على إحراز نتائج مثمرة، وها نحن نعيد التأكيد اليوم على استعدادنا للعودة إلى طاولة المفاوضات وفق مرجعية واضحة تتوافق والشرعية الدولية، وعلى أساس الوقف الكامل للاستيطان.
من هنا كان موقفنا الايجابي من بيان الرباعية الأخير، الذي أعاد تحديد مرجعيات عملية السلام، وبخاصة مبدأ الدولتين على حدود عام 67، وجدد التأكيد على التزامات الطرفين بموجب خطة خارطة الطريق، وبخاصة وقف الاستيطان. إن امتثال إسرائيل لهذه المتطلبات يفتح الطريق لاستئناف عملية السلام.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
اليوم لدينا 128 دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67، ونحن نعتز أن من بينها 17 من الدول الأعضاء في مجلس أوروبا، وتقيم فلسطين علاقات دبلوماسية متطورة مع 24 دولة أخرى من الدول الأعضاء في مجلس أوروبا، ولقد أكدت العديد من هذه الدول، وبخاصة تلك المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي، أنها على استعداد للاعتراف بدولة فلسطين في الوقت المناسب، حسناً، نحن نقول لكم بصدق: الآن هو الوقت المناسب، ونحن نثمن القرار الذي اتخذه البرلمان الأوروبي مؤخراً بهذا الشأن وندعو إلى تنفيذه.
كما أننا نقدر عالياً وباعتزاز القرار الذي اتخذته جمعيتكم الموقرة يوم الثلاثاء الماضي بدعوة دول مجلس أوروبا الست الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى دعم طلب دولة فلسطين للانضمام إلى الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية.
لقد استثمرت أوروبا الكثير من الجهد والمال في دعم بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وقدمت لشعبنا مساعدات جمة سيبقى يذكرها بكل امتنان وعرفان بالجميل، وإن الاعتراف بدولة فلسطين ودعم مسعاها للعضوية في الأمم المتحدة هو حماية للانجازات التي تحققت بفضل ذلك الجهد وذلك الاستثمار، وهو أيضاً تعزيز لمكانة أوروبا ولدورها الريادي في دفع عملية السلام.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
نحن اليوم نعيش عصر الربيع العربي، ونشهد شجاعة الشعوب العربية وهي تعبر عن إرادتها في الظفر بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لقد كنا نحن الفلسطينيين دوماً في قلب حركة الشعوب العربية الطامحة إلى الحرية، وتشبثنا على الدوام بتقاليد الديمقراطية واحترام التعددية وحرية الرأي والتعبير، ولطالما كان هذا مصدر اعتزاز لنا، ومصدر إلهام لأخوتنا من سائر الشعوب العربية، ونحن اليوم في قلب الربيع العربي، نعلن أن ساعة الربيع الفلسطيني قد دقت.
وإذا كان جوهر الربيع العربي هو إرادة الشعوب في انتزاع حريتها، فإن جوهر الربيع الفلسطيني هو الخلاص من الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال، وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
إن بشائر ربيعنا هذا قد تجلت بأروع صورها حين نزل مئات الألوف إلى شوارع مدن وقرى فلسطين ومخيمات الشتات يعبرون بصوت واحد عن إرادتهم في أن تكون فلسطين الدولة رقم 194 في الأمم المتحدة، ولقد حافظت هذه الحركة على طابعها السلمي والحضاري، رغم محاولات الاستفزاز الإسرائيلية، ونحن هنا نؤكد تصميمنا على الحفاظ على سلمية تحركنا الشعبي؛ لأننا نرفض العنف وننبذ الإرهاب بأشكاله كافة، وبخاصة إرهاب الدولة، وإرهاب المستوطنين المسلحين، سنخيب آمالهم بدفعنا نحو التطرف، ولن نذهب للتطرف.
إن شعبنا سيواصل مقاومته الشعبية السلمية ضد الاحتلال والاستيطان وجدار الفصل العنصري، مقدماً بذلك نموذجاً ملهماً لقوة الشعب الأعزل في مواجهة الرصاص وقنابل الغاز والجرافات.
إن العالم الذي احتفى بالربيع العربي يقف اليوم أمام اختبار لمصداقيته: فهل سيتوقف هذا الاحتفاء عند حدود فلسطين؟ أم انه سينجح في تجاوز ازدواجية المعايير، ويفتح ذراعيه لاحتضان الربيع الفلسطيني؟ هل سيسمح لإسرائيل أن تبقى دولة فوق القانون وفوق المساءلة والمحاسبة؟ هل سيسمح لها بأن تواصل رفض قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية وانتهاك القانون الدولي؟ إن شعبنا ينتظر أن يسمع الجواب، وبعض هذا الجواب عندكم سيداتي وسادتي الممثلين المنتخبين لشعوب أوروبا، وشعبنا يناشدكم أن تنهضوا بمسؤولياتكم.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
في خضم هذا النضال الدؤوب من أجل الاستقلال، سوف نواصل بذل كل جهد ممكن من أجل تطوير بناء مجتمعنا، وتوطيد مؤسساتنا الديمقراطية، وترتيب بيتنا الداخلي، أما الانجازات التي تحققت على هذا الصعيد فسوف نسعى لحمايتها والبناء عليها.
نحن نعتز بشكل خاص أننا نجحنا في السنوات الأخيرة في محو الأمية بشكل شبه كامل في فلسطين، إن شعبنا الذي ساهم في بناء العديد من دول العالم، شعب يقدس العلم والثقافة والإبداع، وقد حققنا خطوات ثمينة في توسيع البنية التحتية للتعليم بمستوياته كافة في بلادنا، بحيث بات لدينا الآن (49) جامعة ومعهداً تستوعب ما يوازي 5% من مجموع السكان، وسوف نواصل هذا العمل لتوفير فرص التعليم لجميع أبنائنا.
وبفضل الدعم المشكور الذي تلقيناه من الدول العربية والصديقة، وبخاصة دول أوروبا، أنجزنا العديد من مشاريع البنية التحتية، مع إيلاء اهتمام خاص لتطوير الخدمات الصحية والنهوض بالمناطق الريفية والمهمشة، وقد عملنا وسنواصل العمل على تعزيز سلطة القضاء وسيادة القانون والحفاظ على أمن المواطن وكرامته.
وقد حققنا خطوات هامة على طريق تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وفي مؤسسات صنع القرار، التنفيذية منها والتشريعية والقضائية، ومؤسسات الحكم المحلي، وبهذا الاتجاه وقعنا على اتفاقية إنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، سعياً لتحقيق المساواة التامة بينها وبين الرجل.
ولقد طورنا نظاماً للمراقبة والمساءلة والإصلاح الإداري والمالي، بهدف تكريس الشفافية والنزاهة والحكم الرشيد، ساعين إلى التماثل مع أرقى المعايير الدولية في هذا المجال.
لقد اخترنا، في بناء سلطتنا الوطنية، وفي إرساء دعائم دولتنا المستقبلية، النظام الديمقراطي البرلماني القائم على احترام التعددية والمساواة بين المواطنين، نساء ورجالاً، وسيادة القانون، وصون الحريات وحقوق الإنسان، ورغم الصعوبات والتدخلات الخارجية والقيود الاحتلالية التي زرعت العقبات والألغام في طريق مسيرتنا الديمقراطية، فقد صممنا على مواصلة التشبث بالخيار الديمقراطي وصون حرية التنظيم والعمل الحزبي والنقابي، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، وحماية حرية الرأي والتعبير والنشر والصحافة والاجتماع وصون الحريات الفردية والعامة.
السيد الرئيس
السيدات والسادة
إن نجاحنا في توقيع اتفاق المصالحة الوطنية في القاهرة في الرابع من أيار الماضي شكل خطوة كبرى نحو إنهاء الانقسام الذي مزق وحدة مؤسساتنا الوطنية، وألحق أفدحَ الأضرار بقضيتنا؛ وجوهر هذا الاتفاق هو تشكيل حكومةٍ انتقاليةٍ من شخصيات وطنية مستقلة تحضر لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية في مدى أقصاه أيار 2012.
إن اتفاق المصالحة، هو انجاز إيجابي يصب في صالح عملية السلام وليس العكس، فضلاً عن كونه ضرورةً لا غنى عنها لصون الديمقراطية الفلسطينية وتعزيزها.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
ما يجمع بيننا، نحن الفلسطينيين، وبين أوروبا يتجاوز روابط الجوار الجغرافي بين ضفتي المتوسط، ويذهب أبعد من مجرد علاقات التبادل التجاري والتزاوج الإنساني، وما أنتجته من تفاعل حضاري يمتد إلى آلاف السنين.
ما يجمع بيننا هو قبل هذا وذاك القيم المشتركة التي تشبثت بها شعوبنا، قيم الحرية والإخاء والمساواة والعدالة بين البشر، التي حملت رايتها شعوب أوروبا منذ قرون، والتي تناضل من أجلها اليوم شعوب الأمة العربية، وفي مقدمتها شعبنا الفلسطيني.
إننا ننظر بإعجاب إلى ما أنجزته أوروبا على صعيد إرساء قواعد الديمقراطية التعددية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ونتطلع إلى الاستفادة من خبرتكم في هذا المجال، بهدف تطوير ديمقراطيتنا الناشئة، التي نفخر بها ونعتز، كما ونتطلع بإعجاب إلى هذه المدينة العريقة ستراسبورغ التي كانت محل نزاع بين دول أوروبا وأصبحت اليوم مركزاً للمؤسسات الأوروبية الموحدة ولدعم السلام.
ولا يسعني، في هذا السياق سيدي الرئيس، سوى أن أعبر عن اعتزازي باتفاقية الشراكة التي وقعها اول أمس معكم أخي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون، والتي بموجبها منح المجلس الوطني، برلمان الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، مكانة الشريك من أجل الديمقراطية في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وإننا فخورون بشكل خاص أن تكون فلسطين، بعد المغرب الشقيق، من أوائل الدول العربية التي تتمتع بهذه المكانة، الأمر الذي سيكون له أطيب الأثر في تعزيز أواصر الصداقة والتعاون المشترك بين شعوبنا، وفي تشجيع مسار التحول الديمقراطي في منطقتنا العربية.
وأود أن أعبر لكم عن امتنان الشعب الفلسطيني للدعم السخي الذي يتلقاه من دول أوروبا لمساعدته على بناء اقتصاده ومؤسساته، ونحن نأمل أن يتعزز هذا الدور بمزيد من التعاظم للدور السياسي الذي تلعبه أوروبا في دفع مسيرة السلام في منطقتنا.
سيادة الرئيس
السيدات والسادة،
لقد أعلن قرار الأمم المتحدة رقم 181 عن إقامة دولتين، دولة وجدت هي إسرائيل، وأخرى لم تر النور بعد هي فلسطين، ونحن جئنا نطلب النور لدولتنا، وهذا حقنا المشروع الذي كفله القانون الدولي لنا ليس هذا بديلاً عن المفاوضات، فلا غنى عن المفاوضات للتوصل إلى حل حول الحدود والأمن واللاجئين والمياه والمستوطنات والقدس وإطلاق سراح الأسرى، وكذلك إنهاء الصراع وفق ما حددته مبادرة السلام العربية، لكي تعيش إسرائيل في محيط من السلام يشمل جميع العرب والمسلمين.
نريد أن نعيش كغيرنا من الشعوب بحرية وكرامة ولا نهدف إلى عزل احد بل نريد أن نحمي الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي من الاحتلال والاستيطان الذي يدمر مستقبل الشعبين، وعليهم أن يختاروا بين الاستيطان والسلام، نحن اخترنا السلام.
لقد أيدتم ودعمتم الربيع العربي الذي طالب بالديمقراطية والحرية، وها هو الربيع الفلسطيني قد جاء ليطالب بالحرية وإنهاء الاحتلال، إننا نستحق دعمكم، نثق بكم، وبأنكم لن تتخلوا عنا، ولن تتركونا وحدنا.
نعتمد عليكم
وشكراً لكم.
في خطاب آخر بأوروبا الرئيس الفلسطيني يوبّخ نتنياهو ويؤنب ضمير العالم
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي السيد مولود شاويش أوغلو المحترم
رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا
السيدات والسادة أعضاء الجمعية المحترمين
يُشرفني أن أكون بينكم اليوم، في هذا الصرح المهيب، لأخاطبكم كممثلين منتخبين لأمم أوروبا، والضمير الحي لشعوبها الصديقة، بما يجسده من قيمِ الحريةِ والعدل والكرامة الإنسانية.
جئتكم من فلسطين أرض السلام، حيث تعايشت الرسالات السماوية الثلاث، أحمل إليكم رسالة سلام ومحبة، من شعبها الذي تمتد جذوره في أعماق أرضها منذ آلاف السنين، يتشبث بها وطناً، ويواصل، رغم الآلام والمعاناة، مسيرته الملحمية نحو هدفه الأسمى في الحرية والاستقلال.
السيد الرئيس
السيدات والسادة،
منذ أسبوعين، تقدمت، بصفتي رئيساً لدولة فلسطين، ورئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، لقبول انضمام دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في المنظمة الدولية، وأوضحت في خطابي أمام الجمعية العامة الأسباب التي دعت إلى مثل هذه الخطوة.
لقد مر عقدان من الزمن منذ مؤتمر مدريد للسلام، وثمانية عشر عاماً منذ التوقيع على اتفاق 'أوسلو' في واشنطن، الذي كان ينبغي بموجبه أن يتم التوصل في مدى أقصاه الخامس من أيار 1999، إلى اتفاق سلام نهائي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، تعيش إلى جانب دولة إسرائيل بأمن وسلام.
ومنذ ذلك التاريخ وشعبنا الفلسطيني ينتظر بفارغ الصبر تنفيذ ذلك الاستحقاق، وللأسف دون جدوى، فإلى متى؟.
ومع ذلك، لم نترك فرصة إلا واغتنمناها للتوصل إلى حل عبر المفاوضات، قبلنا دون تحفظ خطة خارطة الطريق، رغم ما لنا عليها من ملاحظات، ولكننا اصطدمنا بتهرب الحكومة الإسرائيلية من التفاوض على أساسها.
ثم قبلنا دعوة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى مفاوضات أنابوليس، وقد حققت تلك المفاوضات تقدماً بفعل اعتراف الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة السيد اولمرت بمرجعية حدود عام 67 وبمبدأ التساوي بالقيمة والمثل أي تبادل للأراضي، ولكن تغيير الحكومة الإسرائيلية سرعان ما أدى إلى وقف العملية التفاوضية مجدداً.
وعندما انتخب الرئيس الأميركي باراك اوباما أبدينا من جديد تعاوناً غير محدود مع إدارته، ووافقنا على جميع المقترحات التي طرحتها لاستئناف المفاوضات، وآخرها جولة المفاوضات المباشرة التي انطلقت في واشنطن في أيلول 2010 على أن تتوصل إلى اتفاق سلام في مدى زمني لا يتجاوز العام الواحد.
دخلنا تلك المفاوضات بقلوب مفتوحة، ونوايا صادقة، ولكننا اصطدمنا بتهرب حكومة السيد نتنياهو من التفاوض الجدي على قضايا الوضع الدائم، حيث استغلت بدء المفاوضات لكي تكثف، بوتيرة غير مسبوقة، نشاطها الاستيطاني في القدس وسائر الضفة الغربية المحتلة.
لقد رفضت هذه الحكومة استئناف المفاوضات من حيث انتهت مع حكومة السيد اولمرت السابقة، وأصرت على العودة بها إلى نقطة الصفر، ورفضت اعتماد مرجعية للمفاوضات تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وحين جلس ممثلوها إلى طاولة المفاوضات، رفضت أن تبحث في قضايا الحدود أو أي من قضايا الوضع الدائم.
وبشأن الأمن، كنا قد توافقنا مع الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية السابقتين، وبعض الأطراف العربية على ترتيبات فعالة لحفظ الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين عبر طرف ثالث يتفق عليه(NATO)، ولكن السيد نتنياهو، رفض كل ذلك، وأصر على مفهوم أمني غير مقبول يقوم على أساس التوسع والاستيطان، بضم القدس والكتل الاستيطانية والأراضي الواقعة غرب جدار الفصل العنصري، بالإضافة إلى غور الأردن (أي ما يزيد على 40% من مساحة الضفة الغربية المحتلة)، وكذلك الاحتفاظ بقواعد عسكرية في عمق الضفة الغربية، ونحن نتساءل هنا: إذا تمت الاستجابة لهذه المطالب، فأين ستكون الدولة الفلسطينية؟
إن السلام والاستيطان نقيضان لا يلتقيان، وبناء المستوطنات في أراض محتلة، وإسكان المستوطنين فيها من قبل قوة الاحتلال، هو انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، ومخالفة صريحة لاتفاقيات جنيف، إضافة إلى الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل.
إن تأكيدنا على ضرورة وقف الاستيطان باعتباره أحد المتطلبات الضرورية لاستئناف عملية السلام ليس شرطاً مسبقاً، بل هو التزام تفرضه خطة خارطة الطريق، ولا يمكن لعملية السلام أن تستقيم إذا قامت على احترام الفلسطينيين فقط لالتزاماتهم، بينما تتنكر إسرائيل لجميع التزاماتها.
لقد وصل التوسع الاستيطاني حداً بات يشكل تهديداً خطيراً يقوض الأساس المادي لحل الدولتين، فمنذ توقيع اتفاق أوسلو تضاعف عدد المستوطنين بنسبة 300%، ولا يكاد يمر يوم دون أن تعلن إسرائيل عن خطط أو عطاءات لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة.
ومما يزيد الأمور تعقيدا أن حكومة نتنياهو تصر على وضع شروط تعجيزية جديدة ليس لها أساسٌ في مرجعيات السلام وقرارات الشرعية الدولية، فرغم أننا اعترفنا بدولة إسرائيل، إلا أن مطالبتنا بالاعتراف بها كدولة 'يهودية' هو شرط مسبق لا يمكن قبوله، لأنه يهدد بتحويل الصراع المحتدم في منطقتنا الملتهبة إلى صراع ديني مدمر، ويعرض للخطر مستقبل مليون وربع المليون فلسطيني من مواطني دولة إسرائيل، ويشطب سلفاً حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ويشكل غطاء لنزعات توسعية تقضي على فرص حل الدولتين.
نحن التزمنا بالشرعية الدولية، فاعترفنا بدولة إسرائيل وفق صيغة تم التفاوض عليها، ودونت في رسائل متبادلة بين الزعيمين الراحلين ياسر عرفات ويتسحاق رابين عام 1993، وبات هذا الملف بالنسبة لنا مغلقاً، وأية محاولة لفتحه هي اختلاق لذرائع جديدة بهدف عرقلة عملية السلام.
وفي المقابل، من حقنا أن نتساءل: لماذا ترفض إسرائيل الاعتراف بدولتنا؛ دولة فلسطين، إذا كانت جادة في قبول حل الدولتين؟
نحن أكدنا قبولنا بالشرعية الدولية، عندما أقر مجلسنا الوطني الفلسطيني عام 1988، اعتماد برنامج السلام الفلسطيني الذي يتبنى حل الدولتين: دولة فلسطين المستقلة عاصمتها القدس الشرقية على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حزيران 67، أي فوق 22% فقط من أراضي فلسطين التاريخية، تعيش جنباً إلى جنب بأمن وسلام مع دولة إسرائيل.
لقد كانت تلك الخطوة الصعبة والمؤلمة تهدف الى تحقيق التسوية التاريخية التي تسمح بإحلال السلام بين الشعبين.
وقد بات هذا البرنامج ركيزة استندت إليها مبادرة السلام العربية التي تبنتها الجامعة العربية وسائر الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وهي المبادرة التي تعبر عن استعداد هذه الدول لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار سلام شامل ودائم يضمن انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة إلى حدود الرابع من حزيران 67، وقيام دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار الأممي 194، وتوفير الأمن والسلام لجميع دول المنطقة وشعوبها.
لقد دعونا وما نزال ندعو الإسرائيليين إلى اغتنام هذه الفرصة التي توفر لهم ضماناً للعيش بسلام مع شعوب المنطقة، والتي فيها يكمن الأمن الحقيقي لهم ولأطفالهم، كما لنا ولأطفالنا، فالسلام هو الذي يصنع الأمن، لا القوة العسكرية ولا الهيمنة والتوسع الجغرافي، ولا يمكن الحفاظ على السلام بالقوة، وإنما بالتفاهم .
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
في القدس الشرقية، يتعرض السكان الفلسطينيون إلى سياسة تطهير عرقي منهجية، تشمل هدم المنازل وتشريد السكان وسحب الهويات، بما في ذلك من نواب الشعب المنتخبين، بهدف طردهم من مدينتهم، ويتم تقييد حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، ومواصلة الحفريات التي تهدد أساساتها، فضلاً عن خنق المدينة وعزلها عن محيطها الفلسطيني بحزام من المستوطنات والجدران.
وتواصل قوات الاحتلال اجتياحاتها لمناطق السلطة الفلسطينية، وتشن حملات الدهم والاعتقال، وتطلق العنان لميليشيات المستوطنين المسلحين الذين يحظون بحماية جيش الاحتلال للاعتداء على المواطنين الفلسطينيين العزل، واستهداف بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم وحقولهم وأشجارهم.
ويتواصل الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة، والذي يشكل عقوبة جماعية بحق السكان الأبرياء، كما يستمر استهداف القطاع بالغارات الجوية والقصف المدفعي والاغتيالات، استكمالاً لما جرته الحرب العدوانية ضده قبل ثلاث سنوات من تدمير هائل وخسارة فادحة في الأرواح والممتلكات.
وتحتجز سلطات الاحتلال في سجونها ما يزيد على ستة آلاف أسير فلسطيني بينهم 21 نائباً منتخباً من مختلف الكتل البرلمانية أعلنوا قبل أيام اضرابهم عن الطعام احتجاجاً على ظروف احتجازهم القاسية والمذلة .. نحن نريد أن نراهم أحراراً بين أهلهم، كما تريد عائلة جلعاد شاليط أن ترى ابنها حراً بين أفراد أسرته.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
رغم العقبات الإسرائيلية، عملت السلطة الوطنية الفلسطينية خلال الأعوام الأخيرة على تنفيذ برنامج مكثف، يهدف إلى نشر وتعزيز ثقافة السلام والعدل والديمقراطية والارتقاء بجاهزية المؤسسات الفلسطينية وإعدادها لاستحقاق الاستقلال، ووفقاً لتقرير لجنة الاتصال للدول المانحة (AHLC)، واستناداً إلى تقييمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبعثة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي فقد حقق هذا البرنامج نجاحاً تاماً في الارتقاء بأداء المؤسسات الفلسطينية إلى مستوى أعلى من الضروري لإدارة دولة ناجحة.
ويؤكد التقرير أن فلسطين حققت في هذا المجال إنجازات تفوق تلك التي حققتها العديد من الدول التي تتمتع بعضوية كاملة في الأمم المتحدة ونحن محرومون من هذه العضوية.
استناداً إلى هذه الإنجازات، وإزاء تفاقم معاناة شعبنا الرازح تحت الاحتلال، وفي ضوء انسداد أفق المفاوضات، لم نجد سبيلاً سوى التوجه إلى المجتمع الدولي لندعوه إلى التدخل لفتح آفاق جديدة أمام عملية السلام، وذلك من خلال الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67، وقبول انضمامها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة.
وأكدنا أننا بهذا الطلب لا نهدف إلى عزل إسرائيل أو نزع الشرعية عنها، بل نسعى إلى اكتساب الشرعية لوجودنا كشعب له حق في تقرير المصير كغيره من الشعوب.
إن هدفنا هو نزع الشرعية عن الاحتلال والاستيطان وسياسات الابارتهايد، كما أكدنا أن خطوتنا هذه ليست بديلاً للمفاوضات، بل تشكل عاملاً إيجابياً لتهيئة شروط عملية تفاوضية جادة قادرة على إحراز نتائج مثمرة، وها نحن نعيد التأكيد اليوم على استعدادنا للعودة إلى طاولة المفاوضات وفق مرجعية واضحة تتوافق والشرعية الدولية، وعلى أساس الوقف الكامل للاستيطان.
من هنا كان موقفنا الايجابي من بيان الرباعية الأخير، الذي أعاد تحديد مرجعيات عملية السلام، وبخاصة مبدأ الدولتين على حدود عام 67، وجدد التأكيد على التزامات الطرفين بموجب خطة خارطة الطريق، وبخاصة وقف الاستيطان. إن امتثال إسرائيل لهذه المتطلبات يفتح الطريق لاستئناف عملية السلام.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
اليوم لدينا 128 دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67، ونحن نعتز أن من بينها 17 من الدول الأعضاء في مجلس أوروبا، وتقيم فلسطين علاقات دبلوماسية متطورة مع 24 دولة أخرى من الدول الأعضاء في مجلس أوروبا، ولقد أكدت العديد من هذه الدول، وبخاصة تلك المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي، أنها على استعداد للاعتراف بدولة فلسطين في الوقت المناسب، حسناً، نحن نقول لكم بصدق: الآن هو الوقت المناسب، ونحن نثمن القرار الذي اتخذه البرلمان الأوروبي مؤخراً بهذا الشأن وندعو إلى تنفيذه.
كما أننا نقدر عالياً وباعتزاز القرار الذي اتخذته جمعيتكم الموقرة يوم الثلاثاء الماضي بدعوة دول مجلس أوروبا الست الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى دعم طلب دولة فلسطين للانضمام إلى الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية.
لقد استثمرت أوروبا الكثير من الجهد والمال في دعم بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وقدمت لشعبنا مساعدات جمة سيبقى يذكرها بكل امتنان وعرفان بالجميل، وإن الاعتراف بدولة فلسطين ودعم مسعاها للعضوية في الأمم المتحدة هو حماية للانجازات التي تحققت بفضل ذلك الجهد وذلك الاستثمار، وهو أيضاً تعزيز لمكانة أوروبا ولدورها الريادي في دفع عملية السلام.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
نحن اليوم نعيش عصر الربيع العربي، ونشهد شجاعة الشعوب العربية وهي تعبر عن إرادتها في الظفر بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لقد كنا نحن الفلسطينيين دوماً في قلب حركة الشعوب العربية الطامحة إلى الحرية، وتشبثنا على الدوام بتقاليد الديمقراطية واحترام التعددية وحرية الرأي والتعبير، ولطالما كان هذا مصدر اعتزاز لنا، ومصدر إلهام لأخوتنا من سائر الشعوب العربية، ونحن اليوم في قلب الربيع العربي، نعلن أن ساعة الربيع الفلسطيني قد دقت.
وإذا كان جوهر الربيع العربي هو إرادة الشعوب في انتزاع حريتها، فإن جوهر الربيع الفلسطيني هو الخلاص من الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال، وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
إن بشائر ربيعنا هذا قد تجلت بأروع صورها حين نزل مئات الألوف إلى شوارع مدن وقرى فلسطين ومخيمات الشتات يعبرون بصوت واحد عن إرادتهم في أن تكون فلسطين الدولة رقم 194 في الأمم المتحدة، ولقد حافظت هذه الحركة على طابعها السلمي والحضاري، رغم محاولات الاستفزاز الإسرائيلية، ونحن هنا نؤكد تصميمنا على الحفاظ على سلمية تحركنا الشعبي؛ لأننا نرفض العنف وننبذ الإرهاب بأشكاله كافة، وبخاصة إرهاب الدولة، وإرهاب المستوطنين المسلحين، سنخيب آمالهم بدفعنا نحو التطرف، ولن نذهب للتطرف.
إن شعبنا سيواصل مقاومته الشعبية السلمية ضد الاحتلال والاستيطان وجدار الفصل العنصري، مقدماً بذلك نموذجاً ملهماً لقوة الشعب الأعزل في مواجهة الرصاص وقنابل الغاز والجرافات.
إن العالم الذي احتفى بالربيع العربي يقف اليوم أمام اختبار لمصداقيته: فهل سيتوقف هذا الاحتفاء عند حدود فلسطين؟ أم انه سينجح في تجاوز ازدواجية المعايير، ويفتح ذراعيه لاحتضان الربيع الفلسطيني؟ هل سيسمح لإسرائيل أن تبقى دولة فوق القانون وفوق المساءلة والمحاسبة؟ هل سيسمح لها بأن تواصل رفض قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية وانتهاك القانون الدولي؟ إن شعبنا ينتظر أن يسمع الجواب، وبعض هذا الجواب عندكم سيداتي وسادتي الممثلين المنتخبين لشعوب أوروبا، وشعبنا يناشدكم أن تنهضوا بمسؤولياتكم.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
في خضم هذا النضال الدؤوب من أجل الاستقلال، سوف نواصل بذل كل جهد ممكن من أجل تطوير بناء مجتمعنا، وتوطيد مؤسساتنا الديمقراطية، وترتيب بيتنا الداخلي، أما الانجازات التي تحققت على هذا الصعيد فسوف نسعى لحمايتها والبناء عليها.
نحن نعتز بشكل خاص أننا نجحنا في السنوات الأخيرة في محو الأمية بشكل شبه كامل في فلسطين، إن شعبنا الذي ساهم في بناء العديد من دول العالم، شعب يقدس العلم والثقافة والإبداع، وقد حققنا خطوات ثمينة في توسيع البنية التحتية للتعليم بمستوياته كافة في بلادنا، بحيث بات لدينا الآن (49) جامعة ومعهداً تستوعب ما يوازي 5% من مجموع السكان، وسوف نواصل هذا العمل لتوفير فرص التعليم لجميع أبنائنا.
وبفضل الدعم المشكور الذي تلقيناه من الدول العربية والصديقة، وبخاصة دول أوروبا، أنجزنا العديد من مشاريع البنية التحتية، مع إيلاء اهتمام خاص لتطوير الخدمات الصحية والنهوض بالمناطق الريفية والمهمشة، وقد عملنا وسنواصل العمل على تعزيز سلطة القضاء وسيادة القانون والحفاظ على أمن المواطن وكرامته.
وقد حققنا خطوات هامة على طريق تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وفي مؤسسات صنع القرار، التنفيذية منها والتشريعية والقضائية، ومؤسسات الحكم المحلي، وبهذا الاتجاه وقعنا على اتفاقية إنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، سعياً لتحقيق المساواة التامة بينها وبين الرجل.
ولقد طورنا نظاماً للمراقبة والمساءلة والإصلاح الإداري والمالي، بهدف تكريس الشفافية والنزاهة والحكم الرشيد، ساعين إلى التماثل مع أرقى المعايير الدولية في هذا المجال.
لقد اخترنا، في بناء سلطتنا الوطنية، وفي إرساء دعائم دولتنا المستقبلية، النظام الديمقراطي البرلماني القائم على احترام التعددية والمساواة بين المواطنين، نساء ورجالاً، وسيادة القانون، وصون الحريات وحقوق الإنسان، ورغم الصعوبات والتدخلات الخارجية والقيود الاحتلالية التي زرعت العقبات والألغام في طريق مسيرتنا الديمقراطية، فقد صممنا على مواصلة التشبث بالخيار الديمقراطي وصون حرية التنظيم والعمل الحزبي والنقابي، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، وحماية حرية الرأي والتعبير والنشر والصحافة والاجتماع وصون الحريات الفردية والعامة.
السيد الرئيس
السيدات والسادة
إن نجاحنا في توقيع اتفاق المصالحة الوطنية في القاهرة في الرابع من أيار الماضي شكل خطوة كبرى نحو إنهاء الانقسام الذي مزق وحدة مؤسساتنا الوطنية، وألحق أفدحَ الأضرار بقضيتنا؛ وجوهر هذا الاتفاق هو تشكيل حكومةٍ انتقاليةٍ من شخصيات وطنية مستقلة تحضر لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية في مدى أقصاه أيار 2012.
إن اتفاق المصالحة، هو انجاز إيجابي يصب في صالح عملية السلام وليس العكس، فضلاً عن كونه ضرورةً لا غنى عنها لصون الديمقراطية الفلسطينية وتعزيزها.
سيدي الرئيس
السيدات والسادة
ما يجمع بيننا، نحن الفلسطينيين، وبين أوروبا يتجاوز روابط الجوار الجغرافي بين ضفتي المتوسط، ويذهب أبعد من مجرد علاقات التبادل التجاري والتزاوج الإنساني، وما أنتجته من تفاعل حضاري يمتد إلى آلاف السنين.
ما يجمع بيننا هو قبل هذا وذاك القيم المشتركة التي تشبثت بها شعوبنا، قيم الحرية والإخاء والمساواة والعدالة بين البشر، التي حملت رايتها شعوب أوروبا منذ قرون، والتي تناضل من أجلها اليوم شعوب الأمة العربية، وفي مقدمتها شعبنا الفلسطيني.
إننا ننظر بإعجاب إلى ما أنجزته أوروبا على صعيد إرساء قواعد الديمقراطية التعددية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ونتطلع إلى الاستفادة من خبرتكم في هذا المجال، بهدف تطوير ديمقراطيتنا الناشئة، التي نفخر بها ونعتز، كما ونتطلع بإعجاب إلى هذه المدينة العريقة ستراسبورغ التي كانت محل نزاع بين دول أوروبا وأصبحت اليوم مركزاً للمؤسسات الأوروبية الموحدة ولدعم السلام.
ولا يسعني، في هذا السياق سيدي الرئيس، سوى أن أعبر عن اعتزازي باتفاقية الشراكة التي وقعها اول أمس معكم أخي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون، والتي بموجبها منح المجلس الوطني، برلمان الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، مكانة الشريك من أجل الديمقراطية في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وإننا فخورون بشكل خاص أن تكون فلسطين، بعد المغرب الشقيق، من أوائل الدول العربية التي تتمتع بهذه المكانة، الأمر الذي سيكون له أطيب الأثر في تعزيز أواصر الصداقة والتعاون المشترك بين شعوبنا، وفي تشجيع مسار التحول الديمقراطي في منطقتنا العربية.
وأود أن أعبر لكم عن امتنان الشعب الفلسطيني للدعم السخي الذي يتلقاه من دول أوروبا لمساعدته على بناء اقتصاده ومؤسساته، ونحن نأمل أن يتعزز هذا الدور بمزيد من التعاظم للدور السياسي الذي تلعبه أوروبا في دفع مسيرة السلام في منطقتنا.
سيادة الرئيس
السيدات والسادة،
لقد أعلن قرار الأمم المتحدة رقم 181 عن إقامة دولتين، دولة وجدت هي إسرائيل، وأخرى لم تر النور بعد هي فلسطين، ونحن جئنا نطلب النور لدولتنا، وهذا حقنا المشروع الذي كفله القانون الدولي لنا ليس هذا بديلاً عن المفاوضات، فلا غنى عن المفاوضات للتوصل إلى حل حول الحدود والأمن واللاجئين والمياه والمستوطنات والقدس وإطلاق سراح الأسرى، وكذلك إنهاء الصراع وفق ما حددته مبادرة السلام العربية، لكي تعيش إسرائيل في محيط من السلام يشمل جميع العرب والمسلمين.
نريد أن نعيش كغيرنا من الشعوب بحرية وكرامة ولا نهدف إلى عزل احد بل نريد أن نحمي الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي من الاحتلال والاستيطان الذي يدمر مستقبل الشعبين، وعليهم أن يختاروا بين الاستيطان والسلام، نحن اخترنا السلام.
لقد أيدتم ودعمتم الربيع العربي الذي طالب بالديمقراطية والحرية، وها هو الربيع الفلسطيني قد جاء ليطالب بالحرية وإنهاء الاحتلال، إننا نستحق دعمكم، نثق بكم، وبأنكم لن تتخلوا عنا، ولن تتركونا وحدنا.
نعتمد عليكم
وشكراً لكم.
في خطاب آخر بأوروبا الرئيس الفلسطيني يوبّخ نتنياهو ويؤنب ضمير العالم
- ماذا قال الرئيس الامريكي اوباما للرئيس عباس ؟ وماذا قال الرئيس الفلسطيني لاوباما ؟
- في خطاب آخر بأوروبا الرئيس الفلسطيني يوبّخ نتنياهو ويؤنب ضمير العالم
- خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس " أبو مازن " في الأمم المتحدة يتحول لتظاهرة تأييد للدولة الفلسطينية
- مجلس الوزراء يشيد بخطاب الرئيس أمام الجمعية العامة وأكد أن شعبنا حسم معركة الجاهزية والجدارة
- الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" في كلمته أمام القمة العربية في تونس اليوم الأحد: "إننا مقبلون على أيام غاية في الصعوبة" مطالبا الدول العربية بتفعيل شبكات الأمن المالية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى