صقر فلسطين
بقلوب ملؤها المحبة وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لك أهلا وسهلا زائرنا الكريم z023
ندعوك
للتسجيل اذا احببت الانضمام لاسرتنا والمشاركة معنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صقر فلسطين
بقلوب ملؤها المحبة وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لك أهلا وسهلا زائرنا الكريم z023
ندعوك
للتسجيل اذا احببت الانضمام لاسرتنا والمشاركة معنا
صقر فلسطين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى صقر فلسطين يرحب بكم نتمنى لكم قضاء اطيب واجمل الاوقات حيث المتعة والفائدة
شرح دعاء جامع رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ ... -عبدالرزاق البدر- 410

اذهب الى الأسفل
صقر فلسطين
صقر فلسطين
صقر فلسطينصقر فلسطين
عدد المشاركات : 9198
العمر : 42
تاريخ التسجيل : 11/12/2008
رسالتي : شرح دعاء جامع رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ ... -عبدالرزاق البدر- Tvquran_3

شرح دعاء جامع رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ ... -عبدالرزاق البدر- 6syvc4





بطاقة الشخصية
أسم المستعمل:
https://palestine-hawk.ahlamountada.com

شرح دعاء جامع رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ ... -عبدالرزاق البدر- Empty شرح دعاء جامع رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ ... -عبدالرزاق البدر-

الأربعاء أبريل 03, 2019 8:41 am
شَرْحُ دُعَاء جَامِع
الحمدُ لله رب العالمين ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى انفسنا طرفة عين . أما بعد:
فهذه ليلة مباركة إن شاء الله أكرمنا الله سبحانه وتعالى فيها بهذا الاجتماع وهذا اللقاء الذي نسأل الله عز وجل أن يجعل فيه بركةً علينا أجمعين ، وأن ينفعنا به ، وأن يجعل ما يقال فيه ويُسمع حجةً لنا لا علينا ، وأن يصلح لنا شأننا كله إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
معاشر الأحبة الكرام : حديثنا في هذا اللقاء عن دعوةٍ عظيمة مباركة مأثورة عن نبينا الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه جمعت خيرًا عظيمًا ومطالب جليلة ومنافع جمة ومصالح متعددة للعبد في دنياه وأخراه ؛ فهي دعوة من جوامع الدعاء ، وكلنا يعلم أن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قد آتاه الله جوامع الكلم ، وتميزت دعواته عليه الصلاة والسام بأنها كوامل جوامع ، ولهذا جاء في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالْكَوَامِلِ من الدعاء)) ؛ وهكذا كانت أدعيته كلها كوامل جوامع ، جمعت الخير كله ، ثم هي في الوقت نفسه أدعية معصومة لا خطأ فيها لأنها من دعاء المعصوم عليه الصلاة والسلام ، فهي أدعية معصومة ليس فيها خطأ ، يكفي أن يُعرف أنها ثابتة عنه ، بينما تلاحظ كثيرا ما يسأل بعض الناس عن بعض الأدعية هل هي صحيحة أو لا ؟ هل هي سليمة أو لا ؟ هل هي مناسبة أو لا ؟ هل فيها خطأ أولا ؟ بينما إذا علم أن هذا دعاء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ارتفع هذا السؤال ، لماذا؟ لأنها أدعية معصومة ؛ فإضافة إلى كونها كاملة فهي أيضا معصومة لا خطأ فيها ولا زلل . أمرٌ ثالث ألا وهو أنها قد اشتملت على أعلى المطالب وأجلّ المقاصد وأنبل الأهداف في الدنيا والآخرة بألفاٍظ معدودات وكلماتٍ موجزات ، لكنها حوت الخير كله والبركة أجمعها .ولهذا يؤكد أهل العلم أن المسلم ينبغي أن يحفظ بعض الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما تيسر له من ذلك ويعتني بدعاء الله سبحانه وتعالى بها ، وتكون في دعواته التي يكرر الدعاء بها والإلحاح على الله سبحانه وتعالى .
والدعوة التي معنا في هذا اللقاء خرَّجها أصحاب السنن الأربعة أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وخرَّجها الإمام أحمد، وسندها ثابت عن نبينا الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ، واللفظ الذي هنا لفظ الترمذي في سننه ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ : رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ ، وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَيَّ ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الهُدَى لِي ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا ، لَكَ ذَكَّارًا ، لَكَ رَهَّابًا ، لَكَ مِطْوَاعًا ، لَكَ مُخْبِتًا ، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا ، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي ، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ، وَأَجِبْ دَعْوَتِي ، وَثَبِّتْ حُجَّتِي ، وَسَدِّدْ لِسَانِي ، وَاهْدِ قَلْبِي ، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي».
هذه الدعوة العظيمة المباركة حوَت الخير كله في مطالبها العظيمة التي اشتملت عليها ، وعند التأمل في هذه الدعوة تجد أنها اشتملت على أكثر من عشرين مطلب ، مع وجازة هذا الدعاء واختصار ألفاظه ودقتها جاء شاملا عاما مباركا ؛ فاشتملت على أكثر من عشرين مطلبا من المطالب العظيمة التي فيها فلاح المرء وسعادته في الدنيا والآخرة . وقد قرأتُ في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه كان كثير الدعاء بهذه الدعوة ، كان كثير العناية بهذه الدعوة يكثر من دعاء الله بها . فالحاصل أنها دعوة عظيمة مباركة جمعت خيرًا كثيرا ، فلعل هذا المجلس المبارك إن شاء الله يكون سببًا لدخول هذه الدعوة المباركة في حياتنا عناية بها ودعاء لله سبحانه وتعالى بهذه الدعوة العظيمة المأثورة عن نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه .
بدأها بقوله «رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ» ؛ وهذا مطلب عظيم طلب الإعانة من الله سبحانه وتعالى ، قال «أعني» ولم يذكر أمرًا معينا محددا يُعان عليه فيكون هذا الإطلاق شاملا للإعانة على كل خير ، أعني: أي على كل خير وفلاح وسعادة في الدنيا والآخرة؛ أعني على نفسي الأمارة بالسوء، أعني على الشيطان أن لا يكون له مدخل علي ، أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ؛ هذه كلها داخلة في هذا اللفظ الموجز في هذا الدعاء «أعني»، ففيها طلب العون من الله ، وكلنا يعلم حديث معاذ عندما قال له النبي عليه الصلاة والسلام : ((يَا مُعَاذُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) ، والله تبارك وتعالى وحده المستعان ، والمعان من عباد الله من أعانه الله ، والموفق من وفقه الله ، فالأمر بيد الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وقوله «ولا تعن علي» هذا فيه دعاء الله سبحانه وتعالى أن لا يعين عليه من أراد به ضرًا أو أراد به شرا أو أراد به نوعا من أنواع الأذى لا تعن علي ؛ فيدخل عدم إعانة النفس الأمارة وعدم إعانة كل من أراده بسوء أو أراده بشر ، «ولا تعن علي» أي اصرف عني شر الأشرار وأذى المعتدين ولا تعن علي .
«وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ» انصرني: أي على عدوي ، وانصرني أيضا على نفسي الأمارة بالسوء ؛ وهذا من أعظم النصر ، وانصرني على الشيطان فيما يأتي به من وساوس وصوارف وصواد عن دين الله سبحانه وتعالى ، ولا تنصر علي : أي ولا تنصر علي عدوًا ؛ وهذا فيه سؤال الله سبحانه وتعالى الحفظ والوقاية والسلامة من الأعداء.
«وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَيَّ» امكر لي: أي يسِّر لي من أسباب التدبير والتوفيق الخفية التي يكون بها نجاة العبد وسلامته من مكر الأعداء وكيدهم وخبثهم وشرهم ، وكلنا يعلم أن الأعداء لهم كيد عظيم ومكر كبار بُغيتهم من وراءه صرف المسلم من هذا الدين العظيم وإبعاده من هذا الخير الكبير {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:30] ؛ فهذا فيه سؤال الله سبحانه وتعالى أن يمكر له؛ أن يدبر له من أسباب التوفيق الخفية التي يسلم وينجو بها من مكر الأعداء وكيدهم ، امكر لي ولا تمكر علي : أي هيء لي من أسباب التوفيق الخفية التي تكون بها نجاتي وجنبني ضد ذلك وسلِّمني منه ، ولا تمكر علي .
«وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ» انظر هذا الطلب يقول ابن تيمية رحمه الله هذه الجملة في أحد كتبه يقول: وهذا من العدل في هذه الدعوة العظيمة ، ما قال انصرني على كل أحد قال : «انصرني على من بغى علي» فطلب هذا النصر على البغاة المعتدين الظالمين ، «انصرني على من بغى علي» .
ثم سأل الله عز وجل المعونة والتيسير لمطالب جليلة جدًا هي كلها من عبادة الله وتحقيق الذل له والانكسار بين يديه قال : «رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ ذَكَّارًا» أي كثير الذكر ، ذاكرًا لك بالكثرة ، مثل ما قال الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[الأحزاب:41] قال جل وعلا: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}[الأحزاب:35] ، {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}[الأنفال:45] ، فذِكر الله بالكثرة هذا من المطالب العظيمة ، فسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله ذكارا لله أي كثير الذكر لله سبحانه وتعالى ، وقد قال العلماء : يكون العبد ذكارا لله كثير الذكر لله إذا واظب على الأذكار المقيدة واعتنى بها بشكل يومي؛ أذكار الصباح ، أذكار المساء ، أذكار النوم ، أذكار الدخول، أذكار الخروج ، أذكار النوم، أذكار الطعام ،إلى غير ذلك من الأذكار المأثورة الموظفة في عمل اليوم ووظيفته اليومية، وهو ما يسميه أهل العلم عمل اليوم والليلة ، فإذا كان مواظبا على ذلك معتنيا به وعلى لسانه متى ما تيسير أذكارا مطلقة كان بذلك من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات .
قال «لَكَ شَكَّارًا» والشكار: كثير الشكر لله على نعمه العظيمة ومننه الجسيمة وعطاياه سبحانه وتعالى التي لا تُعد ، لك شكارا أي وفقني لكثرة الشكر والمواظبة على الشكر والحمد الثناء على الله سبحانه وتعالى . وقوله «شكارا» يتناول الشكر بالقلب اعترافا بالنعم ، والشكر باللسان حمدًا وثناءً على المنعم ، والشكر بالجوارح استعمالا لها في الطاعة ؛ وهذا من معاني الشكر وهو داخل في قوله شكارا ، قال الله تعالى {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}[سبأ:13] ؛ فالعمل عمل الجوارح بالطاعة واستعمال الجوارح في طاعة المنعم سبحانه وتعالى هذا جزء من شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه .
«لَكَ رَهَّابًا» ؛ رهابا : من الرهبة وهي الخوف من الله والخشية من الله سبحانه وتعالى ، وهذا يتولد عنها مجانبة ما يسخط الله والابتعاد عن الآثام وحسن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، وهي ثمرة حسن المعرفة بالله، كما قال الله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28] فهي ثمرة حسن المعرفة بالله سبحانه وتعالى .
قال: «لَكَ مِطْوَاعًا» والمطواع : هو الملازم للطاعة ؛ يقال مطواع ، ويقال مطيع ، ويقال طائع ، فالمطواع هو الملازم لطاعة الله وأيضا طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي من طاعة الله سبحانه وتعالى . قال «لك مطواعا» أي ملازمًا لطاعة الله عز وجل . تأمل هنا وأنت تقول هذا الدعاء «اللهم اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطواعا» استحضر وأنت تدعو هذا الدعاء أنك لن تكون كذلك إلا إذا جعلك الله كذلك ؛ لن تكون ذكارا إلا إذا جعلك الله ، ولن تكون شكارا إلا إذا جعلك الله ، ولن تكون مطواعا إلا إذا جعلك الله عز وجل ، ولن تكون رهابا إلا إذا جعلك الله ، كل هذه الخيرات وهذه الأعمال الجليلات لن يكون فيك شيء منها إلا إذا جعلك الله كذلك {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:29] .
قال «لَكَ مُخْبِتًا» والاخبات: هو الخضوع والذل لله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ}[هود:23] ، قال: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ(34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الحج:34] ؛ فالمخبت: هو المتذلل الذي لانت نفسه وذلت مقبلةً على الله وعلى طاعته والتقرب إليه ، ولهذا لما ذكر الإخبات في هذه السورة سورة الحج ذكر أوصاف المخبتين الذين ذلت نفوسهم وخضعت لله ، قال {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}كأنه قيل من هم؟ قال{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} .
«إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا» ؛ لم يقل "لك أواها لك منيبا" ، ولم يقل "لك أواها ومنيبا" ؛ لأنه كما قال أهل العلم هاتان الصفتان متلازمتان ، مثل ما ذكر الله عز وجل في صفة إبراهيم { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}[هود:75] ، فهما صفتان متلازمتان أواهًا منيبا ؛ «أواه» قيل في معناها : فيها إلحاح العبد في مناجاته وسؤاله وطلبه ودعائه لله عز وجل، «منيبا» أي إلى الله { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ}[الزمر:54] الإنابة : هي الرجوع إلى الله عز وجل بترك المعاصي والإقبال على الطاعات ، فالمنيب إلى الله سبحانه وتعالى هو المقبل على الله بفعل العبادة واجتناب المعاصي والآثام وما حرمه الله سبحانه وتعالى ونهى عباده عنه.
قال : «رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي» توبة العبد إلى الله يفتقر فيها العبد إلى توبتين من الله عليه ؛ الأولى: توفيق الله العبد أن يتوب إلى الله ؛ فهذا التوفيق إلى التوبة هو نفسه توبة ، قال الله عز وجل { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}[التوبة:118] ، فتوبة العبد فيها افتقار أولا إلى الله أن يوفقه للتوبة وأن يجعله تائبا ، وإلا كم من الناس منغمسين في معاصي وفي ذنوب لكنه محروم أن يوفقه الله عز وجل للتوبة ، إذًا العبد بحاجة إلى أن يتوب الله عليه بأن يوفقه للتوبة وأن يتوب عليه بأن يقبل توبته ، فلما قلت قبلها «اجعلني  ذكارا شكارا منيبا أواها» إلى آخره هذه فيها توبتك إلى الله وإقبالك على الله سبحانه وتعالى ؛ فناسب أن تسأل الله أن يتقبل منك توبتك وإنابتك ورجوعك إلى الله سبحانه وتعالى وإخباتك ، اللهم تقبل توبتي ، وقد قال الله سبحانه وتعالى { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[الشورى:25] الله جل وعلا تواب واسمه «التواب» يدل على أمرين : التوفيق للتوبة ، والقبول للتوبة ؛ التوفيق للتوبة هذا قبل توبة العبد ، والقبول للتوبة هذا بعد توبة العبد ، ولهذا كل توبة من العبد مسبوقةٌ بتوبة من الله ومتبوعة أيضا بتوبة من الله ، توبة الله الأولى التوفيق والثانية القبول .
«وَاغْسِلْ حَوْبَتِي» والحوبة: الإثم والذنب والمعصية ؛ فهذا فيه سؤال الله سبحانه وتعالى أن يغسله من ذنوبه وخطاياه ، ويأتي في الدعاء ((اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ)) ، وفي بعض الأحاديث ((من الوسخ)) ؛ فغسل المرء هو تطهيره من دنس الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ؛ الثوب الأبيض إذا علقت فيه أوساخ غُسل زالت ، وتطهير العبد بإزالة دنس الذنوب عنه ، والذنوب هي في الحقيقة وسخٌ ودنس ؛ فإذا أزيلت عنه تطهر بإذن الله سبحانه وتعالى وتنقى وأصبح نقيا طاهرا ، فهنا يسأل الله ذلك يقول «واغسل حوبتي» الحوبة: هي الإثم المعصية .
«وَأَجِبْ دَعْوَتِي» فيه سؤال الله سبحانه وتعالى أن يجيبه دعاءه ، قال وأجب دعوتي: أي لا تردني خائبا ، وقد قال الله سبحانه وتعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:186] ، فالله سبحانه وتعالى يجيب الدعاء لا يرد دعاء من دعاه ، فأنت إذا قلت «أجب دعوتي» هذا يتضمن أنك تسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل دعوتك دعوة مستجابة ، لأن ليس كل دعوة مستجابة ، هناك دعوات مردودة على الداعي وهناك أمور تمنعه من قبول الدعاء كلها جاءت بها السنة ، ولهذا الدعاء المستجاب هو الذي توفرت فيه الشروط وأنتفت موانع ، وإلا السنة جاءت بشروط لقبول الدعاء وأيضا موانع تمنع قبول الدعاء ؛ ((يقبل دعاء أحدكم ما لم يعجل)) ، ((ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم)) جاءت أحاديث كثيرة فيها ضوابط للدعاء المقبول ((يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب))، قال ((ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)) هذا مانع من إجابة الدعاء . إذًا انت لما تقول «أجب دعوتي» تضمن قولك أجب دعوتي أي وفقني لأن تكون دعوتي دعوة مستجابة مستوفية لما يكون به قبول الدعاء وعدم رد الدعاء .
«وَثَبِّتْ حُجَّتِي» هذا فيه سؤال الله سبحانه وتعالى التثبيت ؛ قد قال الله عز وجل { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:27] ثبت حجتي : أي ثبتني على المحجة البيضاء على الحق على الهدى،  أيضا ثبت حجتي بحسن البيان للحق والرد على خصوم الحق؛ بأن تكون حجتي قوية في إثبات الحق وأيضا رد الباطل وإزهاق الضلال والرد على أهله ؛ كل هذا من المعاني الذي يشمله قوله وثبت حجتي .
«وَسَدِّدْ لِسَانِي» والله سبحانه وتعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب:70-71] ؛ فهنا سأل الله عز وجل أن يسدد لسانه ، تسديد اللسان بأن يكون قول اللسان دائما السداد ، أي القول الصحيح السليم القويم ، قال عليه الصلاة والسلام ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) ؛ يعينك على ذلك أن تسأل الله أن يسدد لسانك ، وإلا اللسان والعياذ بالله إذا أرخي له فإنه شرٌ على صاحبه ، قد جاء في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا)). فهنا سأل الله سبحانه وتعالى أن يسدد لسانه ثم أتبعه بقوله :
«وَاهْدِ قَلْبِي» جمع بين دعوة للسان والقلب ؛ اللسان بالسداد ، والقلب بالهداية واهد قلبي . ويقولون «المرء بأصغريه» أصغريه: اللسان والقلب ؛ لهذا كثير ما يأتي في الأدعية الجمع بين اللسان والقلب ((وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا)) هذا فيه دعاء ثابت عن نبينا حديث شداد ، فيأتي الجمع بينهما ، فالقلب السؤال الذي يتعلق به الهداية ، واللسان السؤال الذي يتعلق به السداد بأن يكون قول المرء صوابا سليما لا زلل فيه ولا انحراف، والدعوة التي تتعلق بالقلب الهداية ؛ أن يهدى قلبه إلى الخير وأن يوفق إلى ما فيه الصلاح والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة .
ثم ختم بقوله «وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي» وهذه مهمة جدا ؛ الصدور لا تخلو من سخائم ، فسأل الله عز وجل أن يسلل هذه السخائم التي في صدره ، والسخائم التي في القلب هي الغل الحقد الحسد الضغائن وأمراض القلوب ؛ هذه كلها أدواء تصاب بها القلوب فكم هو جميل بالمرء أن يلح على الله سبحانه وتعالى أن يسلل سخيمة صدره بحيث يكون صدره تجاه المسلمين صدرًا سليمًا ، مثل ما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} ؛ فسأل الله عز وجل أن ينقي الصدر من هذه السخائم التي تكون فيه وهي الغل والحقد والحسد وغير ذلك .
الحاصل أن هذه دعوة عظيمة مباركة ثابتة عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام جمعت خيرًا عظيما ، ولعل هذه الورقة تبقى معنا حتى تكون محفوظة ، يعني هي لا تحتاج أن تكون معنا فترة طويلة لو بقيت عشرة أيام في الجيب ينظر فيها مرة وأخرى ثم تكون محفوظة ، فإذا انتهى منها يعطيها شخص آخر ويحثه على حفظها ويوصيه أن يعطيها ثالثا ، ما يدريك أن تكون بركة هذه الورقة فيحفظها مئات من أولادك وأقاربك وكل من يحفظها يعطيها من يحفظها ويحثه عليها فينتشر الخير ، والخير ينتشر بالدعوة والتواصي والتذكير والتعاون ، فإذا عقد الآن كل واحد العزم أن تكون هذه الدعوة في بيته أهله وأولاده بناته يرغبهم فيها ويحثهم عليها لاشك أنه بإذن الله سبحانه وتعالى يتحقق خير عظيم في هذه الليلة التي نرجو الله أن تكون ليلة مباركة علينا بتعلقنا بالله وتوجهنا إليه وسؤالنا له بهذه الدعوات العظيمات المباركات المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام .
وأختم بأن الدعاء كما قال أهل العلم مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة ، قال أحد السلف من المتقدمين : «نظرت في الخير فإذا هو كثير؛ الصلاة الخير الصيام خير الصدقة خير أبواب الخير كثيرة ، ثم نظرت وإذا ذلك كله بيد الله فأيقنت أن الدعاء مفتاح كل خير» ، فلا تستطيع أن تكون ذاكرا أو تائبا أو منيبا أو أواها إلى غير ذلك إلا إذا يسَّر الله ذلك لك وأعانك عليه .
نسأل الله الكريم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينفعنا أجمعين بما علَّمنا وأن يزيدنا علما ، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . ربنا اعنا ولا تعن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم اجعلنا لك شكارين لك ذكارين ، لك منيبين لك مخبتين ، لك مطيعين ، اللهم تقبل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبت حجتنا ، واهد قلوبنا وسدد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا . اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى