علي ابن المديني
الأربعاء أبريل 10, 2019 9:36 am
علي ابن المديني ( خ ، د ، م ، س )
الشيخ الإمام الحجة ، أمير المؤمنين في الحديث ، أبو الحسن ، علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي ، مولاهم البصري ، المعروف بابن المديني ، مولى عروة بن عطية السعدي كان أبوه محدثا مشهورا لين الحديث .
مات سنة ثمان وسبعين ومائة . يروي عن عبد الله بن دينار وطبقته من علماء المدينة . وقد روى والده جعفر بن نجيح يسيرا عن عبد الرحمن بن القاسم التيمي .
سمع علي : أباه ، وحماد بن زيد ، وجعفر بن سليمان ، ويزيد بن زريع ، وعبد الوارث ، وهشيم بن بشير ، وعبد العزيز الدراوردي . ومعتمر بن سليمان ، وسفيان بن عيينة ، وجرير بن عبد الحميد ، والوليد بن مسلم ، وبشر بن المفضل ، وغندرا ، ويحيى بن سعيد ، وخالد بن الحارث ، ومعاذ بن معاذ ، وحاتم بن وردان ، وابن وهب ، وعبد الأعلى السامي ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وعبد العزيز العمي ، وعمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي ، وفضيل بن سليمان النميري ، ومحمد بن طلحة التيمي ، ومرحوم بن عبد العزيز ، ومعاوية بن عبد الكريم ويوسف بن الماجشون ، وعبد الوهاب الثقفي ، وهشام بن يوسف ، وعبد الرزاق ، وخلقا كثيرا . وبرع في هذا الشأن ، وصنف ، وجمع ، وساد الحفاظ في معرفة العلل . ويقال : إن تصانيفه بلغت مائتي مصنف .
حدث عنه : أحمد بن حنبل ، وأبو يحيى صاعقة ، والزعفراني ، وأبو بكر الصاغاني ، وأبو عبد الله البخاري ، وأبو حاتم ، وحنبل بن إسحاق ، ومحمد بن يحيى ، وعلي بن أحمد بن النضر ، ومحمد بن أحمد بن البراء ، والحسن بن شبيب المعمري ، وولده عبد الله بن علي ، والبخاري فأكثر ، وأبو داود ، وحميد بن زنجويه ، وصالح بن محمد جزرة ، وعبيد الله بن عثمان العثماني ، وهلال بن العلاء ، والحسن البزار ، وأبو داود الحراني ، وإسماعيل القاضي ، وأبو مسلم الكجي ، وعلي بن غالب البتلهي وأبو خليفة الفضل بن الحباب ، ومحمد بن جعفر بن الإمام بدمياط ، وابن يعلى الموصلي ، ومحمد بن محمد الباغندي ، وأبو القاسم البغوي ، وعبد الله بن محمد بن أيوب الكاتب خاتمة من روى عنه .
وقد روى عنه من شيوخه جماعة : منهم سفيان بن عيينة ، وعاش هذا الكاتب بعد سفيان مائة وثمانيا وعشرين سنة .
مولد علي في سنة إحدى وستين ومائة قاله علي بن أحمد بن النصر ، ولد بالبصرة .
قال أبو حاتم الرازي : كان ابن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل . وكان أحمد بن حنبل لا يسميه ، إنما يكنيه تبجيلا له ، ما سمعت أحمد سماه قط .
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي ، عن زينب بنت أبي القاسم ، وأخبرنا ابن عساكر عن زينب ، وعبد المعز البزاز ، قالا : أخبرنا زاهر بن طاهر ، أخبرنا أبو سعد الأديب ، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ ، حدثنا عبيد الله بن عثمان العثماني ببغداد ، حدثنا علي بن عبد الله المديني ، حدثنا محمد بن طلحة التيمي ، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها .
أخرجه النسائي عن حميد بن زنجويه النسائي ، عن علي ابن المديني ، فوقع بدلا عاليا بدرجتين .
أنبأنا المسلم بن علان ، والمؤمل بن محمد قالا : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الحافظ أخبرنا أبو سعد الماليني ، أخبرنا ابن عدي ، حدثنا ابن ناجية ، وعلي بن أحمد بن مروان ، ومحمد بن خالد البردعي ، قالوا : أخبرنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد العدوي ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثني علي ابن المديني ، عن أبي عاصم ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، فذكر حديثا . ثم قال سفيان : تلومني على حب علي ، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني .
وروى الحسين بن محمد بن عفير ، حدثنا أحمد بن سنان قال : كان ابن عيينة يقول لعلي ابن المديني - ويسميه حية الوادي - : إذا استثبت سفيان أو سئل عن شيء ، يقول : لو كان حية الوادي .
وقال العباس العنبري : كان سفيان يسمي علي ابن المديني حية الوادي . وعن ابن عيينة قال : إني لأرغب عن مجالستكم ، ولولا علي ابن المديني ما جلست .
وقال خلف بن الوليد الجوهري : خرج علينا ابن عيينة يوما ، ومعنا علي ابن المديني ، فقال : لولا علي ، لم أخرج إليكم .
وروى علي بن سعيد الرازي ، عن سهل بن زنجلة قال : كنا عند ابن عيينة وعنده رؤساء أصحاب الحديث ، فقال : الرجل الذي روينا عنه أربعة أحاديث الذي يحدث عن الصحابة ؟ فقال ابن المديني : زياد بن علاقة ؟ فقال نعم .
قال الساجي : سمعت العباس بن عبد العظيم يقول : سمعت روح بن عبد المؤمن ، سمعت ابن مهدي يقول : علي ابن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاصة بحديث ابن عيينة .
وقال ابن عدي : حدثنا عبد الرحمن بن أبي قرصافة ، حدثنا محمد بن علي ابن أخت غزال ، سمعت القواريري ، سمعت يحيى بن سعيد يقول : الناس يلومونني في قعودي مع علي ، وأنا أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني . روى نحوها صالح جزرة ، عن القواريري .
وقال عباس العنبري : كان يحيى القطان ربما قال : لا أحدث شهرا ولا أحدث كذا ، فحدثت أنه حدث ابن المديني قبل انقضاء الشهر . قال : فكلمت يحيى في ذلك ، فقال : إني أستثني عليا ، ونحن نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا .
وقال يحيى بن معين : علي من أروى الناس عن يحيى القطان ، أرى عنده أكثر من عشرة آلاف ، عنده عنه أكثر من مسدد . كان يحيى يدني عليا وكان صديقه .
قال أبو قدامة السرخسي : سمعت عليا يقول : رأيت كأن الثريا تدلت حتى تناولتها .
قال أبو قدامة : صدق الله رؤياه ، بلغ في الحديث مبلغا لم يبلغه أحد .
قال يعقوب الفسوي : سمعت عبد الرحمن بن أبي عباد القلزمي - وكان من أصحاب علي - قال : جاءنا علي ابن المديني يوما ، فقال : رأيت في هذه الليلة كأني مددت يدي فتناولت أنجما . فمضينا معه إلى معبر ، فقال : ستنال علما ، فانظر كيف تكون . فقال له بعض أصحابنا : لو نظرت في الفقه - كأنه يريد الرأي - فقال : إن اشتغلت بذاك انسلخت مما أنا فيه .
أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن ابن بوش ، عن أبي سعد الصيرفي ، عن محمد بن علي الصوري ، سمعت عبد الغني بن سعيد ، سمعت وليد بن القاسم سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول : كأن الله خلق علي ابن المديني لهذا الشأن .
قال إبراهيم بن معقل : سمعت البخاري يقول : ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني .
قال عباس العنبري : بلغ علي ما لو قضي أن يتم على ذلك ، لعله كان يقدم على الحسن البصري ، كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه ، وكل شيء يقول أو يفعل أو نحو هذا . يعقوب الفسوي : قال علي ابن المديني : صنفت " المسند " مستقصى ، وخلفته في المنزل ، وغبت في الرحلة ، فخالطته الأرضة ، فلم أنشط بعد لجمعه .
قال أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم : كان علي إذا قدم بغداد ، تصدر في الحلقة ، وجاء ابن معين ، وأحمد بن حنبل ، والمعيطي ، والناس يتناظرون . فإذا اختلفوا في شيء ، تكلم فيه علي .
قال أحمد بن أبي خيثمة : سمعت ابن معين يقول : كان علي ابن المديني إذا قدم علينا ، أظهر السنة ، وإذا ذهب إلى البصرة أظهر التشيع .
قلت : كان إظهاره لمناقب الإمام علي بالبصرة لمكان أنهم عثمانية ، فيهم انحراف على علي .
أخبرنا أبو الحسين اليونيني أخبرنا جعفر ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا المبارك الطيوري أخبرنا الفالي أخبرنا أحمد بن خربان ، حدثنا أبو محمد الرامهرمزي حدثنا زنجويه بن محمد النيسابوري بمكة ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، سمعت علي ابن المديني يقول : التفقه في معاني الحديث نصف العلم ، ومعرفة الرجال نصف العلم .
قال أبو العباس السراج : سمعت محمد بن يونس ، سمعت علي ابن المديني يقول : تركت من حديثي مائة ألف حديث ، منها ثلاثون ألفا لعباد بن صهيب .
وعن البخاري : وقيل له : ما تشتهي ؟ قال : أن أقدم العراق ، وعلي ابن المديني حي ، فأجالسه . سمعها أبو العباس السراج من البخاري .
قال أبو عبيد الآجري : قيل لأبي داود : أحمد بن حنبل أعلم أم علي ؟ فقال : علي أعلم باختلاف الحديث من أحمد .
قال عبد المؤمن النسفي : سألت صالح بن محمد : هل كان يحيى بن معين يحفظ ؟ فقال : لا إنما كان عنده معرفة . قلت : فعلي ؟ قال : كان يحفظ ويعرف .
قال أبو داود : علي ابن المديني خير من عشرة آلاف مثل الشاذكوني .
قال عبد الله بن أبي زياد القطواني : سمعت أبا عبيد يقول : انتهى العلم إلى أربعة : أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له ، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه ، وعلي ابن المديني أعلمهم به ، ويحيى بن معين أكتبهم له . قال الفرهياني وغيره من الحفاظ : أعلم أهل زمانه بعلل الحديث علي .
يعقوب الفسوي في " تاريخه " حدثني بكر بن خلف قال : قدمت مكة وبها شاب حافظ ، كان يذاكرني المسند بطرقها . فقلت له : من أين لك هذا ؟ قال : أخبرك ، طلبت إلى علي أيام سفيان أن يحدثني بالمسند ، فقال : قد عرفت ، إنما تريد بذلك المذاكرة . فإن ضمنت لي أنك تذاكر ولا تسميني ، فعلت ، قال : فضمنت له ، واختلفت إليه ، فجعل يحدثني بذا الذي أذاكرك به حفظا .
قال الفسوي : فذكرت هذا لبعض من كان يلزم عليا ، فقال : سمعت عليا يقول : غبت عن البصرة في مخرجي إلى اليمن - أظنه ذكر ثلاث سنين - وأمي حية . فلما قدمت ، قالت : يا بني : فلان لك صديق ، وفلان لك عدو . قلت : من أين علمت يا أمه ؟ قالت : كان فلان وفلان ، فذكرت منهم يحيى بن سعيد يجيئون مسلمين ، فيعزوني ، ويقولون : اصبري ، فلو قدم عليك ، سرك الله بما ترين .
فعلمت أن هؤلاء أصدقاء . وفلان وفلان إذا جاءوا ، يقولون لي : اكتبي إليه ، وضيقي عليه ليقدم .
فأخبرني العباس بن عبد العظيم أو غيره ، قال : قال علي : كنت صنفت " المسند " على الطرق مستقصى ، كتبته في قراطيس وصيرته في قمطر كبير ، وخلفته في المنزل ، وغبت هذه الغيبة . قال : فجئت فحركت القمطر ، فإذا هو ثقيل بخلاف ما كانت ، ففتحتها ، فإذا الأرضة قد خالطت الكتب ، فصارت طينا .
قال أحمد بن يوسف البجيري : سمعت الأعين يقول : رأيت علي ابن المديني مستلقيا ، وأحمد عن يمينه ، وابن معين عن يساره ، وهو يملي عليهما .
قال أبو أمية الطرسوسي : سمعت عليا يقول : ربما أذكر الحديث في الليل ، فآمر الجارية تسرج السراج فأنظر فيه .
البخاري : سمعت أحمد بن سعيد الرباطي قال : قال علي : ما نظرت في كتاب شيخ فاحتجت إلى السؤال به عن غيري .
وعن العباس بن سورة قال : سئل يحيى بن معين ، عن علي ابن المديني والحميدي ، فقال : ينبغي للحميدي أن يكتب عن آخر عن علي ابن المديني .
قال محمد بن طالب بن علي النسفي : سمعت صالح بن محمد يقول : أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي ابن المديني ، وأفقههم في الحديث أحمد ، وأمهرهم بالحديث سليمان الشاذكوني . وقال عبد المؤمن بن خلف : سمعت صالح بن محمد ، سمعت إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول لابن المديني : ويحك يا علي ، إني أراك تتبع الحديث تتبعا لا أحسبك تموت حتى تبتلى .
الفسوي : سمعت عليا ، وقوم يختلفون إليه يقرأ عليهم أبواب السجدة ، كان يذكر له طرف حديث ، فيمر على الصفحة والورقة ، فإذا تعايى في شيء ، لقنوه الحرف والشيء منه ، ثم يمر ويقول : الله المستعان ، هذه الأبواب أيام نطلب كنا نتلاقى به المشايخ ، ونذاكرهم بها ، ونستفيد ما يذهب علينا منها ، وكنا نحفظها . وقد احتجنا اليوم إلى أن نلقن في بعضها .
قال أزهر بن جميل : كنا عند يحيى بن سعيد أنا وعبد الرحمن ، وسفيان الرؤاسي وعلي ابن المديني ، وغيرهم ، إذ جاء عبد الرحمن بن مهدي منتقع اللون أشعث ، فسلم . فقال له يحيى : ما حالك أبا سعيد ؟ قال : خير . رأيت البارحة في المنام كأن قوما من أصحابنا قد نكسوا . قال علي ابن المديني : يا أبا سعيد هو خير . قال الله - تعالى - : ومن نعمره ننكسه في الخلق قال : اسكت ، فوالله إنك لفي القوم .
قال الأثرم اللغوي : سمعت الأصمعي يقول لعلي ابن المديني : والله يا علي لتتركن الإسلام وراء ظهرك .
أحمد بن كامل القاضي : حدثنا أبو عبد الله غلام خليل ، عن العباس بن عبد العظيم قال : دخلت على علي ابن المديني يوما ، فرأيته واجما مغموما ، فقلت : ما شأنك ؟ قال : رؤيا رأيت ، كأني أخطب على منبر داود عليه السلام .
فقلت : خيرا رأيت ، تخطب على منبر نبي ، فقال : لو رأيت أني أخطب على منبر أيوب ، كان خيرا لي ؛ لأنه بلي في دينه ، وداود فتن في دينه . قال : فكان منه ما كان ، يعني إجابته في محنة القرآن .
قلت : غلام خليل غير ثقة .
الحسين بن فهم : حدثني أبي ، قال : قال ابن أبي دواد للمعتصم : يا أمير المؤمنين ، هذا يزعم - يعني : أحمد بن حنبل - أن الله يرى في الآخرة ، والعين لا تقع إلا على محدود ، والله لا يحد ، فقال : ما عندك ؟ قال : يا أمير المؤمنين عندي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وما هو ؟ قال : حدثني غندر ، حدثنا شعبة ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن جرير قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أربع عشرة ، فنظر إلى البدر ، فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر ، لا تضامون في رؤيته .
فقال لابن أبي دواد : ما تقول ؟ قال : أنظر في إسناد هذا الحديث ، ثم انصرف . فوجه إلى علي ابن المديني ، وعلي ببغداد مملق ، ما يقدر على درهم ، فأحضره ، فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم ، وقال : هذه وصلك بها أمير المؤمنين ، وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه . وكان له رزق سنتين . ثم قال له : يا أبا الحسن حديث جرير بن عبد الله في الرؤية ما هو ؟ قال : صحيح . قال : فهل عندك عنه شيء ؟ قال : يعفيني القاضي من هذا .
قال : هذه حاجة الدهر . ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه . ولم يزل حتى قال له : في هذا الإسناد من لا يعمل عليه ، ولا على ما يرويه ، وهو قيس بن أبي حازم ، إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه . فقبل ابن أبي دواد عليا واعتنقه .
فلما كان الغد ، وحضروا ، قال ابن أبي دواد : يا أمير المؤمنين : يحتج في الرؤية بحديث جرير ، وإنما رواه عنه قيس ، وهو أعرابي بوال على عقبيه ؟ قال : فقال أحمد بعد ذلك : فحين أطلع لي هذا ، علمت أنه من عمل علي ابن المديني ، فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه .
رواها المرزباني : أخبرني محمد بن يحيى يعني : الصولي ، حدثنا الحسين .
ثم قال الخطيب : أما ما حكي عن علي في هذا الخبر من أنه لا يعمل على ما يرويه قيس ، فهو باطل . قد نزه الله عليا عن قول ذلك ؛ لأن أهل الأثر - وفيهم علي - مجمعون على الاحتجاج برواية قيس وتصحيحها ، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة . وليس في التابعين من أدرك العشرة ، وروى عنهم ، غير قيس مع روايته عن خلق من الصحابة . إلى أن قال : فإن كان هذا محفوظا عن ابن فهم ، فأحسب أن ابن أبي دواد ، تكلم في قيس بما ذكر في الحديث ، وعزا ذلك إلى ابن المديني ، والله أعلم .
قلت : إن صحت الحكاية ، فلعل عليا قال في قيس ما عنده عن يحيى القطان ، أنه قال : هو منكر الحديث ، ثم سمى له أحاديث استنكرها ، فلم يصنع شيئا ، بل هي ثابتة ، فلا ينكر له التفرد في سعة ما روى ، من ذلك حديث كلاب الحوأب ، وقد كاد قيس أن يكون صحابيا ، أسلم في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم هاجر إليه ، فما أدركه ، بل قدم المدينة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بليال . وقد قال يحيى بن معين فيما نقله عنه معاوية بن صالح ، كان قيس بن أبي حازم أوثق من الزهري .
نعم ، ورؤية الله - تعالى - في الآخرة منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نقل تواتر ، فنعوذ بالله من الهوى ، ورد النص بالرأي .
قال أبو داود : أجود التابعين إسنادا قيس بن أبي حازم ، قد روى عن تسعة من العشرة ، لم يرو عن عبد الرحمن بن عوف .
قال الخطيب : ولم يحك أحد ممن ساق المحنة أن أحمد نوظر في حديث الرؤية . قال : والذي يحكى عن علي أنه روى لابن أبي دواد حديثا عن الوليد بن مسلم في القرآن ، كان الوليد أخطأ في لفظة منه ، فكان أحمد ينكر على علي روايته لذلك الحديث . فقال المروذي : قلت لأبي عبد الله : إن علي ابن المديني حدث عن الوليد حديث عمر : " كلوه إلى عالمه " فقال : " إلى خالقه " . فقال : هذا كذب . ثم قال : هذا قد كتبناه عن الوليد ، إنما هو فكلوه إلى عالمه وهذه اللفظة قد روي عن ابن المديني غيرها .
قال محمد بن طاهر بن أبي الدميك : حدثنا ابن المديني ، حدثنا الوليد ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا الزهري ، حدثني أنس بن مالك قال : بينما عمر جالس في أصحابه إذ تلا هذه الآية : وفاكهة وأبا ثم قال : هذا كله قد عرفناه ، فما الأب ؟ قال ، وفي يده عصية يضرب بها الأرض ، فقال : هذا لعمر الله التكلف . فخذوا أيها الناس بما بين لكم ، فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه .
قال الخطيب : أخبرنيه أبو طالب بن بكير ، أخبرنا مخلد بن جعفر الدقاق ، حدثنا ابن أبي الدميك .
وقال أحمد بن محمد الصيدلاني : حدثنا المروذي قلت لأبي عبد الله : إن عليا يحدث عن الوليد ، فذكر الحديث ، وقال : " فكلوه إلى خالقه " . فقال أبو عبد الله : كذب . حدثنا الوليد بن مسلم مرتين إنما هو : كلوه إلى عالمه .
وقال عباس العنبري : قلت لابن المديني : إنهم قد أنكروه عليك ، فقال : حدثتكم به بالبصرة ، وذكر أن الوليد أخطأ فيه . فغضب أبو عبد الله وقال : فنعم ، قد علم أن الوليد أخطأ فيه ، فلم حدثهم به ؟ أيعطيهم الخطأ ؟! قال المروذي : سمعت رجلا من أهل العسكر يقول لأبي عبد الله : ابن المديني يقرئك السلام ، فسكت . فقلت لأبي عبد الله قال لي عباس العنبري : قال علي ابن المديني : وذكر رجلا فتكلم فيه ، فقلت له : إنهم لا يقبلون منك ، إنما يقبلون من أحمد بن حنبل . قال : قوي أحمد على السوط ، وأنا لا أقوى .
أبو بكر الجرجاني : حدثنا أبو العيناء قال : دخل ابن المديني إلى ابن أبي دواد بعدما تم من محنة أحمد ما جرى ، فناوله رقعة ، قال : هذه طرحت في داري ، فإذا فيها :
يا ابن المديني الذي شرعت له دنيا فجاد بدينه لينالها ماذا دعاك إلى اعتقاد مقالة
قد كان عندك كافرا من قالها أمر بدا لك رشده فقبلته
أم زهرة الدنيا أردت نوالها ؟ فلقد عهدتك - لا أبا لك - مرة
صعب المقادة للتي تدعى لها إن الحريب لمن يصاب بدينه
لا من يرزى ناقة وفصالها
فقال له أحمد : هذا بعض شراد هذا الوثن ، يعني : ابن الزيات ، وقد هجي خيار الناس ، وما هدم الهجاء حقا ، ولا بنى باطلا . وقد قمت وقمنا من حق الله بما يصغر قدر الدنيا عند كثير ثوابه . ثم دعا له بخمسة آلاف درهم ، فقال : اصرفها في نفقاتك وصدقاتك .
قال زكريا الساجي : قدم ابن المديني البصرة ، فصار إليه بندار ، فجعل علي يقول : قال أبو عبد الله ، قال أبو عبد الله ، فقال بندار على رءوس الملأ : من أبو عبد الله ، أأحمد بن حنبل ؟ قال : لا ، أحمد بن أبي دواد . فقال بندار : عند الله أحتسب خطاي ، شبه علي هذا ، وغضب وقام .
قال أبو بكر الشافعي : كان عند إبراهيم الحربي قمطر من حديث ابن المديني ، وما كان يحدث به . فقيل له : لم لا تحدث عنه ؟ قال : لقيته يوما ، وبيده نعله ، وثيابه في فمه ، فقلت : إلى أين ؟ فقال : ألحق الصلاة خلف أبي عبد الله ، فظننت أنه يعني أحمد بن حنبل ، فقلت : من أبو عبد الله ؟ قال : ابن أبي دواد ، فقلت : والله لا حدثت عنك بحرف . وقال سليمان بن إسحاق الجلاب ، وآخر : قيل لإبراهيم الحربي : أكان ابن المديني يتهم ؟ قال : لا ، إنما كان إذا حدث بحديث فزاد في خبره كلمة ، ليرضي بها ابن أبي دواد . فقيل له : أكان يتكلم في أحمد بن حنبل ؟ قال : لا ، إنما كان إذا رأى في كتاب حديثا عن أحمد قال : اضرب على ذا ، ليرضي به ابن أبي دواد ، وكان قد سمع من أحمد ، وكان في كتابه : سمعت أحمد ، وقال أحمد ، وحدثنا أحمد . وكان ابن أبي دواد إذا رأى في كتابه حديثا عن الأصمعي قال : اضرب على ذا ، ليرضي نفسه بذلك .
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : سمعت يحيى بن معين ، وذكر عنده علي ابن المديني ، فحملوا عليه . فقلت : ما هو عند الناس إلا مرتد ، فقال : ما هو بمرتد ، هو على إسلامه ، رجل خاف فقال .
قال ابن عمار الموصلي في " تاريخه " قال لي علي ابن المديني : ما يمنعك أن تكفر الجهمية ، وكنت أنا أولا لا أكفرهم ؟ فلما أجاب علي إلى المحنة ، كتبت إليه أذكره ما قال لي ، وأذكره الله . فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي . ثم رأيته بعد ، فقال لي : ما في قلبي مما قلت ، وأجبت إلى شيء ، ولكني خفت أن أقتل ، وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطا واحدا لمت ، أو نحو هذا .
قال ابن عمار : ودفع عني علي امتحان ابن أبي دواد إياي ، شفع في ، ودفع عن غير واحد من أهل الموصل من أجلي ، فما أجاب ديانة إلا خوفا .
وعن علي بن سلمة النيسابوري : سمعت علي بن الحسين بن الوليد يقول : ودعت علي بن عبد الله ، فقال : بلغ أصحابنا عني أن القوم كفار ضلال ، ولم أجد بدا من متابعتهم ، لأني جلست في بيت مظلم ثمانية أشهر ، وفي رجلي قيد ثمانية أمناء ، حتى خفت على بصري . فإن قالوا : يأخذ منهم ، فقد سبقت إلى ذلك ، قد أخذ من هو خير مني .
إسنادها منقطع .
رواها الحاكم ، فقال : أخبرت عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن زهير ، سمعت علي بن سلمة .
قال ابن عدي : سمعت مسدد بن أبي يوسف القلوسي ، سمعت أبي يقول : قلت لابن المديني : مثلك يجيب إلى ما أجبت إليه ؟ فقال : يا أبا يوسف ، ما أهون عليك السيف .
قال الحاكم : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يذكر فضل ابن المديني وتقدمه ، فقيل له : قد تكلم فيه عمرو بن علي ، فقال : والله لو وجدت قوة لخرجت إلى البصرة ، فبلت على قبر عمرو .
أجاز لنا ابن علان وغيره ، قالوا : أخبرنا الكندي ، أخبرنا الشيباني ، أخبرنا الخطيب ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا موسى بن إبراهيم بن النضر العطار ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، سمعت عليا على المنبر يقول : من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن زعم أن الله لا يرى فهو كافر ، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر .
ابن مخلد العطار : حدثنا محمد بن عثمان ، سمعت علي ابن المديني يقول قبل أن يموت بشهرين : القرآن كلام الله غير مخلوق . ومن قال مخلوق ، فهو كافر . وقال عثمان بن سعيد الدارمي ، سمعت علي ابن المديني يقول : هو كفر ، يعني : من قال : القرآن مخلوق .
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كان أبو زرعة ترك الرواية عن علي من أجل ما بدا منه في المحنة . وكان والدي يروي عنه لنزوعه عما كان منه . قال أبي : كان علي علما في الناس في معرفة الحديث والعلل .
قلت : ويروى عن عبد الله بن أحمد ، أن أباه أمسك عن الرواية عن ابن المديني ، ولم أر ذلك ، بل في " مسنده " عنه أحاديث ، وفي " صحيح البخاري " عنه جملة وافرة .
قال الإمام أبو زكريا صاحب " الروضة " : ولابن المديني في الحديث نحو من مائتي مصنف .
قال حنبل بن إسحاق : أقدم المتوكل عليا إلى هاهنا ورجع إلى البصرة ، فمات .
قلت : إنما مات بسامراء . قاله البغوي وغيره .
قال الحارث بن محمد : مات بسامراء في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين .
وقال البخاري : مات ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع .
ووهم الفسوي ، فقال : مات سنة خمس ، رحمه الله وغفر له .
وفي سنة أربع مات أبو جعفر النفيلي ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو خيثمة ، وابن نمير ، والشاذكوني ، وعثمان بن طالوت ، وعبد الله بن براد الأشعري ، وعلي بن بحر القطان ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، وأخوه محمد ، وعقبة بن مكرم الكوفي ، وأبو الربيع الزهراني . ومحمد بن عائذ ، والمعافي بن سليمان الجزري ، وشجاع بن مخلد ، ويحيى بن يحيى الليثي .
قال أبو عبد الله الحاكم : سمعت قاضي القضاة محمد بن صالح الهاشمي يقول : هذه أسامي مصنفات علي ابن المديني : " الأسماء والكنى " ثمانية أجزاء ، " الضعفاء " عشرة أجزاء ، " المدلسون " خمسة أجزاء ، " أول من فحص عن الرجال " جزء ، " الطبقات " عشرة أجزاء ، " من روى عمن لم يره " جزء ، " علل المسند " ثلاثون جزءا ، " العلل من رواية إسماعيل القاضي " أربعة عشر جزءا ، " علل حديث ابن عيينة " ثلاثة عشر جزءا " من لا يحتج به ولا يسقط " جزءان ، " من نزل من الصحابة النواحي " خمسة أجزاء ، " التاريخ " عشرة أجزاء ، " العرض على المحدث " جزءان ، " من حدث ورجع عنه " جزءان ، " سؤال يحيى وابن مهدي عن الرجال " خمسة أجزاء ، " سؤالات يحيى القطان " أيضا جزءان ، " الأسانيد الشاذة " جزءان ، " الثقات " عشرة أجزاء ، " اختلاف الحديث " خمسة أجزاء ، " الأشربة " ثلاثة أجزاء ، " الغريب " خمسة أجزاء ، " الإخوة والأخوات " ثلاثة أجزاء ، " من عرف بغير اسم أبيه " جزءان ، " من عرف بلقبه " ، " العلل المتفرقة " ثلاثون جزءا ، " مذاهب المحدثين " جزءان . ثم قال عقيب هذا أبو بكر الخطيب : فجميع هذه الكتب انقرضت ، رأينا منها أربعة كتب أو خمسة .
سير أعلام النبلاء » الطبقة الثانية عشرة » علي ابن المديني
الشيخ الإمام الحجة ، أمير المؤمنين في الحديث ، أبو الحسن ، علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي ، مولاهم البصري ، المعروف بابن المديني ، مولى عروة بن عطية السعدي كان أبوه محدثا مشهورا لين الحديث .
مات سنة ثمان وسبعين ومائة . يروي عن عبد الله بن دينار وطبقته من علماء المدينة . وقد روى والده جعفر بن نجيح يسيرا عن عبد الرحمن بن القاسم التيمي .
سمع علي : أباه ، وحماد بن زيد ، وجعفر بن سليمان ، ويزيد بن زريع ، وعبد الوارث ، وهشيم بن بشير ، وعبد العزيز الدراوردي . ومعتمر بن سليمان ، وسفيان بن عيينة ، وجرير بن عبد الحميد ، والوليد بن مسلم ، وبشر بن المفضل ، وغندرا ، ويحيى بن سعيد ، وخالد بن الحارث ، ومعاذ بن معاذ ، وحاتم بن وردان ، وابن وهب ، وعبد الأعلى السامي ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وعبد العزيز العمي ، وعمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي ، وفضيل بن سليمان النميري ، ومحمد بن طلحة التيمي ، ومرحوم بن عبد العزيز ، ومعاوية بن عبد الكريم ويوسف بن الماجشون ، وعبد الوهاب الثقفي ، وهشام بن يوسف ، وعبد الرزاق ، وخلقا كثيرا . وبرع في هذا الشأن ، وصنف ، وجمع ، وساد الحفاظ في معرفة العلل . ويقال : إن تصانيفه بلغت مائتي مصنف .
حدث عنه : أحمد بن حنبل ، وأبو يحيى صاعقة ، والزعفراني ، وأبو بكر الصاغاني ، وأبو عبد الله البخاري ، وأبو حاتم ، وحنبل بن إسحاق ، ومحمد بن يحيى ، وعلي بن أحمد بن النضر ، ومحمد بن أحمد بن البراء ، والحسن بن شبيب المعمري ، وولده عبد الله بن علي ، والبخاري فأكثر ، وأبو داود ، وحميد بن زنجويه ، وصالح بن محمد جزرة ، وعبيد الله بن عثمان العثماني ، وهلال بن العلاء ، والحسن البزار ، وأبو داود الحراني ، وإسماعيل القاضي ، وأبو مسلم الكجي ، وعلي بن غالب البتلهي وأبو خليفة الفضل بن الحباب ، ومحمد بن جعفر بن الإمام بدمياط ، وابن يعلى الموصلي ، ومحمد بن محمد الباغندي ، وأبو القاسم البغوي ، وعبد الله بن محمد بن أيوب الكاتب خاتمة من روى عنه .
وقد روى عنه من شيوخه جماعة : منهم سفيان بن عيينة ، وعاش هذا الكاتب بعد سفيان مائة وثمانيا وعشرين سنة .
مولد علي في سنة إحدى وستين ومائة قاله علي بن أحمد بن النصر ، ولد بالبصرة .
قال أبو حاتم الرازي : كان ابن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل . وكان أحمد بن حنبل لا يسميه ، إنما يكنيه تبجيلا له ، ما سمعت أحمد سماه قط .
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي ، عن زينب بنت أبي القاسم ، وأخبرنا ابن عساكر عن زينب ، وعبد المعز البزاز ، قالا : أخبرنا زاهر بن طاهر ، أخبرنا أبو سعد الأديب ، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ ، حدثنا عبيد الله بن عثمان العثماني ببغداد ، حدثنا علي بن عبد الله المديني ، حدثنا محمد بن طلحة التيمي ، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها .
أخرجه النسائي عن حميد بن زنجويه النسائي ، عن علي ابن المديني ، فوقع بدلا عاليا بدرجتين .
أنبأنا المسلم بن علان ، والمؤمل بن محمد قالا : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الحافظ أخبرنا أبو سعد الماليني ، أخبرنا ابن عدي ، حدثنا ابن ناجية ، وعلي بن أحمد بن مروان ، ومحمد بن خالد البردعي ، قالوا : أخبرنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد العدوي ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثني علي ابن المديني ، عن أبي عاصم ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، فذكر حديثا . ثم قال سفيان : تلومني على حب علي ، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني .
وروى الحسين بن محمد بن عفير ، حدثنا أحمد بن سنان قال : كان ابن عيينة يقول لعلي ابن المديني - ويسميه حية الوادي - : إذا استثبت سفيان أو سئل عن شيء ، يقول : لو كان حية الوادي .
وقال العباس العنبري : كان سفيان يسمي علي ابن المديني حية الوادي . وعن ابن عيينة قال : إني لأرغب عن مجالستكم ، ولولا علي ابن المديني ما جلست .
وقال خلف بن الوليد الجوهري : خرج علينا ابن عيينة يوما ، ومعنا علي ابن المديني ، فقال : لولا علي ، لم أخرج إليكم .
وروى علي بن سعيد الرازي ، عن سهل بن زنجلة قال : كنا عند ابن عيينة وعنده رؤساء أصحاب الحديث ، فقال : الرجل الذي روينا عنه أربعة أحاديث الذي يحدث عن الصحابة ؟ فقال ابن المديني : زياد بن علاقة ؟ فقال نعم .
قال الساجي : سمعت العباس بن عبد العظيم يقول : سمعت روح بن عبد المؤمن ، سمعت ابن مهدي يقول : علي ابن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاصة بحديث ابن عيينة .
وقال ابن عدي : حدثنا عبد الرحمن بن أبي قرصافة ، حدثنا محمد بن علي ابن أخت غزال ، سمعت القواريري ، سمعت يحيى بن سعيد يقول : الناس يلومونني في قعودي مع علي ، وأنا أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني . روى نحوها صالح جزرة ، عن القواريري .
وقال عباس العنبري : كان يحيى القطان ربما قال : لا أحدث شهرا ولا أحدث كذا ، فحدثت أنه حدث ابن المديني قبل انقضاء الشهر . قال : فكلمت يحيى في ذلك ، فقال : إني أستثني عليا ، ونحن نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا .
وقال يحيى بن معين : علي من أروى الناس عن يحيى القطان ، أرى عنده أكثر من عشرة آلاف ، عنده عنه أكثر من مسدد . كان يحيى يدني عليا وكان صديقه .
قال أبو قدامة السرخسي : سمعت عليا يقول : رأيت كأن الثريا تدلت حتى تناولتها .
قال أبو قدامة : صدق الله رؤياه ، بلغ في الحديث مبلغا لم يبلغه أحد .
قال يعقوب الفسوي : سمعت عبد الرحمن بن أبي عباد القلزمي - وكان من أصحاب علي - قال : جاءنا علي ابن المديني يوما ، فقال : رأيت في هذه الليلة كأني مددت يدي فتناولت أنجما . فمضينا معه إلى معبر ، فقال : ستنال علما ، فانظر كيف تكون . فقال له بعض أصحابنا : لو نظرت في الفقه - كأنه يريد الرأي - فقال : إن اشتغلت بذاك انسلخت مما أنا فيه .
أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن ابن بوش ، عن أبي سعد الصيرفي ، عن محمد بن علي الصوري ، سمعت عبد الغني بن سعيد ، سمعت وليد بن القاسم سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول : كأن الله خلق علي ابن المديني لهذا الشأن .
قال إبراهيم بن معقل : سمعت البخاري يقول : ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني .
قال عباس العنبري : بلغ علي ما لو قضي أن يتم على ذلك ، لعله كان يقدم على الحسن البصري ، كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه ، وكل شيء يقول أو يفعل أو نحو هذا . يعقوب الفسوي : قال علي ابن المديني : صنفت " المسند " مستقصى ، وخلفته في المنزل ، وغبت في الرحلة ، فخالطته الأرضة ، فلم أنشط بعد لجمعه .
قال أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم : كان علي إذا قدم بغداد ، تصدر في الحلقة ، وجاء ابن معين ، وأحمد بن حنبل ، والمعيطي ، والناس يتناظرون . فإذا اختلفوا في شيء ، تكلم فيه علي .
قال أحمد بن أبي خيثمة : سمعت ابن معين يقول : كان علي ابن المديني إذا قدم علينا ، أظهر السنة ، وإذا ذهب إلى البصرة أظهر التشيع .
قلت : كان إظهاره لمناقب الإمام علي بالبصرة لمكان أنهم عثمانية ، فيهم انحراف على علي .
أخبرنا أبو الحسين اليونيني أخبرنا جعفر ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا المبارك الطيوري أخبرنا الفالي أخبرنا أحمد بن خربان ، حدثنا أبو محمد الرامهرمزي حدثنا زنجويه بن محمد النيسابوري بمكة ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، سمعت علي ابن المديني يقول : التفقه في معاني الحديث نصف العلم ، ومعرفة الرجال نصف العلم .
قال أبو العباس السراج : سمعت محمد بن يونس ، سمعت علي ابن المديني يقول : تركت من حديثي مائة ألف حديث ، منها ثلاثون ألفا لعباد بن صهيب .
وعن البخاري : وقيل له : ما تشتهي ؟ قال : أن أقدم العراق ، وعلي ابن المديني حي ، فأجالسه . سمعها أبو العباس السراج من البخاري .
قال أبو عبيد الآجري : قيل لأبي داود : أحمد بن حنبل أعلم أم علي ؟ فقال : علي أعلم باختلاف الحديث من أحمد .
قال عبد المؤمن النسفي : سألت صالح بن محمد : هل كان يحيى بن معين يحفظ ؟ فقال : لا إنما كان عنده معرفة . قلت : فعلي ؟ قال : كان يحفظ ويعرف .
قال أبو داود : علي ابن المديني خير من عشرة آلاف مثل الشاذكوني .
قال عبد الله بن أبي زياد القطواني : سمعت أبا عبيد يقول : انتهى العلم إلى أربعة : أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له ، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه ، وعلي ابن المديني أعلمهم به ، ويحيى بن معين أكتبهم له . قال الفرهياني وغيره من الحفاظ : أعلم أهل زمانه بعلل الحديث علي .
يعقوب الفسوي في " تاريخه " حدثني بكر بن خلف قال : قدمت مكة وبها شاب حافظ ، كان يذاكرني المسند بطرقها . فقلت له : من أين لك هذا ؟ قال : أخبرك ، طلبت إلى علي أيام سفيان أن يحدثني بالمسند ، فقال : قد عرفت ، إنما تريد بذلك المذاكرة . فإن ضمنت لي أنك تذاكر ولا تسميني ، فعلت ، قال : فضمنت له ، واختلفت إليه ، فجعل يحدثني بذا الذي أذاكرك به حفظا .
قال الفسوي : فذكرت هذا لبعض من كان يلزم عليا ، فقال : سمعت عليا يقول : غبت عن البصرة في مخرجي إلى اليمن - أظنه ذكر ثلاث سنين - وأمي حية . فلما قدمت ، قالت : يا بني : فلان لك صديق ، وفلان لك عدو . قلت : من أين علمت يا أمه ؟ قالت : كان فلان وفلان ، فذكرت منهم يحيى بن سعيد يجيئون مسلمين ، فيعزوني ، ويقولون : اصبري ، فلو قدم عليك ، سرك الله بما ترين .
فعلمت أن هؤلاء أصدقاء . وفلان وفلان إذا جاءوا ، يقولون لي : اكتبي إليه ، وضيقي عليه ليقدم .
فأخبرني العباس بن عبد العظيم أو غيره ، قال : قال علي : كنت صنفت " المسند " على الطرق مستقصى ، كتبته في قراطيس وصيرته في قمطر كبير ، وخلفته في المنزل ، وغبت هذه الغيبة . قال : فجئت فحركت القمطر ، فإذا هو ثقيل بخلاف ما كانت ، ففتحتها ، فإذا الأرضة قد خالطت الكتب ، فصارت طينا .
قال أحمد بن يوسف البجيري : سمعت الأعين يقول : رأيت علي ابن المديني مستلقيا ، وأحمد عن يمينه ، وابن معين عن يساره ، وهو يملي عليهما .
قال أبو أمية الطرسوسي : سمعت عليا يقول : ربما أذكر الحديث في الليل ، فآمر الجارية تسرج السراج فأنظر فيه .
البخاري : سمعت أحمد بن سعيد الرباطي قال : قال علي : ما نظرت في كتاب شيخ فاحتجت إلى السؤال به عن غيري .
وعن العباس بن سورة قال : سئل يحيى بن معين ، عن علي ابن المديني والحميدي ، فقال : ينبغي للحميدي أن يكتب عن آخر عن علي ابن المديني .
قال محمد بن طالب بن علي النسفي : سمعت صالح بن محمد يقول : أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي ابن المديني ، وأفقههم في الحديث أحمد ، وأمهرهم بالحديث سليمان الشاذكوني . وقال عبد المؤمن بن خلف : سمعت صالح بن محمد ، سمعت إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول لابن المديني : ويحك يا علي ، إني أراك تتبع الحديث تتبعا لا أحسبك تموت حتى تبتلى .
الفسوي : سمعت عليا ، وقوم يختلفون إليه يقرأ عليهم أبواب السجدة ، كان يذكر له طرف حديث ، فيمر على الصفحة والورقة ، فإذا تعايى في شيء ، لقنوه الحرف والشيء منه ، ثم يمر ويقول : الله المستعان ، هذه الأبواب أيام نطلب كنا نتلاقى به المشايخ ، ونذاكرهم بها ، ونستفيد ما يذهب علينا منها ، وكنا نحفظها . وقد احتجنا اليوم إلى أن نلقن في بعضها .
قال أزهر بن جميل : كنا عند يحيى بن سعيد أنا وعبد الرحمن ، وسفيان الرؤاسي وعلي ابن المديني ، وغيرهم ، إذ جاء عبد الرحمن بن مهدي منتقع اللون أشعث ، فسلم . فقال له يحيى : ما حالك أبا سعيد ؟ قال : خير . رأيت البارحة في المنام كأن قوما من أصحابنا قد نكسوا . قال علي ابن المديني : يا أبا سعيد هو خير . قال الله - تعالى - : ومن نعمره ننكسه في الخلق قال : اسكت ، فوالله إنك لفي القوم .
قال الأثرم اللغوي : سمعت الأصمعي يقول لعلي ابن المديني : والله يا علي لتتركن الإسلام وراء ظهرك .
أحمد بن كامل القاضي : حدثنا أبو عبد الله غلام خليل ، عن العباس بن عبد العظيم قال : دخلت على علي ابن المديني يوما ، فرأيته واجما مغموما ، فقلت : ما شأنك ؟ قال : رؤيا رأيت ، كأني أخطب على منبر داود عليه السلام .
فقلت : خيرا رأيت ، تخطب على منبر نبي ، فقال : لو رأيت أني أخطب على منبر أيوب ، كان خيرا لي ؛ لأنه بلي في دينه ، وداود فتن في دينه . قال : فكان منه ما كان ، يعني إجابته في محنة القرآن .
قلت : غلام خليل غير ثقة .
الحسين بن فهم : حدثني أبي ، قال : قال ابن أبي دواد للمعتصم : يا أمير المؤمنين ، هذا يزعم - يعني : أحمد بن حنبل - أن الله يرى في الآخرة ، والعين لا تقع إلا على محدود ، والله لا يحد ، فقال : ما عندك ؟ قال : يا أمير المؤمنين عندي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وما هو ؟ قال : حدثني غندر ، حدثنا شعبة ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن جرير قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أربع عشرة ، فنظر إلى البدر ، فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر ، لا تضامون في رؤيته .
فقال لابن أبي دواد : ما تقول ؟ قال : أنظر في إسناد هذا الحديث ، ثم انصرف . فوجه إلى علي ابن المديني ، وعلي ببغداد مملق ، ما يقدر على درهم ، فأحضره ، فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم ، وقال : هذه وصلك بها أمير المؤمنين ، وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه . وكان له رزق سنتين . ثم قال له : يا أبا الحسن حديث جرير بن عبد الله في الرؤية ما هو ؟ قال : صحيح . قال : فهل عندك عنه شيء ؟ قال : يعفيني القاضي من هذا .
قال : هذه حاجة الدهر . ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه . ولم يزل حتى قال له : في هذا الإسناد من لا يعمل عليه ، ولا على ما يرويه ، وهو قيس بن أبي حازم ، إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه . فقبل ابن أبي دواد عليا واعتنقه .
فلما كان الغد ، وحضروا ، قال ابن أبي دواد : يا أمير المؤمنين : يحتج في الرؤية بحديث جرير ، وإنما رواه عنه قيس ، وهو أعرابي بوال على عقبيه ؟ قال : فقال أحمد بعد ذلك : فحين أطلع لي هذا ، علمت أنه من عمل علي ابن المديني ، فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه .
رواها المرزباني : أخبرني محمد بن يحيى يعني : الصولي ، حدثنا الحسين .
ثم قال الخطيب : أما ما حكي عن علي في هذا الخبر من أنه لا يعمل على ما يرويه قيس ، فهو باطل . قد نزه الله عليا عن قول ذلك ؛ لأن أهل الأثر - وفيهم علي - مجمعون على الاحتجاج برواية قيس وتصحيحها ، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة . وليس في التابعين من أدرك العشرة ، وروى عنهم ، غير قيس مع روايته عن خلق من الصحابة . إلى أن قال : فإن كان هذا محفوظا عن ابن فهم ، فأحسب أن ابن أبي دواد ، تكلم في قيس بما ذكر في الحديث ، وعزا ذلك إلى ابن المديني ، والله أعلم .
قلت : إن صحت الحكاية ، فلعل عليا قال في قيس ما عنده عن يحيى القطان ، أنه قال : هو منكر الحديث ، ثم سمى له أحاديث استنكرها ، فلم يصنع شيئا ، بل هي ثابتة ، فلا ينكر له التفرد في سعة ما روى ، من ذلك حديث كلاب الحوأب ، وقد كاد قيس أن يكون صحابيا ، أسلم في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم هاجر إليه ، فما أدركه ، بل قدم المدينة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بليال . وقد قال يحيى بن معين فيما نقله عنه معاوية بن صالح ، كان قيس بن أبي حازم أوثق من الزهري .
نعم ، ورؤية الله - تعالى - في الآخرة منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نقل تواتر ، فنعوذ بالله من الهوى ، ورد النص بالرأي .
قال أبو داود : أجود التابعين إسنادا قيس بن أبي حازم ، قد روى عن تسعة من العشرة ، لم يرو عن عبد الرحمن بن عوف .
قال الخطيب : ولم يحك أحد ممن ساق المحنة أن أحمد نوظر في حديث الرؤية . قال : والذي يحكى عن علي أنه روى لابن أبي دواد حديثا عن الوليد بن مسلم في القرآن ، كان الوليد أخطأ في لفظة منه ، فكان أحمد ينكر على علي روايته لذلك الحديث . فقال المروذي : قلت لأبي عبد الله : إن علي ابن المديني حدث عن الوليد حديث عمر : " كلوه إلى عالمه " فقال : " إلى خالقه " . فقال : هذا كذب . ثم قال : هذا قد كتبناه عن الوليد ، إنما هو فكلوه إلى عالمه وهذه اللفظة قد روي عن ابن المديني غيرها .
قال محمد بن طاهر بن أبي الدميك : حدثنا ابن المديني ، حدثنا الوليد ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا الزهري ، حدثني أنس بن مالك قال : بينما عمر جالس في أصحابه إذ تلا هذه الآية : وفاكهة وأبا ثم قال : هذا كله قد عرفناه ، فما الأب ؟ قال ، وفي يده عصية يضرب بها الأرض ، فقال : هذا لعمر الله التكلف . فخذوا أيها الناس بما بين لكم ، فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه .
قال الخطيب : أخبرنيه أبو طالب بن بكير ، أخبرنا مخلد بن جعفر الدقاق ، حدثنا ابن أبي الدميك .
وقال أحمد بن محمد الصيدلاني : حدثنا المروذي قلت لأبي عبد الله : إن عليا يحدث عن الوليد ، فذكر الحديث ، وقال : " فكلوه إلى خالقه " . فقال أبو عبد الله : كذب . حدثنا الوليد بن مسلم مرتين إنما هو : كلوه إلى عالمه .
وقال عباس العنبري : قلت لابن المديني : إنهم قد أنكروه عليك ، فقال : حدثتكم به بالبصرة ، وذكر أن الوليد أخطأ فيه . فغضب أبو عبد الله وقال : فنعم ، قد علم أن الوليد أخطأ فيه ، فلم حدثهم به ؟ أيعطيهم الخطأ ؟! قال المروذي : سمعت رجلا من أهل العسكر يقول لأبي عبد الله : ابن المديني يقرئك السلام ، فسكت . فقلت لأبي عبد الله قال لي عباس العنبري : قال علي ابن المديني : وذكر رجلا فتكلم فيه ، فقلت له : إنهم لا يقبلون منك ، إنما يقبلون من أحمد بن حنبل . قال : قوي أحمد على السوط ، وأنا لا أقوى .
أبو بكر الجرجاني : حدثنا أبو العيناء قال : دخل ابن المديني إلى ابن أبي دواد بعدما تم من محنة أحمد ما جرى ، فناوله رقعة ، قال : هذه طرحت في داري ، فإذا فيها :
يا ابن المديني الذي شرعت له دنيا فجاد بدينه لينالها ماذا دعاك إلى اعتقاد مقالة
قد كان عندك كافرا من قالها أمر بدا لك رشده فقبلته
أم زهرة الدنيا أردت نوالها ؟ فلقد عهدتك - لا أبا لك - مرة
صعب المقادة للتي تدعى لها إن الحريب لمن يصاب بدينه
لا من يرزى ناقة وفصالها
فقال له أحمد : هذا بعض شراد هذا الوثن ، يعني : ابن الزيات ، وقد هجي خيار الناس ، وما هدم الهجاء حقا ، ولا بنى باطلا . وقد قمت وقمنا من حق الله بما يصغر قدر الدنيا عند كثير ثوابه . ثم دعا له بخمسة آلاف درهم ، فقال : اصرفها في نفقاتك وصدقاتك .
قال زكريا الساجي : قدم ابن المديني البصرة ، فصار إليه بندار ، فجعل علي يقول : قال أبو عبد الله ، قال أبو عبد الله ، فقال بندار على رءوس الملأ : من أبو عبد الله ، أأحمد بن حنبل ؟ قال : لا ، أحمد بن أبي دواد . فقال بندار : عند الله أحتسب خطاي ، شبه علي هذا ، وغضب وقام .
قال أبو بكر الشافعي : كان عند إبراهيم الحربي قمطر من حديث ابن المديني ، وما كان يحدث به . فقيل له : لم لا تحدث عنه ؟ قال : لقيته يوما ، وبيده نعله ، وثيابه في فمه ، فقلت : إلى أين ؟ فقال : ألحق الصلاة خلف أبي عبد الله ، فظننت أنه يعني أحمد بن حنبل ، فقلت : من أبو عبد الله ؟ قال : ابن أبي دواد ، فقلت : والله لا حدثت عنك بحرف . وقال سليمان بن إسحاق الجلاب ، وآخر : قيل لإبراهيم الحربي : أكان ابن المديني يتهم ؟ قال : لا ، إنما كان إذا حدث بحديث فزاد في خبره كلمة ، ليرضي بها ابن أبي دواد . فقيل له : أكان يتكلم في أحمد بن حنبل ؟ قال : لا ، إنما كان إذا رأى في كتاب حديثا عن أحمد قال : اضرب على ذا ، ليرضي به ابن أبي دواد ، وكان قد سمع من أحمد ، وكان في كتابه : سمعت أحمد ، وقال أحمد ، وحدثنا أحمد . وكان ابن أبي دواد إذا رأى في كتابه حديثا عن الأصمعي قال : اضرب على ذا ، ليرضي نفسه بذلك .
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : سمعت يحيى بن معين ، وذكر عنده علي ابن المديني ، فحملوا عليه . فقلت : ما هو عند الناس إلا مرتد ، فقال : ما هو بمرتد ، هو على إسلامه ، رجل خاف فقال .
قال ابن عمار الموصلي في " تاريخه " قال لي علي ابن المديني : ما يمنعك أن تكفر الجهمية ، وكنت أنا أولا لا أكفرهم ؟ فلما أجاب علي إلى المحنة ، كتبت إليه أذكره ما قال لي ، وأذكره الله . فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي . ثم رأيته بعد ، فقال لي : ما في قلبي مما قلت ، وأجبت إلى شيء ، ولكني خفت أن أقتل ، وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطا واحدا لمت ، أو نحو هذا .
قال ابن عمار : ودفع عني علي امتحان ابن أبي دواد إياي ، شفع في ، ودفع عن غير واحد من أهل الموصل من أجلي ، فما أجاب ديانة إلا خوفا .
وعن علي بن سلمة النيسابوري : سمعت علي بن الحسين بن الوليد يقول : ودعت علي بن عبد الله ، فقال : بلغ أصحابنا عني أن القوم كفار ضلال ، ولم أجد بدا من متابعتهم ، لأني جلست في بيت مظلم ثمانية أشهر ، وفي رجلي قيد ثمانية أمناء ، حتى خفت على بصري . فإن قالوا : يأخذ منهم ، فقد سبقت إلى ذلك ، قد أخذ من هو خير مني .
إسنادها منقطع .
رواها الحاكم ، فقال : أخبرت عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن زهير ، سمعت علي بن سلمة .
قال ابن عدي : سمعت مسدد بن أبي يوسف القلوسي ، سمعت أبي يقول : قلت لابن المديني : مثلك يجيب إلى ما أجبت إليه ؟ فقال : يا أبا يوسف ، ما أهون عليك السيف .
قال الحاكم : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يذكر فضل ابن المديني وتقدمه ، فقيل له : قد تكلم فيه عمرو بن علي ، فقال : والله لو وجدت قوة لخرجت إلى البصرة ، فبلت على قبر عمرو .
أجاز لنا ابن علان وغيره ، قالوا : أخبرنا الكندي ، أخبرنا الشيباني ، أخبرنا الخطيب ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا موسى بن إبراهيم بن النضر العطار ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، سمعت عليا على المنبر يقول : من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن زعم أن الله لا يرى فهو كافر ، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر .
ابن مخلد العطار : حدثنا محمد بن عثمان ، سمعت علي ابن المديني يقول قبل أن يموت بشهرين : القرآن كلام الله غير مخلوق . ومن قال مخلوق ، فهو كافر . وقال عثمان بن سعيد الدارمي ، سمعت علي ابن المديني يقول : هو كفر ، يعني : من قال : القرآن مخلوق .
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كان أبو زرعة ترك الرواية عن علي من أجل ما بدا منه في المحنة . وكان والدي يروي عنه لنزوعه عما كان منه . قال أبي : كان علي علما في الناس في معرفة الحديث والعلل .
قلت : ويروى عن عبد الله بن أحمد ، أن أباه أمسك عن الرواية عن ابن المديني ، ولم أر ذلك ، بل في " مسنده " عنه أحاديث ، وفي " صحيح البخاري " عنه جملة وافرة .
قال الإمام أبو زكريا صاحب " الروضة " : ولابن المديني في الحديث نحو من مائتي مصنف .
قال حنبل بن إسحاق : أقدم المتوكل عليا إلى هاهنا ورجع إلى البصرة ، فمات .
قلت : إنما مات بسامراء . قاله البغوي وغيره .
قال الحارث بن محمد : مات بسامراء في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين .
وقال البخاري : مات ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع .
ووهم الفسوي ، فقال : مات سنة خمس ، رحمه الله وغفر له .
وفي سنة أربع مات أبو جعفر النفيلي ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو خيثمة ، وابن نمير ، والشاذكوني ، وعثمان بن طالوت ، وعبد الله بن براد الأشعري ، وعلي بن بحر القطان ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، وأخوه محمد ، وعقبة بن مكرم الكوفي ، وأبو الربيع الزهراني . ومحمد بن عائذ ، والمعافي بن سليمان الجزري ، وشجاع بن مخلد ، ويحيى بن يحيى الليثي .
قال أبو عبد الله الحاكم : سمعت قاضي القضاة محمد بن صالح الهاشمي يقول : هذه أسامي مصنفات علي ابن المديني : " الأسماء والكنى " ثمانية أجزاء ، " الضعفاء " عشرة أجزاء ، " المدلسون " خمسة أجزاء ، " أول من فحص عن الرجال " جزء ، " الطبقات " عشرة أجزاء ، " من روى عمن لم يره " جزء ، " علل المسند " ثلاثون جزءا ، " العلل من رواية إسماعيل القاضي " أربعة عشر جزءا ، " علل حديث ابن عيينة " ثلاثة عشر جزءا " من لا يحتج به ولا يسقط " جزءان ، " من نزل من الصحابة النواحي " خمسة أجزاء ، " التاريخ " عشرة أجزاء ، " العرض على المحدث " جزءان ، " من حدث ورجع عنه " جزءان ، " سؤال يحيى وابن مهدي عن الرجال " خمسة أجزاء ، " سؤالات يحيى القطان " أيضا جزءان ، " الأسانيد الشاذة " جزءان ، " الثقات " عشرة أجزاء ، " اختلاف الحديث " خمسة أجزاء ، " الأشربة " ثلاثة أجزاء ، " الغريب " خمسة أجزاء ، " الإخوة والأخوات " ثلاثة أجزاء ، " من عرف بغير اسم أبيه " جزءان ، " من عرف بلقبه " ، " العلل المتفرقة " ثلاثون جزءا ، " مذاهب المحدثين " جزءان . ثم قال عقيب هذا أبو بكر الخطيب : فجميع هذه الكتب انقرضت ، رأينا منها أربعة كتب أو خمسة .
سير أعلام النبلاء » الطبقة الثانية عشرة » علي ابن المديني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى